رمز الكرم و التواصل الاجتماعي

الشاي.. ترجمة الحياة وأنيس الجلسات

الشاي.. ترجمة الحياة وأنيس الجلسات
  • 180
أحلام محي الدين أحلام محي الدين

استطاع الشاي أن يأخذ مكانة خاصة في المجتمعات، والبيوت والمناسبات؛ إذ يُعد من أكثر المشروبات استهلاكا في العالم. استطاع عبور الأزمنة. وحدد لذاته في الأجندة العالمية مكانا؛ فاليوم 15 ديسمبر يحتفل العالم بوجوده، وذوقه، وأثره العميق في الشعوب. وفي الجزائر يحتل الشاي مكانة خاصة بمختلف مناطق الوطن، ولا سيما الجنوب الكبير؛ إذ ارتبط هذا المشروب العسجدي ارتباطا بكرم الضيافة، ومتعة الذوق، محققا اللمة الاجتماعية، والفوائد الصحية. كما أصبح المشروب المفضل للكبير والصغير خاصة بعد انتشار محلات بيع الشاي والمكسرات التي غزت الأحياء والمدن، لتنشر رائحة النعناع المختلطة بفخامة الشاي، وتحفّز رغبة اقتناء كوب ينشط الدماغ.

تعود جذور الشاي إلى الصين منذ آلاف السنين؛ حيث اكتُشف، وعُرف. ويُعد المشروب اليومي المفضل بلا منازع، لينتقل عبر الزمن إلى الهند، ثم أوروبا، والبلدان العربية، ليصبح اليوم جزءاً من الحياة اليومية لملايير الأشخاص حول العالم. وهي الصورة التي نشاهدها يوميا في مقرات العمل والمكاتب؛ إذ يختار الكثير من الموظفين وجود الشاي كمشروب طاقة طبيعي على المكاتب صباحا أو بعد الأكل، أو في الفترة المسائية؛ كمتعة، وذوق يحاكي الذاكرة بكل جميل، وحتى كمشروب ساخن خلال أيام الشتاء القارسة.

وتتنوع أصناف الشاي باختلاف طرق معالجته، ونوعية أوراقه. ومنه الشاي الأحمر؛ وهو النوع المطلوب جدا في الشرق الأوسط. والشاي الأسود الذي يُعد الأكثر انتشارا. ويتمتع بنكهة قوية، ولون داكن نتيجة تخميره الكامل. كما يمتاز بقدرته على تنشيط الجسم، وتحسين التركيز، كما يؤكد المختصون في التغذية.

أما الشاي الأخضر الذي يخضع لتخمير أقل؛ ما يمنحه نكهة خفيفة، ولونا مائلا للأخضر، فهو النوع الشائع لدينا بماركات مختلفة، أصبح الزبائن يعدّدونها لا سيما الأصناف التي أثبتت جودة النكهة؛ إذ بات الزبون الآن يسأل عن اسم المنتج الذي صُنع منه ذلك الإبريق، ليتأكد من اكتمال المتعة، وسر الذوق الرفيع. وقد ارتبط اسمه بالفوائد الصحية؛ على غرار المساعدة على فقدان الوزن، وتقوية المناعة، وتحسين عملية الهضم، وتنشيط الدورة الدموية، وتعزيز صحة القلب. كما يُعد الشاي مصدرا مهمّا لمضادات الأكسدة التي تحارب الجذور الحرة في الجسم؛ أي أنه العدو اللدود للسرطان.

الشاي.. رمز الاستمرارية رغم التحديات

يحتل الشاي مكانة خاصة بالجنوب الجزائري، ويطلَق عليه اسم “ التاي” ؛ إذ يُعد رمزا للكرم، ودفء الضيافة. ويحضَّر بعناية كبيرة على الجمر، أو مواقد خاصة. كما يُعد الجليس، والأنيس في السهرات والمناسبات، وفي كل تفاصيل اليوم. يتم تحضيره في الخيم، وفي البراري في خرجات التنزه، أو التخييم خارج البيت لأيام. ويقدَّم في ثلاث كؤوس عند جلسات الترحاب والضيافة. وتحمل هذه العملية دلالات رمزية؛ فالكأس الأولى تمثل بداية الحياة وأحزانها. ويقال إنها فاتحة الحوار، يكون فيها الشاي ثقيلا؛ حتى يبقي الضيف مستيقظا، ونشيطا. أما الكأس الثانية فهي متوازنة في القوة والنكهة. وتمثل توازن الحياة، تتواصل معها متعة الحديث، والجلوس. والكأس الثالثة تلقَّب بكأس الوداع أو كأس الأمان، وهي حلوة وخفيفة، يمكن أن يتناولها الصغار أيضا. وترمز لحلاوة الحياة.

وتختلف طرق إعداد الشاي من منطقة لأخرى، إلا أن سر الذوق والنكهة الرفيعة يعود للجنوب الجزائري؛ إذ يتم تحضير الشاي بطقوس خاصة، حسبما أكد محمد فراح، صاحب محل لبيع الشاي بالعاصمة قائلا: "هناك أمور أساسية ومشتركة بين الجميع في تحضير الشاي؛ على غرار غلي الماء، وغسل أوراق الشاي جيدا، ثم إضافة النعناع.  لكن ما يحرص عليه أهل الجنوب عند تحضير الشاي، هو أن يوضع في أوان خاصة نحاسية على غرار إبريق النحاس، وأن تكون محفوظة جيدا، ولم تمسسها رائحة أو نكهة الزيت، وأن يتم تحضير الشاي بمياه معدنية أو من مياه الينابيع مختلفة الأنواع والأذواق ومنها المر والخفيف؛ أي سر المعادن أيضا، وأخيرا الحفاظ على روح النعناع حية؛ من خلال قطعه بالأيدي وليس بالسكين؛ حتى تبقى رائحته فواحة، وعبقة".