طباعة هذه الصفحة

تتزين به العروس وتتوارثه الأجيال

"السخاب" يعود بقوة إلى الواجهة

"السخاب" يعود بقوة إلى الواجهة
  • القراءات: 2138
❊نجية بلغيث ❊نجية بلغيث

يعتبر "السخاب" من أهم الحلي لدى المرأة التبسية، حيث باتت تتخذه النساء زينة في المناسبات والأعراس، ويعد أكسسوارا هاما لدى العروس التبسية التي أصبحت مؤخرا، تعتمد عليه كثيرا في تجملها، فلا يمكن أن تقيم ليلة "حناء" من دون أن ترتديه، ليكون على رأس الحلي التي تتزين بها، لذلك فقد عاد بقوة ليحتل الصدارة بين مجوهرات المرأة التبسية، التي تزيدها جمالا وأناقة، بعد أن تفنن البعض في عصرنته وإعادة بعثه من جديد.

من لا يعرف "السخاب"، فهو ذلك العقد التقليدي الذي لم ينجح الذهب في منافسته بين الحلي، وهو عقد طويل يكون باللونين الأسود أو البني، تتزين به المرأة التبسية والجزائرية قديما وحاضرا، نظرا لتربعه على عرش الحلي النسوية، تفوح منه أجمل الروائح، لأنه يصنع من مواد تقليدية طبيعية ذات روائح زكية وطيبة، لا تزول منه لعشرات السنين، مهما تعدد ملبسه أو درجات حرارة محيطه وموضعه، ومن بين هذه المواد؛ المسك، العنبر، العطر، الياسمين والقرنفل .. وغيرها بالنسبة لـ«السخاب" الأصلي، لكن هناك المقلد منه، الذي تزول رائحته بعد مدة زمنية قصيرة من لبسه.

تتشابه صناعة "السخاب" في ولاية تبسة كثيرا مع صناعته في ولايات الشرق، حيث يصنع من المواد نفسها، ويكمن التفريق بينهما فقط في طريقة تزيينه، لكن قبل ذلك تصنع من مواده التقليدية ذات الرائحة الزكية العطرة، عجينة تسمى عجينة صناعة "السخاب"، حيث تقوم العجائز أو المرأة الحرفية قبل جفاف العجين، بتقطيعها إلى جزيئات صغيرة باستعمال أصابع اليدين (السبابة والإبهام)، ثم تنجز ثقبا في تلك الجزيئات بإبرة كبيرة الحجم، بغرض تسهيل مرور الخيط الذي سيتوسطها، شريطة أن يكون خيطا رفيعا ومتينا يسمى محليا بخيط "الصنارة" أو "السبيب"، ثم تضاف له قطع فضية أو ذهبية، مثل "الخامسة"، وهناك من يستعمل في تزيينه الخرز الملون أو الفضة أو الذهب.

كان يُصنع للعروس التبسية في الماضي، "سخاب" أصلي خاص بها، لتأخذه معها إلى بيت الزوجية، حيث تحتفظ به إلى أن تزوج ابنتها البكر وتقدمه لها هدية، وبهذا تتوارثه الأجيال، حتى أنه عند ختان الطفل هناك من يلبسنه إياه، لكن مع مرور الوقت، اختفى "السخاب" المحلي في تبسة عن الأنظار واندثر لعقود من الزمن ولم يعد مرغوبا فيه بين المجوهرات والحلي النسائية، وأصبحت تصنعه فقط بعض العجائز، ويخبأ، لأن المرأة لم تعد تتمسك أو ترغب في لبسه، لكن مؤخرا وخلال الثلاث سنوات الأخيرة، عاد إلى الواجهة وبقوة في ولاية تبسة، فأصبحت العروس تراه على واجهة المحلات وارتفعت أسعاره أربع أضعاف، فـ«السخاب" المزين بالفضة تتراوح أسعاره بين 10000 و12000 دينار، أما المزين بالذهب، فتتراوح أسعاره بين 10 و20 مليون سنتيم، لمن استطاع إليه سبيلا، وهناك المزين بقطع من المعدن العادي غير الثمين وغير الأصلي، يتراوح سعره بين 2000 إلى 4000 دينار، لكن المتداول منه بين النساء والأكثر مبيعا هو "السخاب" المزين بالفضة، فقد لاقى رواجا كبيرا. 

من أجل الحفاظ على هذا المكسب التراثي والعمل على عدم اندثاره، تقوم مديرية الثقافة لولاية تبسة منذ ثلاث سنوات تقريبا، على تشجيع الحرفيات المحليات على الظهور وتمثيل ولاية تبسة في مختلف التظاهرات الثقافية المحلية والوطنية، وحتى الدولية، بملبس وزينة تراثية محلية خالصة تعبر عن أصالة المنطقة وتراثها، لتشجيع عودة هذه التراثيات بصورة جديدة تتماشى مع حاضرنا، لكن ذلك غير كاف في النهاية، بالنظر إلى القيمة الكبيرة لمثل هذه المكتسبات التراثية التي يجب عدم التفريط فيها، لأنها إرث تركه الأجداد، يستوجب الأمر التمسك به. ففي ولاية تبسة تعرف هذه الصناعة التقليدية جمودا تاما، إن لم نقل حالة أقرب من الزوال، بسبب عدم اهتمام الأجيال الصاعدة بهذه الصناعة، خاصة "السخاب" المحلي الذي أصبحت صناعته تقتصر على بعض النساء المتقدمات في السن، لأن "السخاب" المحلي ومثيلاته من الحلي التقليدية لم توظف أو تدرج ضمن الأكسسوارات التابعة للزينة النسوية العصرية، الأمر الذي عجل من توقف صناعته من طرف حرفييها وصناعها، ماعدا بعض النساء في بعض المناطق، اللواتي مازلن يحافظن على هذه الصناعة والمكسب في بيوتهن، وبيعه في المحيط العائلي أو الجواري فقط، وكان الأجدر بالقائمين على الصناعات التقليدية والحرف، تشجيع هذا النوع من الحرف ودعمه حتى يسلم من الاندثار والنسيان.