مختصون يشرحون الظاهرة

السحر والشعوذة يهددان المجتمع

السحر والشعوذة يهددان المجتمع
  • 5943
 وردة زرقين وردة زرقين

عرف السحر والشعوذة انتشارا كبيرا في بلادنا خلال السنوات الأخيرة لأسباب عديدة ومتنوعة، منها غياب الوازع الديني والفراغ الروحي وتأخر سن الزواج وكثرة الأمراض والفشل في الأعمال واليأس وغيرها، مما أدى إلى الاضطراب في الوسط الاجتماعي، بحيث يعتقد البعض أن السلطة الاجتماعية اليوم ليست في محلها، فبعدما كانت في القديم ظاهرة السحر والشعوذة الرهيبة تستحوذ على كبار السن والأميين والمتخلفين ذهنيا، أصبحت اليوم تستقطب المثقفين والمتعلمين، وتطورت بذلك الأساليب العملية من الطلاسم والحروز إلى الهواتف النقالة في أيدي الشباب والأطفال. وتتلاعب هذه التطبيقات بعقولهم؛ مما يؤثر على وضعيتهم الاجتماعية والنفسية. وأصبحت هذه التساؤلات في الآونة الأخيرة حديث العام والخاص، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة تكاتف جهود الجميع للقضاء على هذه الآفة الخطيرة التي تُعتبر من الكبائر. "المساء" اتصلت بأخصائيين في المجال وكانت هذه الآراء.

فاتح دبيش أستاذ جامعي في علم الاجتماع بقالمة: الخطر الآتي من مواقع التواصل الاجتماعي

يقول الأستاذ فاتح دبيش إن السحر والشعوذة موضوع الساعة، ويكشف عن حقائق اجتماعية مريرة. والمجتمع اليوم أصبح يعيش في تناقضات وفي خلل وظيفي لدى الشرائح الاجتماعية المختلفة؛ من أساتذة في الجامعة ومعلمين في المدارس، وإداريين ومسؤولين في أحزاب سياسية وغيرهم، فكلهم يتعاطون مع ظاهرة السحر والشعوذة، وهذا دليل على أنها ظاهرة اجتماعية عامة، مما تستدعي دراسة في البحث والتنقيب عن هذه الوضعية التي أصبحت تدق ناقوس الخطر في المجتمع الجزائري.

وأرجع الأستاذ دبيش أسباب تفاقم هذه الظاهرة إلى ضعف التركيبة الذهنية للفرد في المجتمع، وأزمة القراءة؛ لأن شباب اليوم مهتمون بعالم الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي، وأصبحوا لا يقرأون الكتب التي هي خزان حقيقي وأصيل للمعلومات، مؤكدا أن الشخص الذي يقرأ يبني شخصيته وذاكرته ووعيه، أما الوعي الإلكتروني والافتراضي فهو زائف في الوقت والزمن، لذلك فهو مشكل تجهيل للواقع، مضيفا أن سابقا كانت ظاهرة السحر والشعوذة محصورة في الأوساط ضعيفة المستوى العلمي، وكانت الأمية تقريبا بنسبة 90 ٪ في الجزائر، والآن أصبحت بحوالي 10 ٪؛ أي أن 90 ٪ من الجزائريين متعلمون، خاصة أن الدولة شيدت منشآت علمية كبيرة، لكن المشكل المطروح الآن، يقول المتحدث، هو مشكل أخلاقية المجتمع الذي بدأ بالتنصل من أصوله العلمية والجغرافية وحتى الثقافية، مذًكرا بأن مشكلة السحر والشعوذة كانت منتشرة في الأرياف والبوادي والمداشر، والآن أصبحت ظاهرة خطيرة في المدن، والممارسون لهذه الحرفة من المشعوذين والسحرة أصولهم بدوية وغير متحضرة، ويحاولون بذلك التحكم في أهل المدن؛ من خلال نشر هذه الأفكار وتحريف الوعي والجهل بالحقائق الموضوعية الموجودة في عالم الأشخاص، والفراغ الروحي كذلك، وحب السيطرة لمحاولة الربح السريع بدون المرور بالمراحل الكلاسيكية في الربح، وبذل الجهد وفعل الإرادة. كذلك ظاهرة الإعلام غير المتحكم فيه من العالم الافتراضي والمواقع الإلكترونية، التي أصبحت تتحكم في الشباب، بالإضافة إلى تغييب دور الأئمة والأساتذة والمربين وأهل الاختصاص كالنفسانيين، لأن الراقي، يقول دبيش فاتح، ليس بإمكانه وحده إفشال وإبطال مفعول السحر والشعوذة، بل كذلك الطبيب النفساني. وأما الدور الكبير فيعود إلى مؤسسات المجتمع المدني، التي ساهمت في تفريغ المجتمع من مضمونه، والتي يجب عليها أن تكون حية بالتنسيق مع خليات العمل الجواري والجمعيات التي تنشر الوعي، وتقوم بعمليات التحسيس من أجل التخلي عن هذه الطلاسم. ويواصل المختص قائلا: "أما بخصوص مواقع التواصل الاجتماعي فهي غير بريئة، وتعمل ضمن أجندة أجنبية، والجزائر الآن مهددة في عمقها وفي مجتمعها؛ لأنه تبين من خلال الدراسات الأخيرة، أن المجتمع الجزائري نسيج اجتماعي متماسك، ولا طائفية في الجزائر ولا جماعات دينية فيها، بل هو شعب موحد أفرزته الثورة التحريرية المجيدة. والغرب الآن يريد التوغل داخل الأسر الجزائرية، وإحداث فتنة بين الأبناء وأوليائهم، وبين التلاميذ وأساتذتهم، وبين المجتمع ورجال الإعلام ورجال الأمن ورجال القضاء، فهذه العملية مقصودة، وقد خُطط لها لمحاولة تدميرها وتحطيم الجزائر من الداخل، خاصة وبلادنا مرت بسلام على الربيع العربي المفتعل، وهنا يستوجب على رجال الجزائر من رجال الدين ومعلميها وخبرائها وإعلاميّيها ورجال الآمن، محاربة هذه الظاهرة؛ من خلال تفعيل دور الجمعيات المسجدية، والعمل التربوي وضرورة توعية التلاميذ والطلبة داخل المؤسسات الجامعية والمدارس، لاسيما والكل أصبح يقدم تبريراته بأنها مسؤولية الدولة، التي تقوم بتوفير الوسائل، ولكن أفراد المجتمع هم من يفعلون هذه الوسائل؛ فالمسؤولية تقع على الجميع بتكاتف المجهودات.

نور الدين بودبوز إمام مسجد بقالمة:  العودة إلى صحيح الدين للتخلص  من هذه الظاهرة

يقول الإمام نور الدين بودبوز إن ظاهرة السحر والشعوذة أمر واقع ومرض عضال ينخر جسد الأمة لإنجاب جيل سلبي، ويضر المجتمع أكثر من أن ينفعه. وقد تفاقمت هذه الظاهرة لضعف الوازع الديني؛ لأن معظم الناس حاليا أصبحوا يعتمدون على المشعوذين والسحرة في قضاء الحوائج، وقد نسوا أن الله عز وجل هو مدبر ومسيّر الأمور. ولتخلّص المجتمع من هذه الظاهرة الرهيبة لا بد من معالجة نقطتين، هما بناء الشخصية المسلمة السوية التي تحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتحصين الأمة وأبنائها من هذه الأمراض؛ بتربيتهم تربية سليمة وغرس حب الله ورسوله والتحصين النفسي، حتى نبني الشخصية المسلمة السوية المحصّنة بذكر الله عز وجل بالصلاة وقراءة القرآن الكريم وبالأخلاق الحميدة والإيمان بالله والعقيدة السليمة. كما يجب علينا أن نعلّم أبناءنا أن السحر كفر، وكل من ذهب إلى الساحر والمشعوذ قد كفر؛ لأن الله يقول: "وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلّمون الناس السحر وما أُنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت". والمعروف أن السحر من الكبائر، ويستحيل بذلك أن نجد حلولا فيما حرم الله عز وجل، فحلولنا هي في العودة إلى الله سبحانه وتعالى، وفي التوبة إليه.

كمال مساسط أخصائي نفساني بسكيكدة: السحر والشعوذة حالة نفسية بحتة

حول الآثار النفسية والاجتماعية لظاهرة السحر والشعوذة في المجتمع الجزائري المسلم، قال الطبيب النفساني كمال مساسط: "توصلت إلى نتيجة مفادها الابتعاد عن الدين والابتعاد عن القيم الدينية، هو مشكل أساس في ظهور هذه المشكلة الرهيبة. كما أن نسبة 60 بالمائة من النساء تحاول التحري للبحث عن المستقبل أو تعطيل بعض الأمور أو البحث عن بعض الأشياء التي لم يحن موعدها ولم يأذن الله بحدوثها، وذلك بالاستعانة بالسحرة والمشعوذين، وحوالي 40 بالمائة من الرجال يذهبون إلى هؤلاء المشعوذين، لكن الغريب في الأمر أن هذه النسب أغلبها من الطبقة المثقفة؛ من طلبة جامعيين وطلبة ثانويات، والأساتذة هم الفئة الأكثر ذهابا إلى السحرة، والمعروفة بالخارجة عن القانون وعن الدين. 

وبخصوص وجهة النظر في التحليل النفسي، يضيف المتحدث أن هذا المشكل هو حالة نفسية بحتة؛ لأن النقص الذي يكتسبه الشخص يحاول أن يكتسبه عند الآخرين، فالعودة الصحيحة إلى الدين هي الأساس الوحيد للخروج من هذه التصرفات غير الأخلاقية ولا تمتّ لمجتمعنا بصلة.