عكس الطابع الثقافي والبيئي والتاريخي لمدينة الورود
"الربيع البليدي" محطة للباحثين عن عبق الزمن الجميل

- 226

تحولت ساحة الحرية بوسط مدينة البليدة، منذ افتتاح معرض الزهور إحياءً لتظاهرة "الربيع البليدي" الذي يُعد تقليدًا دأبت عليه الولاية المشهورة بورودها المتنوعة، إلى شبه مزرعة يقصدها الزوار من الولايات المجاورة وحتى البعيدة لاكتشاف ما تزخر به "الوريدة" من تنوع في نباتات الزينة، والنباتات الداخلية، وحتى العطرية، الطبية والمثمرة، بالإضافة إلى التعرف عن تاريخ "حرب الورود" الذي تعود جذوره إلى الحقبة الاستعمارية.
ورغم أن المعرض امتد لأكثر من شهر، إلا أن الإقبال لا يزال كبيرًا على مختلف الأنواع التي تستقطب انتباه الزوار، إما لقوة عطرها مثل مسك الليل والفل والياسمين، أو بألوانها الزاهية مثل العذراء والعطرشة، أو بألوانها الخضراء بمختلف التدرجات والأشكال او تلك الشوكية منها. وبين هذا وذاك يبقى وجود إصيص النباتات، أيا كان نوعه، ضروريًا في أي منزل بليدي، حتى وإن كانت عمارة.
يجد المتجول بين مختلف أجنحة معرض الزهور صعوبة في اختيار ما يشتريه إن لم تكن لديه فكرة مسبقة عما يرغب فيه، حيث يحتاج إلى التجول وتصفح المعروض عدة مرات حتى يتمكن من اتخاذ القرار المناسب. فكل الأنواع المعروضة، سواء بألوانها أو أشكالها، تستقطب الزوار بقوة، حتى يجد الزائر نفسه في حيرة ويتساءل: "أيها أختار؟ »
هذا ما أكده البستاني مصطفى حوبان، الذي قال في حديثه مع "المساء" إن بعض الزوار، خاصة من أبناء الولاية، يأتون وهم على دراية بما يرغبون في شرائه. ونعرفهم من خلال ذكرهم لأسماء الورود والأزهار، التي طالما عُرفت واشتهرت بها الولاية منذ القدم ولا تزال موجودة والطلب كبير عليها. ومن هذه الأنواع يضيف المتحدث: " زهرة محمود، المنيقشة، الفجلة، الويزة، الحبق" الذي يكثر عليه الطلب خاصة في هذا الموسم بالضبط لمحاربة البعوض، والخديوجة، ومسك الليل، والياسمين، والفل، والعذراء. وأشار إلى أن ساكنة البليدة يحبون بشكل كبير نبات "العذراء"، الذي يكثر عليه الطلب لأنه من النباتات المزهرة وله عدة ألوان مثل الأحمر، الوردي، البنفسجي والأبيض، وهو من النباتات الزهرية التي توضع خارج المنازل.
كما أضاف المتحدث، بأن ربة البيت البليدية، تحب أيضًا أن يكون في منزلها بعض النباتات العطرية والطبية التي تُستخدم بعضها في الطهي وأخرى للعلاج، مثل الويزة و الميرامية والمريوت والمردقوش، أما البعض الآخر من الزبائن من الذين يتيهون في المعرض ولا يعرفون أسماء الزهور، فيشيرون إلى النباتات بأصابعهم ويسألون عن أسمائها، التي عادة ما تكون معروفة لدى سكان البليدة.
فليس هناك من لا يعرف الخدوجة أو العطرشة أو محمود أو العذراء. هؤلاء يجدون صعوبة في الاختيار، فنضطر للتدخل لمساعدتهم في معرفة ما يرغبون فيه بالضبط حتى تمكنهم من اختيار النوع المناسب، لأن البعض يفضل النباتات المزهرة، وآخرون يفضلون النباتات الداخلية التي تنتمي إلى فئة الشوكيات. من جهة أخرى، أشار المتحدث إلى أن بعض الزوار من سكان البليدة يطلبون البحث عن بعض الأنواع التي أصبحت قليلة مثل "القرنفل"، رغم أن ولاية البليدة كانت مشهورة بهذا النوع من الأزهار.
"النسري" و"المسكي" أزهار اختفت
من جهته أشار عمي أحمد بلقاضي، الذي امتهن زراعة النباتات وبيعها لأكثر من عشر سنوات، إلى أن ولاية البليدة في السنوات الأخيرة ضيّعت بعض أنواع الأزهار التي لطالما عُرفت بها الولاية، ولعل من بين هذه الأنواع: "زهرة النسري" و«المسكي"، اللذان يُعتبران من النباتات التي كان يتم تقطيرها لاستخلاص عطرها وتحويله إلى عطور راقية، لافتا إلى أن المساعي جارية من اجل إعادة إحيائها من بعض الصناعيين والحرفيين.
وأوضح أن العائلات البليدية، لطالما اشتهرت باهتمامها بأنواع مختلفة من النباتات المزهرة وغير المزهرة، ففي الماضي كانت كل منازل البليدة القديمة تعبق بالياسمين، مسك الليل، الفل، العطرشة، أزهار النسري، والمسكي، أما النباتات المنزلية فهي تلك التي تحب الظل وعادة ما تكون الشوكيات ونبات جلد الثعبان ونبات المتسلق والتي كانت تزين المنازل القديمة مثل حي الدويرات. ولفت إلى أنه رغم أن المعرض امتد لأكثر من شهر، إلا أن الإقبال لا يزال كبيرًا، حيث يقصد المعرض يوميًا عدد كبير من الزوار، ولا يغادرونه إلا وهم محملين ببعض الأنواع، سواء المزهرة منها أو الداخلية.
مزارع متخصصة في النباتات العطرية والمثمرة
يبدو أن حب البليديّين للأزهار والنباتات الخضراء، وحتى الطبية والعطرية والمثمرة، دفع بالبعض إلى التخصص فيها. وفي الوقت الذي اختار فيه البعض التخصص في النباتات الصغيرة الشوكية منها لتزيين المنازل، فضّل آخرون دراسة ما يرغبه الزوار، وهو حال البستاني عمي فريد بلقاضي، الذي قال في حديثه مع "المساء"، إنه يتذكر أن انطلاقه في الاهتمام بكل ما له علاقة بالزهور بدأ في طفولته، حيث كان يجمع أزهار الياسمين ويشكلها في صورة سلسلة ويقوم ببيعها لزوار البليدة في ما مضى. ومع مرور الأيام، اختار أن ينشط في مجال غرس الأزهار والورود التي كانت متوفرة بأشكال وأنواع مختلفة بالبليدة المشهورة بالورد.
وحسبه، فإن حياتهم العائلية كانت قائمة على ما يتم بيعه من نبات الياسمين، الأمر الذي جعله يتمسك بهذه الحرفة، حيث كان يزرع في مزرعته المنزلية كل الأنواع ويقوم بعرضها في مختلف المعارض المحلية والجهوية، مع التركيز على كل ما يستقطب العائلات مثل العذراء، الياسمين، ومحمود، وغيرها من النباتات المزهرة.
لكن مع مرور الوقت وتغير العمران في ولاية البليدة، وارتفاع عدد السكان في العمارات، أصبح الطلب كبيرًا على بعض الأنواع التي تُزرع في الشرفات أو النباتات الداخلية، ما جعله يقرر التخصص في الأنواع التي أصبحت أكثر طلبًا لتلبية احتياجات العائلات البليدية التي لم تعد لديها حدائق أو مساحات خضراء في منازلها.
وأشار المتحدث إلى أن العائلات البليدية، نشأت في بيئة مليئة بالأزهار والورود العطرة، لذا فإن حبها لكل ما هو نباتي فطري. ولعل هذا ما يفسر الإقبال الكبير على "معرض الربيع البليدي" في كل مرة يتم تنظيمه، حيث تكون الطلبات كبيرة على تمديد عمره الزمني، يوضح : "إذ نصادف يوميًا عائلات تأتي لاقتناء الأنواع المعروفة منذ الماضي، خاصة ما تعلق منها بنبات "حمود المشهور بالولاية ، "المنيقشة"، "العطرشة"، "العذراء" التي تُعتبر من الأزهار الراقية وغالية الثمن، حيث يصل سعرها إلى أكثر من 1000 دج، بالإضافة إلى الياسمين، مسك الليل، والفل".
وأكد أن العارضين يحاولون من خلال المعرض التنويع في أحجام النباتات لتباع بأسعار مختلفة وتلبي كل الأذواق، لافتا إلى أن ساكنة البليدة أكثر ما يحبونه من نباتات هي: أزهار "السيسان"، "الفل"، "الحبق"، "الياسمين"، و"العذراء"، مشيرًا إلى أن ولاية البليدة هي معقل النباتات المزهرة والداخلية، ولعل هذا ما جعلها تُلقّب بـ"الوريدة".