المجاهد محمد عوماري من أبناء العفرون بولاية البليدة

الذاكرة تأبى نسيان بشاعة المستعمر الغاشم

الذاكرة تأبى نسيان بشاعة المستعمر الغاشم
  • القراءات: 464
رشيدة بلال رشيدة بلال

المجاهد محمد عوماري من أبناء بلدية العفرون بولاية البليدة، أحد المجاهدين الذين تأبى ذاكرتهم نسيان ما فعلته فرنسا الاستمرارية على الأراضي الجزائرية، وهو ما استشعرناه وهو يروي بعض التفاصيل المرتبطة بالثورة الجزائرية لجيل الاستقلال في كل مرة تسمح له الفرصة بذلك، مؤكدا على هامش إحياء الذكرى 63 من مظاهرات 11 ديسمبر 1960، أن هذا التذكير حتى تظل الذاكرة حية لا تموت، وحتى يعرف جيل الاستقلال مقدار التضحيات التي ينعم بها اليوم.

يقول المجاهد محمد عوماري البالغ من العمر 93 سنة، بأن التحاقه بالثورة كان في سن مبكرة؛ لم يكن يتجاوز وقتها 18 سنة، حينما اعتقلته القوات الفرنسية من أجل تجنيده. وخلال تلك الفترة كان من الأشخاص الذين يتمتعون بقدرة عالية على التقاط الأحاديث التي تدور بين أفراد الجيش الفرنسي؛ إذ استمع إلى بعضهم وهم يتحدثون عن الأماكن التي يتواجد فيها المجاهدون، والتي يباشرون فيها  هجوماتهم، فتيقن أن المجاهدين غير بعيدين عنه. وبعدما تم إطلاق صراحه قرر التواصل مع المجاهدين، وكان من بين أهم الأعمال التي يقوم بها، نقل كل صغيرة وكبيرة حول تحركات العدو، وتزويدهم بكل اللوازم.

وأضاف المجاهد أنه مع مرور الوقت التحق بصفوف جيش التحرير الوطني، فانضم لفرقة 150، وكانت مهمته الهجوم؛ حيث تكون الاشتباكات بالسلاح في أعالي الجبال.

ومن المحطات الهامة التي تأبى ذاكرة المجاهد عمي محمد عوماري، أن تنساها "أعمال التعذيب التي طالته رفقة عدد من المجاهدين فيما يسمى " بحوش اليهود "، والذي لايزال شاهدا على صراخ المجاهدين وأنينهم من شدة التعذيب وقسوته؛ يقول: " كان الجنود يطلبون منا حفر قبورنا بأيدينا، ويأمروننا بالنوم فيها. كما كان يتم تعليقنا من أرجلنا، وتعذيبنا "، مشيرا إلى أن أهم ما أساء للثورة حالات " البيعة "، التي كانت تحدث، والتي كانت واحدة من الأسباب التي فضحت نشاطه مع الثوار.

يقول المجاهد عمي محمد: " علمتني الثورة في أعالي جبال البليدة، الصبر، والإيمان بالحرية، والنصر. أذكر أننا كنا نأكل قشور الفول التي نجدها ملقاة في أعلى الجبال، وحبات البلوط من شدة الجوع. وكان يُطلب منا ألا نقترب من الأشجار المثمرة التي لها أصحابها، وإنما نبحث عن تلك التي تنمو بصور عشوائية، لنسد بها جوعنا "، مشيرا إلى أن من بين الأحداث التي يذكرها والتي تسببت في إصابته على مستوى البطن والذراع، القنبلة التي انفجرت أمامه بعدما أطلقتها طائرة مروحية  كانت تلاحقهم، فاستشهد اثنان ممن كانوا معه، فيما ظل هو يصارع الموت وكان ملقى في الغابة يوما كاملا، إلى أن تم نقله من بعض الثوار بعد عملية جراحية بالعاصمة، إلى المكان المسمى "كمورة " بضواحي ولاية المدية، وهو المكان الذي كان مخصصا لعلاج المجاهدين والتكفل بهم؛ حيث تم بناؤه من الطوب والحجر بعيدا عن أعين المحتل الفرنسي.

ودفع المجاهد عمي محمد ضريبة كبيرة خلال الثورة التحريرية؛ إذ فقد كل أفراد عائلته بعدما أُحرق منزله. ولم يثن ذلك من عزيمته، بل زاده تمسكا "بالزى الثوري" الذي يقول عنه: " كنت أعشقه".

وختم المجاهد بالقول: "إن فرنسا اعتمدت لغة السلاح، ولكننا اعتمدنا لغة العقل والحكمة، والتي مكنتنا من الانتصار على خبث وجبروت الاحتلال الفرنسي".