الدكتورة هجيرة تامليكشت أستاذة بمعهد الآثار:

"الخيمة" حاضنة الموروث تسير نحو الاندثار

"الخيمة" حاضنة الموروث تسير نحو الاندثار
الدكتورة هجيرة تامليكشت أستاذة بمعهد الآثار رشيدة بلال
  • القراءات: 675
رشيدة بلال رشيدة بلال

دفع الملتقى الذي احتضنته مؤخرا جامعة الجزائر "2" أبو القاسم سعد الله حول الحرف والصناعات عبر العصور، بالباحثين إلى الكشف عن عدد من الحرف التقليدية التي اعتمد عليها الإنسان القديم لتلبية احتياجاته المختلفة، ومنها حرفة صناعة "الخيمة التقليدية" التي تُعدّ موروثا، بدأت ملامح الاندثار تطاله، الأمر الذي دفع بالدكتورة هجيرة تامليكشت أستاذة بمعهد الآثار، إلى البحث في هذه الحرفة ورفع عدد من التوصيات، التي من شأنها أن تحمي هذا الموروث الذي يعكس الهوية.

اختارت الدكتورة تامليكشت بالنظر إلى التنوع الكبير في الخيمة التقليدية بالمجتمع الجزائري، الحديث عن الخيمة النايلية، حيث أشارت في معرض حديثها مع "المساء"، إلى أنّ أوّل ما ينبغي التأكيد عليه أنّ الخيمة كموروث، تُعدّ صناعة تقليدية، وهو ما تعكسه الطريقة التي يجري بها تحضيرها من حيث المواد المستخدمة، والتي يتم استخراجها من بعض أنواع الماشية ممثلة في الخراف والماعز والإبل، التي يجري تربيتها خصيصا لهذا الغرض، ومن حيث طريقة حياكتها والألوان المستخدمة فيها التي تختلف طبعا من منطقة إلى أخرى. ومن هنا يظهر، حسبها، التمييز والاختلاف الذي يثمّن هذا الموروث التقليدي.

وحسب محدثتنا، فإنّ الحاجة إلى الحديث عن الخيمة التقليدية لا يقتصر على كونها من الصناعات التقليدية فحسب، وإنّما بالنظر أيضا إلى عدد من الصناعات التقليدية التي تقام بداخلها؛ كالنسيج أو الحياكة أو تحضير بعض الأطباق التقليدية أو إحياء بعض المناسبات التقليدية كالأعراس، وبعض الأنشطة المتعلقة بالفروسية التي ترتبط بعادات وتقاليد المنطقة. وقالت: "الأمر الذي يدعونا إلى القول إنّ الخيمة هي صناعة تقليدية وحاضنة لموروث يعكس الهوية، ويحتاج إلى دراسة من الباحثين واهتمام السلطات المعنية، ممثلة في وزارة الثقافة".

من جهة أخرى، ترى محدثتنا أنّ ارتباط الخيمة بالبدو الرحل جعلها تستمر إلى يومنا هذا، قائلة: "كنت أعتقد أن البدو في حدّ ذاتهم، تراجع عددهم، ولم تعد الخيمة التي يستخدمونها في ترحالهم كتلك التي كانت تعدّ قديما. ومن أهم الأسباب التي أدّت إلى تراجع استعمال الخيمة موجة العولمة التي مسّت المجتمع ككلّ، والحاجة إلى الاستقرار والعيش في مسكن مقاوم لمختلف العوامل المناخية"، مشيرة إلى أنّ هذا الأمر يدعونا اليوم للحفاظ على هذا الموروث من الزوال، وإلى تثمينه من خلال دعوة القائمين على القطاع الثقافي، إلى الاهتمام به أكثر.

ومن جملة الاقتراحات التي ترى الدكتورة تامليكشت أنّ بإمكانها حماية هذا الموروث التقليدي من الزوال، المبادرة بتشجيع الولايات ذات الطابع الرعوي والصحراوي التي تُعرف باستعمال هذه الخيمات لحمايتها من الزوال، وذلك بتنصيبها في الولايات، وجعلها مرجعا  للسياح وحتى السكان المحليين خاصة فئة الشباب، ليتعرّفوا عليها وعلى أهم خصائصها التي تعكس منطقتهم، مشيرة إلى أن بالرجوع إلى بعض المراجع التاريخية القديمة، يتّضح أنّ الخيمة بمفهومها التراثي التقليدي، لديها جذور ضاربة في القدم؛ إذ تعود إلى مرحلة فجر التاريخ، حيث بادر الإنسان القديم بعدما عرف الاستقرار، ببناء الخيمات والأكواخ والكهوف، ثم ظهر المسكن، ولكن بالموازاة مع المسكن بمفهومه المعروف، ظلت الخيمة موجودة خاصة في المجتمع الصحراوي، الذي كان يُعرف بكثرة ترحاله بحثا على المأكل والماء، الأمر الذي جعل الخيمة تستمر إلى يومنا هذا، وهو ما تعكسه الخيمة النايلية التي لايزال سكان ولاية الجلفة يحافظون عليها؛ الأمر الذي يقودنا إلى القول إنّ للبدو الرحّل  والمجتمع الصحراوي فضلا كبيرا في استمرار الخيمة.