الأستاذ يوسف معاش لـ«المساء»:

الخرجات التثقيفية تحد من قابلية ممارسة العنف عند التلميذ

الخرجات التثقيفية تحد من قابلية ممارسة العنف عند التلميذ
  • القراءات: 642
 حاورته: حنان س حاورته: حنان س
يكشف الدكتور يوسف معاش عن أن العنف في المدارس أصبح اليوم ظاهرة اجتماعية لا يمكن إنكارها، وأنها في انتشار واسع يثير القلق ويستدعي تدخل عدة جهات للحد من تفاقمها، وأشار إلى أن الظاهرة أخذت أشكالا أخرى مع التطور التكنولوجي والاستعمال الواسع للهاتف النقال ومواقع التواصل الاجتماعي. كما أشار الدكتور في علم النفس من جامعة قسنطينة في حديث خاص مع «المساء»، على هامش ملتقى حول حقوق الطفل، إلى أن العنف المدرسي يتأثر بمظاهر العنف الخارجي، ودعا إلى الخروج بالملتقيات من خانة المناسباتية، خاصة أن الجزائر لها كفاءات بشرية في مختلف الميادين.

@ «المساء»: قدمتم محاضرة حول العنف في المدرسة، وذكرتم أن الظاهرة أصبحت اليوم «ملموسة»، ماذا يعني ذلك؟
@@ صحيح، العنف في المدرسة اليوم أصبح ملموسا، لأن ظاهرة العنف في حد ذاتها تغيرت لتأخذ مظاهر أخرى لم تكن موجودة من قبل، ونعني بذلك وسائل التكنولوجيا كالهاتف النقال والأنترنت التي أصبحت متاحة للطفل، بالتالي أضحت مصدرا آخر للعنف غير الذي كان سائدا منذ عقد، مثلا. ولا يخفى عليكم أن العنف المدرسي هو وليد العنف في المجتمع ككل. ففي دراسة أشرفت عليها وأجريت في قسنطينة خلال السنة الدراسية 2002-2003، كان هدفها تحديد مفهوم العنف في المدرسة، حسب فئة من التلاميذ، ومست الدراسة حوالي 500 تلميذ من مختلف الأطوار المدرسية، ومن بين النتائج المتوصل إليها أن العنف في المدرسة يكون وليد العنف الممارس بأشكاله في المجتمع عموما.

@ هل معنى هذا أن العنف في المدرسة سببه الأسرة بطريقة أو بأخرى؟
@@ صحيح، الطفل يتأثر بكل ما يحيط به سواء في أسرته أو في محيطه، ونحن وجدنا في دراستنا أن التلميذ يمارس أنواعا من العنف تجاه التلاميذ الآخرين، وغالبا ما يكون ذلك في فناء المدرسة، حتى أننا فهمنا أن معظم الألعاب التي يلعبها الأطفال في فترات الاستراحة المدرسية تكون كلها عنيفة، بل وجدنا أنواعا أخرى من العنف الممارس في المدرسة ذاتها.. فاكتظاظ الأقسام عنف، والأستاذ غير المكّون عنف، وكثافة المنهاج الدراسي عنف، ثقل المحفظة في حد ذاته عنف ضد التلميذ.. إذن هذه كلها عوامل تحفز العنف ضد التلميذ بشكل أو بآخر، أضف إلى ذلك، غياب الكثير من الفعاليات التي من شأنها امتصاص الطاقة الزائدة للتلميذ، والشباب بصفة عامة، مما يتولد عنه الفراغ، ولهذا الأخير نصيب في تفاقم العنف الممارس في المجتمع..

@ كيف يمكن معالجة الخلل حسب رأيكم؟
@@ أولا، بإعطاء الكلمة للطفل، فالخطأ الذي يقع فيه الراشدون هو الحديث عن حقوق الطفل دون سماعه، يعني لا بد من إعطاء الكلمة للطفل ليتحدث عن كل ما يؤرقه سواء في البيت أو في القسم، بعدها يمكن الحديث عن الإحاطة بظاهرة العنف ومحاولة إيجاد حلول لها. فنحن في دراستنا حاولنا معرفة مظاهر العنف الممارس ضد الطفل وتحديد أسبابه وصياغة حلول له، صحيح، لكن حاولنا كذلك الوصول إلى تعريف العنف بمفهومه الجزائري، إذ لدينا كفاءات جيدة، يعني دكاترة في مختلف الميادين ومختصين وغيرهم يمكنهم الدراسة والتحليل وصياغة الحلول حول شتى الظواهر ومنها؛ العنف، والخلل يظهر فقط في عدم التنسيق.

@ هل معنى هذا تغييب البحوث المتخصصة؟
@@ إلى حد ما، الإشكال الحقيقي أن هناك انفصاما بين الباحث والإرادة السياسية التي يمكنها أخذ الدراسات التي يقوم بها الباحثون في مختلف المجالات بعين الاعتبار، فالجامعات الجزائرية تشرف على تخرج الآلاف من المختصين في مجالات كثيرة، وهؤلاء أجروا دراسات ميدانية تدرس الكثير من الظواهر في مختلف الميادين، ويتم صياغة حلول واقعية حسب كل ظاهرة، ومنها مثلا، العنف في المدارس، لكن للأسف، تترك تلك الدراسات ونتائجها في أدراج الجامعات وفقط..! وهذا ما نقصد به الانفصام بين الباحث والسياسي.

@  ألا تعتقدون أن التحسيس بظاهرة العنف لا بد أن يكون مستمرا؟
@@ صحيح، لكن السؤال المطروح هنا؛ لماذا لا نخرج بالملتقيات من دائرة المناسباتية؟ إلى حد اليوم بقينا نحضر ملتقيات لتخليد ذكرى بعض المناسبات وحسب، يحضر العديد من الخبراء والمختصين خلال يوم واحد يقدمون بحوثا ودراسات حول مسألة معينة، مثل الملتقى الذي نظم حول حقوق الطفل، ثم يتفرق الجمع و’خلاص’، وهذا خطأ. لماذا لا تكون ملتقيات دورية حول هذا الموضوع (حقوق الطفل)؟ يجتمع الجمع، ثم يتفرق وانتهى الأمر. الجزائر تملك كفاءات يشهد لها، فلماذا يتم تهميش بعضها؟ إذن الحديث عن ظاهرة العنف في المدارس يعني الحديث عن العنف من جميع جوانبه، وليس ليوم واحد فقط، وإنما التحسيس يكون على مدار السنة.

@  كيف ترون الحل في مسألة العنف في المدارس؟
@@ أولا بإعطاء الكلمة للطفل، للتلميذ، كيف يرى دراسته، وما الذي يقلقه في مدرسته؟ المدرسة وسط مفتوح على المجتمع تتأثر بكل ما يتأثر به المجتمع، لذلك لا يمكن أن نطلب من التلميذ تحقيق النجاح إذا كان يعاني من الإرهاق في قسمه بسبب كثرة الدروس والفروض، وفي ظل غياب النشاطات الثقافية التي هي نوع من التربية والتوجيه، ولا يقتصر هذا على التلميذ فقط، بل يتعداه إلى الشباب عامة، فهؤلاء يفتقرون في العديد من الأحياء إلى المراكز الثقافية والخرجات التوجيهية التي من شأنها ملء أوقات الفراغ من جهة، وهذه وسيلة جيدة للتربية تبعد التلاميذ والشباب عن التجمعات دون هدف أو الإنخراط في جماعات سوء. وهكذا يمكن للمدرسة أن تكون جسرا بين الأسرة والمجتمع.