باعتبارها جزءا من الثقافة الجزائرية

الحمّامات الشعبية تقليد أصيل يصارع الزمن

الحمّامات الشعبية تقليد أصيل يصارع الزمن
  • القراءات: 977
 نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

بدأت الحمّامات الشعبية التقليدية في العاصمة تختفي تدريجيا، بعدما كانت لسنوات غير بعيدة منتشرة بشكل ملفت للانتباه ولم تكن حكرا على منطقة دون سواها. وكانت بتصاميمها المعمارية تشهد إقبالا يوميا للنساء، اللواتي كن يجدن فيها ملاذا مثاليا للاهتمام بنظافة الأبدان وجمالها، لتشتد الذروة فيها خلال نهاية الأسبوع والأعياد وبعض المناسبات الخاصة..

الإقبال على الحمّامات الشعبية ليس وليد اليوم وإنما هو امتداد للحضارة العثمانية، حيث أصبح التوافد عليها ثقافة اعتادت عليها العائلات الجزائرية، لاسيما في أكبر المدن وليس العاصمة فقط، إذ أدرجتها في رزنامة احتفالات معيّنة ومناسبات خاصة، كالاستعداد للزفاف أو غيره.

وتثير الحمّامات اهتمام الفتيات والنساء المتقدمات في السن، اللواتي يفضّلن الاستفادة من مزايا حرارة ورطوبة الحمّام التقليدي، لأنه يشعرهن بالراحة ويمنحهن نشاطا للجسم، فكانت ومازالت هذه الحمّامات تغصّ بالزبائن في نهاية كل أسبوع وفي الأعياد، حيث يفضلها روادها بدل الحمامات العصرية أو ما يُعرف بـ «الصونا» المنتشرة في بعض الصالونات والمنتجعات والفنادق، لتقديمها تقريبا نفس الخدمة لكن بأثمان منخفضة.

وخلقت تلك المنتجعات، في وقت ما، منافسة بينها وبين الحمامات الشعبية، لكن سرعان ما فقدت شهرتها في ظل تفضيل الكثيرين «الطابع التقليدي» الذي حافظت عليه الحمامات الشعبية، بفضل الراحة التي تمنحها للمتوافدين عليها للاستحمام والاسترخاء بدون تكلف عناء الدفع الكثير للاستفادة من خدماتها، إذ لازالت تلك الحمامات تطلب مبالغ وصفها الكثيرون بـ «الرمزية» مقارنة بما تطلبه المنتجعات العصرية لنفس الخدمة.

ملاذ للكثيرات..

في جولة ميدانية قادت «المساء» إلى بعض الحمامات بالعاصمة، التفتنا حول موضوعين أساسين؛ مدى الإقبال على تلك الحمامات، والسبب وراء اختفاء الكثير منها. بداية كان وجهتنا الأولى حمام تقليدي بنهج الدكتور سعدان، حيث أوضحت إحدى القائمات عليه، أنّ الحمامات التقليدية لازالت تشهد توافدا كبيرا للناس ليس من النساء فقط وإنما أيضا من الرجال والكهول والشيوخ، إذ قسمت إدارة الحمام فيما بينهم مواقيت الاستقبال. وأشارت المتحدثة إلى أن التوافد على الحمام يشتد خلال نهاية الأسبوع خصوصا يوم الجمعة بعد الصلاة، إذ تتوافد العديدات للاستمتاع بحمام ساخن يرخي عضلات الجسم بعد أسبوع من التعب، حيث يعطي حيوية وطاقة جديدتين للانطلاق في أسبوع بكامل النشاط.

من جهة أخرى، حدثتنا مسيّرة حمام تقليدي آخر ببلدية باب الزوار، أنّ الإقبال على الحمامات الشعبية تقليد راسخ للعديد من النساء، قائلة: «في زمن مضى، كان الذهاب إلى الحمام يمنح الفرد الراحة، فغياب بعض الضروريات في البيت كمسخن الماء الأوتوماتيكي أو المساحة الكافية داخل البيت، كان يدفع الكثيرات للبحث عن حمام للاسترخاء وتنظيف الجسم، لكن اليوم كل الضروريات متوفرة في البيت، إلا أن الحمام لم يفقد شعبيته، بل على العكس، تحوّل من مكان لتنظيف الجسم إلى مكان للالتقاء بالصديقات والتجمع والأخذ والعطاء في أحاديث مطولة عن الحياة والجمال وتبادل بعض الوصفات المتعلقة بذلك وغيرها، ليتحول الحمام إلى ملاذ الكثيرات..

حمّامات تختفي ونساء يتذمّرن

شدّ انتباهنا العدد الكبير من الحمامات التي أسدلت ستائرها في السنوات القليلة الأخيرة، فقد كانت وجهتنا الأولى، حمامان لنفس العائلة بشارع ديدوش مراد، وبالتحديد بخليفة بوخالفة، أحدهما تحوّل قبل فترة إلى مطعم للأكل السريع، حيث أوضح عز الدين، العامل بالمطعم، أن بسبب بعض المشاكل العائلية المتعلقة بالميراث، تم تحويل النشاط إلى مطعم، لاعتقاد المالك الجديد أن المطاعم تجني مداخيل أكثر مما توفرها الحمامات الشعبية التي بقيت أسعارها غير مرتفعة، وهو ما خلق في بداية الأمر، سخطا وسط مرتادي الحمام الذي تميز بالسمعة الطيبة وسط الحي، حيث كانت الحمامات بمثابة ملتقى للسيدات اللواتي كن يجدن أجواء عائلية لطيفة.

أما الحمام الثاني، يضيف محدثنا،  فتحوّل قبل شهر تقريبا، إلى محل لبيع المواد الغذائية «سوبيرات» بعد 30 سنة من النشاط، إذ أشار مالكاه إلى أن إدارة الحمّام أصبحت صعبة نوعا ما بسبب التكاليف التي يتطلبها، على غرار فواتير المياه والصيانة، مشيرين إلى أنّ بيع المواد الغذائية أكثر ربحا من الحمّام.