يكون المطبخ مسرحا لها 30 دقيقة قبل الإفطار

الحرص على «البوراك» و«المطلوع السخون» وراء الحروق في رمضان

الحرص على «البوراك» و«المطلوع السخون» وراء الحروق في رمضان
  • القراءات: 2998
حنان. س حنان. س
تشير الجمعية الوطنية للتوعية والوقاية ضد الحروق إلى أن حوادث الاحتراق تكثر بشكل خاص في رمضان، لأسباب كثيرة أهمها تمضية ساعات طويلة في المطبخ لإعداد مائدة الإفطار، وهو ما يجعل ربات البيوت أولى ضحايا هذه الحوادث ومن بعدها الأطفال، بمعدل استقبال يومي يزيد عن 15 حالة ضحية حروق خلال هذا الشهر الفضيل، ويكون المطبخ مسرحا لهذه الحوادث، بينما تكون نصف الساعة الأخيرة قبيل الإفطار زمنا لها. وعليه، نظمت نفس الجمعية مؤخرا يوما تحسيسيا لتأسيس ثقافة الوقاية من الحروق عموما، وتحديدا خلال شهر الصيام.
أبدى الياس صغير أمين عام الجمعية الوطنية للتوعية والوقاية ضد الحروق في حديث خاص مع «المساء»، على هامش اليوم التحسيسي، تفاؤلا ملحوظا لتراجع حوادث الحروق التي يقول بشأنها المختص بأنها تراجعت بفضل الجهود التوعوية التي تنفذها الجمعيات على مدار العام وقبيل حلول شهر رمضان المبارك، خاصة في الولايات الداخلية التي تسجل ارتفاعا في حالات الإصابة بالحروق بالنظر إلى الاستعمال الكبير للموقد التقليدي 'الطابونة'. يقول؛ «لعبت الأيام التحسيسية التي تنظمها الجمعيات، ومنها جمعية «ناس الخير» لولاية الجلفة، دورا في إحداث نقلة نوعية في مستوى الثقافة الوقائية لدى مختلف فئات وشرائح المجتمع، وهوما كان له أكبر أثر في تراجع الإصابات بالحوادث المنزلية ومنها الحروق. واستنادا إلى بعض الأرقام التي في حوزتنا، فإن ضحايا الحروق بالمفرقعات ـ على سبيل المثال ـ في مناسبة المولد النبوي تراجعت كثيرا في الخمس سنوات الأخيرة، حيث سجلت 62 حالة عام 2009، و17 حالة فقط سنة 2013، علما أن 40 % من ضحايا هذه الحروق أطفال بين عمر 0 و5 سنوات».
وأوضح المتحدث أن أيام شهر رمضان المبارك تشهد تسجيل عدد من إصابات الحروق الناتجة عن انسكاب مياه وسوائل مغلية وحارة على ربات البيوت والأطفال كذلك، «لعل أخطرها الزيت الذي يسبب للضحية تشوها كبيرا على مستوى الوجه واليدين، وتكون الـ30 دقيقة قبيل الإفطار الوقت الذي تسجل فيه معظم الحروق في رمضان، بسبب الإقبال على طهي «البوراك» ليبقى ساخنا وكذا الخبز التقليدي لنفس السبب»، يشرح الياس صغير، مؤكدا على ضرورة إبعاد الأطفال عن المطابخ أثناء إعداد الطعام أو استخدام الموقد لأي سبب كان، داعيا ربات البيوت إلى الحرص على عدم تجاوز هذا الأمر بأي شكل من الأشكال لما في ذلك من تهديد مباشر على سلامتهم.
السهو وراء حالات حروق مشوهة
تحدثت «المساء» خلال التظاهرة التوعوية بحديقة الحامة إلى رب أسرة، كان يحمل ابنه عبد الرحمان رُقيق ذي العامين، الذي كان يبدو عليه أثر الإصابة بحروق على يديه، قال بأن المطبخ يعتبر مكانا خصبا لتزايد إصابات الحروق في ظل تواجد ربات البيوت لساعات طويلة فيه وإلى جانبهن أطفالهن، وهو تماما ما جرى لطفله الذي كان رفقة والدته التي كانت بصدد تحضير خبز الدار على «الطابونة»، ولما أكملت عملها وأطفأت الفرن التقليدي، لم تنتبه لطفلها الذي أمسك الفرن بيديه فاحترقتا وهو اليوم يتابع علاجه بمؤسسة «باستور» لمعالجة الحروق. في الوقت الذي تنصح أم عبد الرحمان كل الأمهات للانتباه أكثر وعدم ترك الأطفال يدخلون المطبخ وقت تحضير الأكل لأي سبب.
من جهتها، شددت مواطنة حضرت التظاهرة هي الأخرى، على ضرورة تطبيق مفهوم درهم وقاية خير من قنطار علاج في شتى الجوانب الحياتية، لما للوقاية من دور مهم للغاية في تحقيق السلامة للجميع. ودعت كل الجمعيات المحلية إلى تنظيم قوافل تحسيسية بمخاطر الحوادث المنزلية والحروق، تحديدا كل في بلديتها، وهذا تحقيقا لتعميم ثقافة التوعية والوقاية خاصة أننا في موسم تكثر فيه حوادث الأطفال بسبب العطلة السنوية، إضافة إلى التسممات الغذائية والحروق. في وقت دعت مواطنة أخرى ربات البيوت تحديدا إلى الفطنة والحذر أكثر والابتعاد بأطفالهن عن خطر الحروق التي قد تشوه الوجوه، مما قد يجعل الضحية تعيش بمعزل عن الحياة الاجتماعية وهذا في حد ذاته له انعكاسات خطيرة.
هذا بالضبط ما يشير إليه الياس صغير في معرض حديثه إلى «المساء»، حيث سرد علينا قصة بنت في الـ 10 سنوات من عمرها، حاولت الانتحار رغم صغر سنها وهذا بعد تعرضها لاحتراق بسبب الماء المغلي الذي كان فوق 'الطابونة'، مما شوه وجهها، ولحسن حظها أن تكفل بها طبيب نفساني في المؤسسة العمومية المتخصصة في معالجة الحروق.
أما البنت عائشة التي تبلغ اليوم 10 سنوات، فقد حضرت اليوم التحسيسي رفقة والدتها التي تحدثت إلينا، موضحة أن عائشة تعرضت إلى حروق بسبب سقوط شمعة في فراشها وهي لم تكمل الأربعين يوما من عمرها. وما تزال البنت تتابع جراحات ترميمية بمستشفى الدويرة. تتحدث الأم مع «المساء» بكثير من الألم والتأسف على ابنتها، مناشدة السلطات المحلية العمل على فتح مراكز أخرى متخصصة في علاج الحروق.
من جهته، شدد مواطن كان برفقة أسرته بحديقة الحامة يوم التظاهرة على أن تلتزم ربات البيوت بالحذر أثناء تواجدهن في المطابخ، خاصة عند التعامل مع مواد أو سوائل ساخنة، خصوصا الماء والزيت، من شأنه حمايتهن من خطر التعرض إلى الحروق، مشددا أيضا على أهمية إبعاد الأطفال عن أماكن هذه المواد والمواقد لوقايتهم من الإصابة، مبينا أن توفير علب الإسعافات الأولية في المنازل يعتبر من الضروريات التي تساهم في التعامل الأولي مع الحوادث المنزلية.
اليقظة.. أساس الوقاية
من جهته، أكد الدكتور ناصر قريم، ممثل وزارة الصحة خلال اليوم التحسيسي لـ«المساء»، أن حماية الأشخاص من خطر التعرض للإصابة بحروق يجب أن تبدأ من الشخص ذاته عبر اتباع كافة التوجيهات الوقائية والإرشادات الهادفة للحفاظ على السلامة والوقاية من مخاطر الحوادث المنزلية عموما، والحروق بوجه خاص. موضحا أن مشاركته خلال هذه التظاهرة يؤكد دعم وزارة الصحة لمساعي مؤسسات المجتمع المدني العاملة في سياق الوقاية من الأمراض. كما وجه نداء للأولياء والأمهات تحديدا إلى النأي بأولادهن عن مخاطر التعرض للحوادث المنزلية، وشدد على أهمية الانتباه والحذر ومراقبة ربات البيوت للأطفال ومنعهم من دخول المطابخ أثناء تشغيل الموقد أوإعداد الطعام حفاظا على سلامتهم، ومنعا لتكرار وقوع مثل هذه الإصابات التي قد تؤدي إلى إحداث تشوهات في جسم المصاب، والتي قد تؤدي إلى الوفاة في بعض الأحيان التي تكون فيها الحروق خطيرة.
كما تحدث الدكتور قريم عن مخاطر حروق من نوع آخر، وهي تلك الخاصة بمخاطر الحروق الناجمة عن الأشعة الشمسية خلال الموسم الصيفي، حاثا على أهمية توسيع دائرة التوعية لتشمل كل الجوانب الصحية، مع جعلها متواصلة على مدار السنة، خاصة أن معظم حالات الحروق يمكن تفاديها فقط باليقظة وكذا وعي الأسر بأهمية اقتناء وسائل وأجهزة ذات معايير عالمية تثبت جودتها لأن الصحة لا تقدر بثمن.
جدير بالإشارة إلى أن اليوم التحسيسي حول الوقاية من حروق رمضان، اختير له شعار «من أجل رمضان بدون حروق»، وتم تنظيمه بالتنسيق مع جمعية «ناس الخير» لولاية الجلفة التي تأتي الثانية وطنيا بعد ولاية تبسة في نسب ضحايا الحروق المنزلية. كما عرف توافدا كبيرا للمواطنين، حيث وفقت الجمعية الوطنية للتوعية والوقاية من الحروق في اختيار مكان احتضان التظاهرة، إلى جانب الزمان، فحديقة التجارب بالحامة تعرف يوم السبت توافدا كبيرا للزوار، خاصة الأسر والعائلات، وبهذا يتم إيصال الرسالة التوعوية إلى أكبر عدد ممكن من المواطنين.