المجاهدة حورية بولعراس لـ"المساء":

الحاجة تدفعني إلى طلب مسكن من رئيس الجمهورية

الحاجة تدفعني إلى طلب مسكن من رئيس الجمهورية
  • القراءات: 1674
❊لطيفة داريب ❊لطيفة داريب

لم تتردد لحظة ما في حفر مخبأ أرضي لحماية المجاهدين الذين كانوا يجدون في منزل عائلتها ملجأ يختبئون فيه من بطش المستعمر، ولا في أن تعتني بإخوانها أو حتى بالعائلات المعوزة، ولم يثنها في سعيها هذا، التعذيب الذي تعرضت له على أيدي الوحوش، فكانت نعم المعين لرجال اختاروا العيش الضنك من أجل أن تتحرر الجزائر، إنها حورية بولعراس المجاهدة التي دفعتها الحاجة إلى أن ترسل نداء إلى رئيس الجمهورية عبر "المساء"، كي تطلب سكنا وحجة وتكريما.

زارت "المساء" بيت المجاهدة حورية بولعراس الذي تستأجره وتقيم به مع ابنها وزوجته ببوفاريك، بعد أن اضطرت إلى ترك بيتها الزوجي لأبنائها وزوجاتهم، نظرا لضيق الفضاء الذي كان يحتضنهم جميعا، فوجدت نفسها في بيت مهترئ، لا يقيها برد الشتاء ولا أمطاره الغزيرة، في هذا قالت لـ"المساء"؛ "ما قمت به لأجل الجزائر واجب لا غبار عليه، لكن الحاجة دفعتني أولا إلى المطالبة بمنحة منذ قرابة عشرين سنة، وهو ما تحقق، لأعود اليوم وأطالب بسكن لائق، لأنني بحاجة ماسة إليه".

أضافت السيدة بولعراس أنها تبكي دما لأنها لم تتمكن من تأدية الركن الخامس للإسلام، وهو الحج. لتعود وتؤكد أن طلباتها هذه لم تأت إلا بعد الضيق الشديد الذي تعيشه، خاصة أن منحة المجاهد توزعها على بعض أولادها المتزوجين والمحتاجين.

حورية بوعراس التي ولدت سنة 1943 بدوار بن صالح التابعة لأولاد علايق (البليدة)، ترعرعت وسط عائلة مناضلة، فأخوها مجاهد. كما أن والديها اهتما بحماية المجاهدين، حتى زوجة أخيها اتبعت نفس مسار باقي أفراد العائلة. أما هي فحفرت ملجأ أرضيا بيديها وهو ما سبب لها عوارض صحية، لتتحصل بعد سنوات طويلة من الاستقلال على بطاقة العطب.

حفرت المجاهدة الملجأ وقام أخوها ببنائه وتجهيزه كي يستقبل فيه المجاهدون، كما كانت تقوم بتنظيفه وبالأخص تجفيفه من مياه الأمطار، فكانت محل ثقة إخوانها المجاهدين الذين كانت أحيانا تنام عند أقدامهم، وفي هذا تقول "إخواني المجاهدين رفعوا راية الجزائر عاليا، فكانوا يأتون إلى ملجئنا ليختبئوا في النهار، ثم يخرجون أثناء الليل ليقوموا بعملياتهم. كما كنا نملك مخبأ آخر، يتمثل في سور مبني في قلب سور آخر، كان بمثابة محمية أخرى للمجاهدين".

استمر هذا المخبأ لسنوات يحمي المجاهدين، إلى غاية العام الذي قبض فيه المستعمر على مجاهد، وبإخضاعه للتعذيب المستمر، كشف عن مكان الملجأ وعن حارسته حورية بولعراس، فكانت ردة فعل المستعمر عنيفة جدا، حيث قام بتطويق بيت بولعراس وحرقه، وسجن رب البيت وحورية وتعذيبهما.

أما عن أخ حورية، ففر بعد أن أخبره سكان القرية بما حدث، وعاد إلى الجبل، وهنا تقول "تعرض منزلنا للحرق، والحمد لله أن المخبأ كان خاليا من المجاهدين، كما تعرضت رفقة والدي إلى التعذيب وكنت أصرخ وأردد: تحيا الجزائر وربي يرحم الشهداء، نعم قلتها ولغم فوق صدري".

عادت حورية إلى بيت العائلة المحترق، وعاشت فيه من جديد رغم رحيل الوالدة التي كانت حاضنة للمجاهدين، وكانت تردد حينما يسرق منها المستعمر الفرنسي حليها الذي أهداه والدها لها "ليأخذوا كل شيء، ويتركوا المجاهدين بسلام".

للمرة الثانية، تعتقل المجاهدة بسبب رسم نجمة وهلال بحناء في يديها، وتتعرض للتعذيب مرة ثانية، لكن هل ثبطها ذلك عن مهامها؟ تجيب حورية، لا فقد واصلت جمع الأموال من العائلات الغنية لصالح العائلات المعوزة، وكانت تخبئ المال الفائض تحت أصيص زهور، وهو ما مكنها من الاحتفاظ به بعد أن أحرق المستعمر الفرنسي منزل العائلة الكائن بأولاد علايق، وبالضبط في دوار بن صالح، كما كانت تخيط علم الجزائر وتسلمه للمتظاهرين.

حورية بوعراس كانت تنوي الصعود إلى الجبل، لكن المجاهدين منعوها من ذلك وأخبروها بأنهم بحاجة إليها وهي في بيت عائلتها، حيث يمكنها أن تخدمهم وتساعد العائلات الفقيرة، في المقابل صممت غداة الاستقلال على ارتداء بزة عسكرية والتقطت لها صورة وهي تحمل سلاحا، حتى أنها أطلقت أربعين رصاصة فرحا بهذا النصر المبين.

لم تشأ حورية بولعراس أن تعلن عن نفسها بأنها مجاهدة، بل عاشت حياة بسيطة بعد زواجها وأنجبت ثمانية أطفال، لكنها وبعد كبر أطفالها وما يستلزم ذلك من نفقات، قررت أن تطلب منحة المجاهدين، فتم لها ذلك بشهادة المجاهدين سي مسعود وموحة بوفاريك وبوحجة، لتعود اليوم بعد أن وجدت نفسها في بيت للإيجار. وعبر منبر "المساء" تناشد رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، منحها سكنا وحجة، خاصة أنها تقدمت في السن (75 عاما)، ولم تعد تتحمل قسوة الحياة، فهل من صدى لطلب المجاهدة حورية بولعراس؟