رغم أنها تعكس تاريخ الحضارات الغابرة

الجزائريون يهجرون المتاحف

الجزائريون يهجرون المتاحف
  • القراءات: 1101
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة
تعتبر المتاحف شواهد على الحضارات الغابرة التي تبقى زيارتها متعة تحملك إلى عصور مضت عاش فيها الإنسان بأساليب مختلفة، حيث تبحر بك الآثار المعروضة من لوحات ومنحوتات إلى العالم الذي بقيت منه تلك الفخاريات والنحاسيات لتروي لنا تاريخ الحضارات القديمة، فعند دخول أبواب تلك المساحات الكبيرة، تتنفس عبق التاريخ. لكن هل تجد تلك النوادر من يقدّر قيمتها ويتفاعل معها ليلتمس سحرها في اكتشاف ذهنيات الأسلاف التي نجحت في توريث إرث حضاري للأجيال؟
بفضل خبرته الطويلة كملحق بالحفظ والصيانة بالمتحف العمومي الوطني بسطيف، تمكن ناصر مرازقة من تقييم مدى اهتمام المواطن الجزائري بزيارة المتاحف، مؤكدا أن ثقافة هذا الأخير لا تزال ضعيفة مقارنة بدول أخرى، وهذا رغم كثرة المتاحف التي تزخر بها الجزائر والتي تعبر عن ثقافة تنفرد بها دول عن أخرى، فقد كانت الجزائر شاهدة على العديد من الحضارات التي خلفت آثارها بعد قرون من ذلك، وهي اليوم تحارب النسيان لبلوغ اهتمام المواطن حتى تروي له حكايتها الرائعة.
أوضح المتحدث أن زيارة المتاحف هي ثقافة في حد ذاتها لا يتمتع بها الجميع، إلا فئة قليلة، وهي متعة حقيقية لم ينفتح عليها المواطن ولا يزال يفتقدها رغم وجود العديد من المتاحف الوطنية. هذا الإهمال ـ حسب المتحدث ـ لا يعكس بالضرورة إهمال المواطن لتراثه أو حضارته أو ثقافته، وإنما بالنسبة له التفرغ لزيارة متحف ليس من أولويات حياته اليومية، ولذلك يصبح التنقل إلى متحف مناسباتي فقط. وأوضح من جهة أخرى أن أغلبية الجزائريين كانت لهم زيارة لبعض المتاحف خلال مرحلة طفولتهم، وبالتحديد خلال مسارهم الدراسي لاسيما الابتدائي والمتوسط، وهما مرحلتان بعيدتان تجعلان الفرد ينسى مدى أهمية تلك التحف التي تكتنزها المتاحف عند الكبر.
وفي نفس الوقت، يلفت السيد ناصر مرازقة الانتباه إلى أن بعض المناطق بالجزائر عبارة عن متاحف مفتوحة تعكس حضارات عديدة لحقب تاريخية مختلفة، وهذا ما يجعله يعتاد على الأشياء العتيقة، وبذلك لا يكون لدى البعض الآخر فضول لزيارة متاحف تعرض آثار أخرى، ولعل المشاكل الاقتصادية وضغوطات الحياة اليومية، هي الأخرى، أبعدت الفرد عن هذه الثقافة وجعلته يتشبث بضروريات العيش التي لا يزال الفرد يراها عائقا أمامه. ويذكر محدثنا أن البعض يعزفون عن دخول المتحف فور سماعهم بسعر التذكرة التي عادة لا تتعدى 200 دج، وهو سعر رمزي، إلا أن هناك من يرفض فكرة دفع هذا المبلغ.  
وغياب ثقافة زيارة المتاحف لدى الجيل الجديد أيضا ـ حسب ناصر ـ تعود لانعدام التشجيع في الوسط العائلي والتربوي الذي تخلى عن الدور التثقيفي للطفل، متناسين بذلك الدور الذي تلعبه في التوعية بأهمية التراث والشواهد التاريخية لبناء شخصيتهم والحفاظ على هويتهم.. ولا تزال المتاحف الجزائرية التي تحيي كغيرها من دول العالم اليوم العالمي للمتاحف المصادف لـ18 ماي، تعرف حضورا ضعيفا بسبب عدم تجديد واجهات العرض التي عرفت في الدول الأخرى أشواطا كبيرة من التطور من حيث تقنيات العرض وتحديثها لجذب الجمهور.
وعلى صعيد آخر، قال المتحدث إن بعض المتاحف تشهد حركة أكثر من غيرها فالإقبال مرتبط بنوع المتحف وما يعرضه من تحف أي ثمة اختلاف في الاهتمامات، فبعض المتاحف تعرف حركة كبيرة بفضل برامجها الثقافية الثرية التي تثير فضول الجمهور، إلى جانب ميل المواطن نحو العمران الجميل والهندسة القديمة التي لها ميزة خاصة، عوامل عديدة تساهم في هجرة الجزائري للمتاحف، وهي مرتبطة بالأسرة والمدرسة والإعلام والمؤسسة السياحية، وهنا يشير المتحدث إلى أنه لا يوجد تنسيق بين المؤسسة السياحية والمتحفية وكذا المؤسسات التعليمية لذا تبقى زيارة المتاحف إلى يومنا هذا مرتبطة بالمناسبات وليس بتقاليد راسخة في العادات اليومية.
ومن جهة أخرى، كشفت إجابات بعض المستجوبين أن عزوفهم عن زيارة المتاحف لا يعود بالضرورة إلى ضيق الوقت ولا إلى الإمكانيات الاقتصادية، إنما يرجع إلى عدم اكتسابهم لتلك العادات من الآباء، وكذا قلة اهتمامهم برؤية منحوتات من الماضي، الأمر الذي يستدعي إعطاء اعتبار أكبر لهذه الثقافة.
وأشار محدثنا إلى أن الفئة التي تهتم حاليا بالمتاحف تقتصر على تلاميذ المدارس الذين يخرجون في إطار منظم، إضافة إلى بعض السياح الذين يغمرهم الفضول لاكتشاف كل ما هو جديد.