أكثر من مليار سنتيم تلقى في المزابل

الجزائريون يرمون 12 مليون خبزة يوميا في رمضان

الجزائريون يرمون 12 مليون خبزة يوميا في رمضان
  • القراءات: 4334
حنان. س حنان. س
يرمي الجزائريون 12 مليون خبزة يوميا في رمضان، أي ما يعادل مليار و200 مليون سنتيم، بالرغم من تأكيد الاتحادية الوطنية للخبازين  تقليص إنتاج الخبز يوميا من 71 مليون خبزة في الأيام العادية إلى 23 مليون خبزة في رمضان. وإذا كان المنطق يفيد بتقلص الاستهلاك كثيرا في رمضان تبعا للتعب اليومي وحرارة الفصل بما يجعل الصائم يكتفي بالقليل، إلا أن الواقع يشير إلى تزايد الإسراف والتبذير خلال شهر الصيام، وهذا ما تعكسه صور الخبز المرمى في القمامة كل صباح!
الخبز مقدس لدى الجزائريين فهو رمز "النعمة"، بالرغم من ذلك يرمى بالقمامة! وفي محاولتنا الاستفسار عن السبب بقي الجواب مُعلقا، حيث أكد مواطنون تحدثوا إلينا أنهم لا يبذرون الخبز مطلقا وإنما يشترون حسب حاجتهم، ولما سألنا بعض الخبازين أكدوا أن المستهلك يقتني في المتوسط ما بين 6 إلى 10 خبزات في اليوم، فعلى من يقع الحق؟
السؤال طرحته "المساء" على السيد يوسف قلَفاط، رئيس الاتحادية الوطنية للخبازين الذي أكد أن الإسراف في تبذير الخبز لدرجة رميه في القمامة أصبح غير مقبول تماما، وأن هذه الظاهرة قد استفحلت كثيرا على مدار السنة ولكنها تظهر بشكل كبير في رمضان. واعتبر أن التوعية وحتى العقوبة هنا "لا تنفعان إطلاقا"، والسبب غياب ثقافة الاستهلاك لدى المواطنين، يقول: "المواطن يستهلك في ما معدله 2.5 إلى 3 خبزات في اليوم، وفي رمضان يتقلص هذا كثيرا فلا يستهلك الفرد سوى نصف خبزة، وهذا ما يجعل معدل الإنتاج اليومي للخبز يتقلص من 71 مليون خبزة يوميا في الأيام العادية إلى 23 مليون خبزة في رمضان، رغم ذلك نشهد طوابير طويلة في المخابز، وقد يشتري مواطن من هذه المخبزة ومن أخرى، ثم قد يشتري أيضا المطلوع (خبز الدار) ثم نرى الخبز مُرمى في المزابل بعدها! فبالرغم من نقص الاستهلاك في رمضان، إلا أن التبذير يزداد بحجم كبير وغير مقبول وهذا تناقض صارخ لا نعلم بعد أي طريقة تضبطه؟".
المستهلك يشتري ما بين 6 و 10
خبزات يوميا
وإذا كانت الأرقام تفيد بتقلص عدد الخبز المستهلك في رمضان بما يزيد عن النصف، إلا أن الخبازين يؤكدون من جهتهم أنهم "ماشي لاحقين بالخدمة"، أي أن وتيرة العمل في رمضان تزداد حدة، حيث أكد لنا خباز بالضاحية الشرقية للعاصمة أن استهلاك الخبز في رمضان يوازي "الهبال"، كناية عن اللهفة الكبيرة التي تعتري سلوكات الناس الاستهلاكية التي تتضاعف خلال شهر الصيام، وأردف قائلا: "ننتج حوالي 5 أنواع من الخبز وكلها تباع بمجرد إخراج الصواني، هناك أفراد يشترون ما بين 5 إلى 6 خبزات وآخرون ما بين 10 إلى 15 خبزة.. والله ما لحقنا بالخدمة.. وقبيل الإفطار الطوابير طويلة، فالجميع يحب الخبز الساخن، وهذا عامل آخر يحفز لدى البعض شراء زيادة عن المعدل الاستهلاكي لهم، أي كلما اقترب موعد الإفطار وكلما كان الخبز ساخنا، كلما زاد معدل الشراء حتى وإن كان مصيره في النهاية الرمي".
الإنتاج العام للخبز في رمضان يتضاعف بسبب الإقبال الكبير للمستهلكين، حسب خباز ببلدية الجزائر الوسطى، الذي أضاف أن هناك مواطنين يشترون من الخبز في رمضان ضعف ما يشترونه في الأيام العادية، ولا يقتصر الأمر على الخبز العادي، وإنما كل أنواع وأشكال الخبز. وأوضح أنه إذا حدث خلل في ماكينة ما أو تعطل الإنتاج بسبب انقطاع تيار كهربائي مثلا، فإن "الخدمة" ستتضاعف والطوابير طويلة تمتد إلى قبيل الإفطار بدقائق..
هذه التأكيدات من أصحاب المهنة تؤكد، بما لا يدعو مجالا للشك، أن استهلاك الخبز يتضاعف في شهر الصيام حتى وإن كانت الأرقام المقدمة تشير إلى العكس، كما أن صور أكوام الخبز المرمى في القمامة تؤكد هي الأخرى حقيقة هذا الاستهلاك العشوائي والتبذير المتعمد لرمز "النعمة" في مجتمعنا. والغريب أننا عندما سألنا مواطنين عن استهلاكهم للخبز في رمضان فندوا أمر تبذيرهم لـ«النَعمة"! فلما سألنا مواطنة عن عدد الخبزات التي تشتريها في يوم رمضاني قالت إنها تشتري واحدة. وأوضحت أنها تشتري الخبز التقليدي لارتباط المائدة الرمضانية بالأطباق التقليدية، موضحة أن "البوراك" يحل محل الخبز مع الشوربة، ضف إلى ذلك تعب الصيام في يوم صيفي وهي عوامل تقلل من الرغبة في الأكل، كما تشير إلى أنها خلال الأيام العادية تشتري 5 خبزات لـ 4 أفراد، موضحة أنه لا يمكن ضبط المعدل اليومي لاستهلاك الخبز مع وجود الأطفال في البيت.
من جهتها، تؤكد ربة أسرة من 3 أفراد أنها تشتري يوميا في رمضان خبزتين، إضافة إلى خبزة تقليدية وتؤكد أنه لا يبقى منها شيء بحساب وجبتيّ الإفطار والسحور، أما خارج رمضان فتشتري من 4 إلى 5 خبزات (يعني 5 خبزات مقابل 3 أفراد!)، نافية أمر تبذير الخبز "الذي يبقى منه أضعه في المبرد، الخبز يا أختي (نعمة) وبالنسبة لي عيب عليّ رمي الخبز".
البعض في مجتمعنا لا يطلقون عليه تسمية الخبز وإنما  يقولون "النعمة"، ولكن للأسف هذه النعمة التي يشقى عليها الفرد كل صباح قاصدا مقر عمله وهو يردد "هذه هي الخبزة"، تراه بعد ذلك من الذين يسرفون في شرائها ولأن الأكثرية تفضل الخبز الطازج والساخن، فإن مآل "خبز البارح" أو "الصابح".. المزابل، وهذا هو الواقع الذي نكاد نراه يوميا وهو يتجلى في القمامات، ما يؤكد للأسف أن "النعمة".. ترمى!
وفي صورة المتناقض مع نفسه، يؤكد مواطن أنه لا يرمي "النعمة"، ولكنه يتم جمع اليابس منها ووضعها في مكان يمر به جامع الخبز اليابس لأخذها، ولكنه يعترف بضُعفه الشديد أمام صور الخبز الشهي فيشتري، وأمام الروائح الزكية المنبعثة من المخابز فيشتري كذلك، يقول: "بالرغم من أن حاجتنا للخبز تقل كثيرا في رمضان، إلا أنني اشتري ما معدله 5 خبزات يوميا من العادي، إضافة إلى الخبز المحلى أوالبريوش وحتى المطلوع، صحيح أنه يتبقى منه الكثير في اليوم الموالي ورغم ذلك أعيد الكرة وأشتري لأنني أفضل الخبز الساخن".  
تعترف كذلك ربة أسرة من 6 أفراد، أنها تجد صعوبة كبيرة في ضبط سلوك زوجها الاستهلاكي في رمضان خاصة فيما يتعلق بالخبز، فهو يشتري خبزة أو اثنتين كلما خرج أو قصد السوق، إضافة إلى "البريوش" ليستهلك منه في الأخير نصف خبزة فقط، موضحة أنها تلجأ مرة إلى برش الخبز اليابس وتخزينه لاستعماله في بعض الأطباق التقليدية مثل "السفيرية" أو غيرها، أو أن تجمعه في أكياس وتخرجه أمام باب العمارة ليمر جامع الخبز اليابس ويأخذه، إلا أنها تعترف أنه لا يمكن إعادة استهلاك "خبز البارح" لأنه يصبح كالمطاط!
الفرد الواحد يستهلك متوسط
خبزتين ونصف خبزة يوميا
توضح الاتحادية الوطنية للخبازين أن معدل استهلاك الأسرة الجزائرية (من 5 أفراد) يصل حدود 10 خبزات في اليوم، بمتوسط 2.5 خبزة للفرد الواحد، وهو ما يجعل الإنتاج اليومي يصل حدود71 مليون خبزة خلال الأيام العادية، وهذا باحتساب حاجة المطاعم والفنادق وغيرها له. أما في رمضان، وبالرغم من أن جل المطاعم سواء التجارية أو مطاعم المؤسسات أو المطاعم المدرسية وغيرها مغلقة، إلا أن مآل الخبز المُشترى..النفايات، في واحدة من صور التبذير العمدي، فهل من أسباب رمي الخبز عدم صلاحيته للاستهلاك في اليوم الموالي لشرائه؟
يفند السيد قَلفاط هذا الأمر، نافيا أن تكون المحسنات أو الخمائر سببا وراء الشكل المطاطي للخبز الذي يشتكي منه البعض بمجرد انقضاء ساعات عن اقتنائه، وأرجع سبب هذا الشكل وأحيانا تغير طعم الخبز ذاته، إلى عدم احترام بعض الخبازين للمدة الزمنية الخاصة بطهيه المتراوحة ما بين 20 إلى 25 دقيقة، أو إنقاص كمية المحسنات، مبرزا أن الغرض من إضافة المُحسنات الحفاظ على الشكل المراد للخبز، وتأسف لانعدام التكوين كعامل كفيل بتأهيل الخبازين، يقول: "الجزائر تحصي 21 ألف خبّاز، وما معدله 8 آلاف خبزة يوميا لكل مخبزة، ونؤكد أن كل الخبز المنتج يباع ولكن السؤال هل كله يستهلك؟ أعتقد أن نصفه يرمى وهنا لا يمكننا إلقاء اللوم إلا على المستهلك نفسه الذي لا يملك ثقافة استهلاكية رشيدة، والموجع في الأمر أن كل ما قد يشتريه المستهلك قد يزيد عن حاجته اليومية يمكنه استعماله في اليوم الموالي إلا الخبز، فإن "التغنّانت" تجعل الجزائري يحب استهلاك الخبز جديدا وساخنا والذي بقي من الأمس يرمى وهكذا.. ندور في حلقة مفرغة".
جدير بالذكر أنه وللعام الثالث على التوالي، سيتم العمل في عيد الفطر المبارك بنظام المداومة، حيث تحصي العاصمة مثلا 950 مخبزة، سيتم تقسيم العمل خلال يومي العيد المبارك على كل المخابز لضمان توفير الخبز للمواطنين، وهذا ينطبق على كل ولايات الوطن، بالتنسيق مع الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين ووزارة التجارة.