الخبيرة في قضايا التراث بولاية تيبازة آسيا حمدين:

التيسير في الصداق هي الحكمة من عرف "سيدي امعمر"

التيسير في الصداق هي الحكمة من عرف "سيدي امعمر"
  • القراءات: 1020
رشيدة بلال /تصوير عمر. ش رشيدة بلال /تصوير عمر. ش
أبدعت آسيا حمدين، مؤسسة جمعية "أحباب شرشال" وخبيرة في قضايا التراث في ولاية تيبازة، عند مشاركتها في فعاليات المهرجان  الوطني للزي التقليدي الذي تناول هذه السنة "لباس العروس"، في سرد تفاصيل دقيقة حول العرس التقليدي الذي يعتمد على عرف "سيدي امعمر" في إتمام الزواج بالولاية، حيث ركزت على ضرورة تبسيط المهور لتمكين الشباب من إتمام نصف دينهم، وهي الحكمة من وجود العرف.
اهتمام السيدة آسيا بكل ما هو تراث مادي ومعنوي راجع إلى انتمائها إلى ولاية تيبازة، وتحديدا إلى مدينة شرشال التي تعرف بعمق حضارتها، حيث يعود تأسيس الجمعية إلى عام 2006، ومنذ ذلك الحين والجمعية تنشط في إطار جمع كل ما يمثل تراث المنطقة، كالأغاني القديمة، ومنها أغنية "سيدي امعمر بومكحلة" وحكايات زمان ومختلف العادات والتقاليد والطقوس الخاصة بإقامة الأفراح، فلا يخفى عليكم ـ تقول ـ أن شرشال أمازيغية في الأصل تعاقبت عليها العديد من الحضارات، منها الحضارة الفينيقية، النوميدية، الرومانية، الإسلامية والحضارة العثمانية، وانعكس كل ذلك على تنوع تراثها، بالتالي تعاقب كل هذه الحضارات جعلني أبحث فيها لحفظ الذاكرة التاريخية.
وبالحديث عن كل ما هو تراث، تقول السيدة آسيا: "ارتأيت المشاركة في المهرجان الوطني للزي التقليدي بمحاضرة حول عرف (سيدي امعمر) الذي يعتبر من أعرق الأعراف المعتمد في الزواج بمنطقة شرشال، وتصر أغلب العائلات الشرشالية إلى حد اليوم على تطبيقه وتظهر الحكمة منه في (الصداق). وتشرح؛ "أي أن عرف سيدي أمعمر جاء ليحل مشاكل الناس بالمدينة بعد أن انتشر فيها التباهي في الرفع من مبلغ الصداق خاصة إذا كان الخاطب ثري، الأمر الذي خلق نوعا من الانزعاج وعدم المقدرة عليه بسبب تكاليفه، لهذا اقترح سيدي امعمر صداق (ربعة دورو) ومن يرغب في الزيادة يزيد على ذلك، بمعنى أن الأصل في العرف هو تحديد مبلغ بسيط في الصداق".
وفي ردها عن سؤالنا حول ماهية هذه الشخصية التاريخية، قالت: "سيدي امعمر بومكحلة، الولي الصالح لمن يجهل تاريخه، هو عربي كان رفقة أخيه ووالده في تونس، ولما قرر والده الدخول إلى الجزائر رفقته تركه عند الشيوخ من حكماء المدينة ليتكفلوا بتعليمه، ومع مرور الوقت كبر وظهرت عليه الحكمة، وكان من بين ما اشتهر به (عرف سيدي امعمر) الذي حل أزمة الصداق المبالغ فيه، وما يسمى (بعشاء الحلال)، وهو عبارة عن دقيق، كبش وزبدة لإعداد الكسسكسي يقدم إلى أهل العروس. والملاحظ أن سيدي امعمر في عرفه تعمد التأكيد على هذه المواد كونها أشياء بسيطة متوفرة في كل المنازل، وإلى جانب الكسكسى هناك (الروينة) و(الدشيشة)، وهي عبارة عن قمح تطحنه العروس في الرحى التقليدية بعد دخولها إلى منزل الزوجية، وترسله إلى والدتها التي تطبخه بـ"القديد" لتعيده إلى أهل الزوج وتزيد المحبة بين العائلتين.
تشير الحقائق التاريخية إلى أن كل الأمور التي ارتبطت بعرف (سيدي امعمر) في الزواج كان لديها مدلول. فلباس العروس المتمثل في الملحفة البيضاء والبياض هو دليل على أن الدنيا فانية، والصوف والمرآة والشموع كلها دلالات ترمز إلى ديمومة الحياة الزوجية"، تقول المتحدثة.
لا يزال عرف (سيدي امعمر) على مستوى ولاية شرشال مطبقا، حيث تطلب العروس وفقا للعرف مهرا بسيطا، ومن ثمة تخرج من بيت والدها بالملحفة التقليدية وترمي "التراز" وهو خليط من مختلف أنواع المكسرات والحلويات على الحاضرات، تقول السيدة آسيا وتعلق: "هناك بعض العادات التي ارتبطت بالعرف، غير أن الناس تخلوا عنها  كإلزام العروس بطحن القمح بالرحى التقليدية الحجرية القديمة كونها لم تعد موجودة، وتنظيف الحوت كنوع من اختبار لمعرفة مدى تمكنها من الأشغال المنزلية، بحكم أن مدينة شرشال بحرية، بالتالي أغلب أكلاتنا بحرية، وأعتقد أن هذا أفضل لأن العبرة في عرف (سيدي أمعمر) هو التيسير في المهور لتمكين الشباب من الزواج".