باستخدام الأطفال والمعاقين واستغلال أماكن العبادة والمقاهي
التسوّل ظاهرة مقلقة تغزو شوارع غليزان

- 198

تشهد مدينة غليزان في الآونة الأخيرة، انتشارا لافتا لظاهرة التسوّل، التي باتت تأخذ أبعادا مقلقة بعدما تحوّلت من سلوك اجتماعي ظرفي، إلى حرفة يومية تمتهنها فئات مختلفة من المجتمع؛ في مشهد يثير القلق والاستنكار في آن واحد.
من مداخل ومخارج المدينة إلى الممهّلات مرورا بأبواب المساجد والبنوك والمقاهي والمطاعم، لم تعد هذه الأماكن تخلو من متسوّلين ينتشرون فرادى وجماعات، يعترضون سبيل المارة، ويستوقفون السيارات، بل ويتسللون إلى داخل المحلات والمقاهي؛ طلبا للمساعدة أو الصدقة. وفي حديثه مع "المساء" قال أحد المواطنين: "لا يمكنك التوقّف أمام إشارة مرور أو حتى شرب قهوة بهدوء دون أن يقترب منك أحدهم، أحيانا بشكل مزعج أو متكرّر، خاصة من النساء أو الأطفال الذين يُدفعون للتسوّل! ".
محترفون بلباس الحاجة..
المؤلم في الظاهرة هو استغلال الأطفال القُصّر في أعمال التسوّل؛ حيث تُشاهد وجوها بريئة تقف تحت الشمس أو المطر على قارعة الطرقات، خصوصا عند السد الثابت بوادي ارهيو، أو بمحاذاة محطات الخدمات، في وضعيات مؤثرة تثير الشفقة، وتُخفي وراءها مآسي اجتماعية، واستغلالًا واضحا. ورغم أن القانون الجزائري يجرّم هذا الفعل؛ إذ تنصّ التشريعات على معاقبة كل من يستعمل الأطفال أو المعوقين في التسول بالسجن.
ولم تعد الظاهرة مقتصرة على الفئات الهشّة أو المحتاجة فعلاً، بل امتدت إلى أشخاص ميسورين مادياً، وحتى متقاعدين، وجدوا في التسول وسيلة سهلة لجمع المال دون عناء. بعضهم يحترف الدور ببراعة، يبدّل أماكنه بين الأحياء، ويختار التوقيت بدقة، خصوصاً بعد صلاة الجمعة، أو أمام البنوك، ومراكز البريد. أحد المارة علّق ساخرًا: "صرت أرى الوجوه نفسها يومياً، بنفس الأسلوب والكلمات، حتى إن بعضهم يأتي بسيارة، ثم يختفي في المساء!" .
تسوُّل عدواني وممارسات خطيرة!
بعض الحالات تجاوزت مجرّد طلب العون إلى السلوك العدواني أو المزعج؛ حيث سجّل مواطنون وسط المدينة، خاصة أمام بنك "بدر"، ممارسات غير أخلاقية من طرف مجموعة من المتسوّلين المعروفين بتعاطي الكحول؛ إذ يعمدون إلى مضايقة النساء، وأخذ المال عنوة أحيانا!. كما تُسجّل حوادث مقلقة بسبب إصرار بعض المتسوّلين على الوقوف وسط الطرقات، أو الاقتراب من المركبات أثناء السير؛ ما يعرّض حياتهم وحياة السائقين للخطر.
دعوات للردع والتنظيم
يطالب مواطنو غليزان السلطات المحلية والأمنية بـتشديد الرقابة على أماكن انتشار الظاهرة، وتنظيم حملات ميدانية مشتركة؛ لردع محترفي التسول، الذين يستغلون الدين والعواطف، مع العمل على إعادة إدماج الحالات الحقيقية في المجتمع عبر برامج تضامنية، ومرافقة اجتماعية فعّالة. كما دعا الأئمة ووسائل الإعلام المحلية إلى التوعية بخطورة التسوّل المنظّم، الذي قد يخفي وراءه شبكات استغلال بشرية منظّمة. وهو ما يقتضي تكاتف الجهود بين مختلف القطاعات الأمنية والاجتماعية والدينية؛ للحدّ من الظاهرة. وتبقى صورة المتسول الصغير الذي يمد يده وسط الزحام عند ممهل الطريق السريع شرق – غرب، شاهدة على واقع مؤلم، يحتاج إلى حلول جذرية، تحفظ كرامة الإنسان، وتصون وجه المدينة من مشاهد التوسّل، والإهانة.