مديرة معهد الهندسة المعمارية بجامعة البليدة لـ"المساء":

التراث المبنيّ بحاجة لإدراجه في برامج التنمية المستدامة

التراث المبنيّ بحاجة لإدراجه  في برامج التنمية المستدامة
نعيمة عبد الرحيم محنداد، مديرة معهد الهندسة المعمارية والتعمير بجامعة البليدة 1 "سعد دحلب "
  • القراءات: 909
 رشيدة بلال رشيدة بلال

ترى المختصة في ترميم المباني القديمة نعيمة عبد الرحيم محنداد، مديرة معهد الهندسة المعمارية والتعمير بجامعة البليدة 1 "سعد دحلب "، أن ما تزخر به الجزائر من تراث مبني ممثل في المساجد والقصور والمنازل القديمة، كلها معالم بحاجة إلى أن تعاد لها الحياة بعد الانتهاء من ترميها، وأن لا تبقى مجرد هياكل جامدة حتى لا يطولها النسيان. وحسبها، فإن هذا المسعى لا يتحقق إلا بإدراجها ضمن أهداف التنمية المستدامة، وتحويلها إلى مرافق تُستغل في مجالات سياحية. التقتها "المساء" على هامش الملتقى الوطني الأول حول التراث المبني والتنمية المستدامة بجامعة البليدة 1؛ حيث تحدثت عن أهمية إعادة الحياة للمباني القديمة.

المساء: بداية، قلت بأن التراث المبني بحاجة لأن يُرفع عنه التجميد؛ كيف ذلك؟

الأستاذة نعيمة عبد الرحيم محنداد: تملك الجزائر على طول مساحتها تراثا مبنيا هاما، يمتد عبر مختلف الحقب الزمنية التي تعود إلى العهد الروماني والعثماني والأندلسي، وصولا إلى الحقبة الاستعمارية. ولكل من هذه الحقب الزمنية خصوصية، وطابع معيّن يتجسد في شكل هذه المباني. وبعدما يتم ترميمها تُترك على جنب، ولا تعاد لها الحياة إلا من خلال استغلالها، وتحويلها إلى مرفق يستقطب إليه السياح أو الزوار؛ لذا أعتقد أنه آن الأوان لإعادة النظر في  التراث المبني، وجعله قِبلة من خلال ما يقدمه من خدمات ترفع عنه الجمود.

❊ هل تعتقدين أنه يمكن إعادة الحياة للمباني القديمة التي تُعد جزءا من التراث؟

هناك العديد من المباني القديمة التي تمتد عبر أزمنة، ولاتزال قابلة للاستغلال بعدما تم ترميمها. ورغم أن الكثيرين ينظرون إلى المباني القديمة على أنها لا تقدم قيمة مضافة، نعتقد نحن، كمختصين، غير ذلك، خاصة أن التكنولوجيا، اليوم، تقدم الكثير من السبل التي تسمح بإنعاش هذه المباني القديمة، وإعادة الحياة إليها، خاصة أنها تلعب دورا هاما في  المجال السياحي؛ من خلال بعدها التاريخي والثقافي، وبالتالي نحن بحاجة لأن نغير من نظرة المجتمع نحو هذه المباني على أنها عبارة عن هياكل قديمة وفقط، بل على العكس من ذلك، يمكن إدراجها في التنمية المستدامة، وجعها ذات قيمة مضافة من خلال ما تقدمه من خدمات مختلفة.

ما الذي تتطلعون إليه من وراء تنظيم الملتقى الوطني الأول حول التراث المبني؟

الهدف من تنظيم الملتقى هو جمع عدد من الأساتذة والخبراء من مختلف ولايات الوطن؛ مثل بشار وتلمسان والعاصمة؛ لمناقشة عدد من المحاور الهامة المرتبطة بالتراث المبني، ممثلة في إشكالية الإحصائيات المرتبطة بالتراث المبني، خاصة أننا لا نملك إحصائيات حقيقة حول هذا التراث؛ الأمر الذي يقودنا إلى ضرورة وضع قاعدة بيانات حول المباني القديمة عبر كامل التراب الوطني، ومحور مواد البناء التي تُستخدم في عمليات الترميم، والتي وجدنا فيها الكثير من المشاكل حول نوعية المواد المستخدَمة في عملية الترميم، ونقص اليد المؤهلة في هذا المجال، ومحور إدماج التكنولوجيات الحديثة، التي يمكنها أن تساهم في الحفاظ على التراث المبني للأجيال القادمة. وأكثر من هذا، هناك اهتمام فقط  بالمباني المصنفة، في الوقت الذي توجد الكثير من المباني القديمة غير المعروفة، والتي لم يتم تصنيفها بعد؛ مما يفرض حتمية الحديث عنها، وتصنيفها، ومنه حمايتها.

❊ حدثينا عن الجهود المبذولة لحماية التراث المبني من طرفكم كأكاديميين؟

على مستوى ولاية البليدة، هناك العديد من المباني القديمة التي تُعد جزءا من التراث المبني القديم؛ حيث وجدنا منازل تعود للعهدين الأندلسي والعثماني، إلى جانب عدد من الحمامات التي تحتاج إلى اهتمام من حيث الترميم والتثمين، ومنه التصنيف؛ لذا بادرنا على مستوى المعهد الوطني للهندسة المعمارية والتعمير، بالتواصل مع مديرية الثقافة من أجل إبرام اتفاقية، هي الآن في طور الإنجاز، نساهم عن طريقها في رد الاعتبار لعدد من المباني القديمة عن طريق ما يملكه المعهد من خبراء في ترميم المباني القديمة، وترشيح بعضها ليتم تصنيفها.

❊ بحكم تخصصك في الترميم، كيف تقيّمين عمليات ترميم المباني التي شملتها العملية؟

لم تتَح لنا الفرصة بعد للقيام بأعمال ترميم على مستوى ولاية البليدة، ولكن كان لنا شرف العمل في بعض المباني القديمة ببعض الولايات الأخرى؛ مثل العاصمة، على مستوى حي القصبة العريق "دار الداي"، وترميم قصبة بجاية التي فُتحت مؤخرا للزوار. هذه العمليات أعادت إحياء هذه المباني، غير أن المؤكد أن إعادة إحياء المباني القديمة من خلال عمليات الترميم غير كافية، وتتطلب، حسب رأينا، إرفاقها ببرامج لاستعمالها؛ بحيث تقدم خدمة تسمح للمبنى بأن يكون محل استعمال؛ كأن يكون فندقا أو مطعما يُستغل في الجانب السياحي الذي يعكس خصوصيته؛ لأننا وقفنا على العديد من المباني التي تم ترميمها، ومن ثمة إقفالها؛ مما يدخلها في طي النسيان والإهمال. وبالمناسبة، أوجه دعوة للجهات المعنية لتحويل المباني القديمة إلى مرافق سياحية تنبض بالحياة، وتكون فيها ديناميكية ترفع عنها الجمود، وتخرجها من دورها الكلاسيكي الذي يحصرها في مجرد مبنى تراثي قديم.

هل من كلمة أخيرة؟

التراث المبني بحاجة إلى أن تعاد له الحياة من خلال استغلال التكنولوجيات الحديثة، التي يمكن أن تُبرز القيمة التراثية لهذه المباني القديمة وتثمّنها، وعصرنتها بإدخال بعض التقنيات التي تسمح بالترويج لها؛ من خلال طرح قاعدة بيانات تحوي كل المعلومات الخاصة بالمباني التراثية، وعليه فإن ترقية التراث المبني مرهونة بكيفية استغلاله بعد ترميميه، ليدخل مجال التنمية المستدامة.