لا تتنازل عنها العائلة التلمسانية

"البكبوكة" و"البوزلوف" حضور راسخ على مائدة العيد

"البكبوكة" و"البوزلوف" حضور راسخ على مائدة العيد
  • 845
ل. عبد الحليم ل. عبد الحليم

تحرص العائلات التلمسانية خلال عـيد الأضحى أو "العيد الكبير" كما يسمونه، على ممارسة عادات وتقاليد عـديدة مرتبطة بهذه المناسبة المباركة منها عادة تراثية، حيث يفضّل كثير من الشباب التلمساني الذي يمتهن الطبخ في هذه المناسبة تحضير الأكل على طريقتهم، من خلال تنظيم مجالس الشواء على الجمر باستعمال الفحم الذي يباع في مثل هذه المناسبات، حيث ينهمك كثيرون في طهي قطع اللحم على الجمر وتناولها ساخنة وحدها أو مع سندوتشات، فيما تملأ ألسنة النيران والروائح الزكية المكان.

ويوضّح "كريم" أنّه يفضل تناول الشواء بدلا من الدوّارة والبكبوكة والبوزلوف وغيرها من الأطباق الشعبية الأخرى، وعن سر اختيار الشواء على الجمر دون سواه، يؤكد ‘’غالبـا ما يشعر الشباب بالجوع في أوقات متقطعة من النهار أو ساعات متأخرة من الليل، فيفضّلون تناول ألوان من الشواء ويجد هؤلاء ضالتهم في البيوت التي تتوفر على أسطح أو مستودعات واسعة أو ساحات خارجية بشكل يمكّن من استيعاب جموع الوافدين، وقد بدأت هذه الظاهرة في التزايد عيدا بعد آخر’’.

كما تتفنن ربات البيوت، من جهتها، في تحضير أطباق تقليدية يشتهر بها المطبخ التلمساني، في هذا العيد مثل البكـبوكة ولا يمر العيد دونهما، كما لا يمكن أن يمرّ اليوم الأول من العيد دون تذوق البوزلوف، الذي يستلزم طبخه في تلك الليلة في جميع البيوت، ويتذوق جميع أفراد الأسرة أطباقًا تبرع النسوة في طهيها وتزيينها بمختلف بهارات الذبيحة، تمامـا مثل أطباق أخرى لا تقل دسامة، كما تحظى الكبد بشعبية كبيرة في العيد وتطبخ بلفها بالشحوم وهي عبارة عن قطع صغيرة من الكبد المشوي الملفوفة بالشحوم. حكت لنا السيدة "رحمة" من تلمسان وهي ربّـة بيت، عن بعض العادات التي تتميز بها منطقة تلمسان ومن بينها يمنع أكل الرأس والأرجل على الأطفال الصغار حتى لا يكونوا مشوهين، وتأجيل أكل لحم الكبش إلى اليوم الثاني عادة نجدها كذلك لدى العائلات التلمسانية، ففي اليوم الأول يتم تحضير "البوزلوف" فقط على أن يقـطّع الكبش في اليوم الثاني. وعـن سبب ذلك تقول الحاجة وردة: "حتى تحل البركة على أهل البيت"، وهي عادات تختلف من منطقة إلى أخرى وتـعـبّـر عن الثّـراء الثقافي لأهل المنطقة، لكنها تبقى مجرّد عادات حسب بعض المواطنين بدأت تتلاشى، كما أن هناك عادات حميدة وأخرى سيئة لا علاقة لها بالواقع وترجع هذه العادات حسب من تحـدّثنا إليهم حول بعض العادات كاقتصار أكل الكليتين عند الكبار فقط، لاسيما اذا كان عدد افراد الاسرة كبير، كما أن جمع سبعة ألسنة حتى ينطق الأصم أكـدت لنا فاطمة أنه مجرّد خرافة، كما أنه يجوز تقطيع الكبش في اليوم الأول والتصدق بثّـلثه للذين لم يسعفهم الحظ في اقتناء الأضحية من فقراء ومساكين وأيتام، حيث تتشكل عشية يوم عيد الأضحى طوابير طويلة لمواطنين يحملون أضاحي العيد على أكتافهم، ينتظرون ساعات طويلة لتقطيعها من قبل جزار محترف، رغم أن سعر التقطيع غير قار ولا يخضع لتسقيف قانوني، إذ يحدد تبعا لحجم الأضحية والزبائن بشهادة الجزارين، لايهتمون بالسعر بقدر اهتمامهم بأمر أن تكون كل أجزاء الأضحية مقسمة ومعدة بانتظام.

"المـساء" كان لها استطلاع مع بعض الجزارين عن السر وراء إقبال المواطنين على الجزار لتقطيع أضحية العيد، فكانت البداية مع عمي عبد الخالق، جزار بمدينة مغنية الذي تجاوز عتبة الخمسين سنة وتكونت لديه خبرة كبيرة في تجارة اللحوم يقول : "أرباب الأسر اليوم من الجيل الجديد يعزفون عن تعلم بعض الحرف، إن صح التعبير، من منطلق أن لكل صنعته، ومنه ما الداعي للتعلم...؟، فإلى وقت مضى كنا لا نقوم بتقطيع أضحية العيد بالوتيرة التي نعمل بها اليوم، وعموما في اعتقادي، أرباب الأسر يفضلون دفع المال عوض التعلم، ورغم أن العملية بسيطة إلا أنها تبدو صعبة بالنسبة للبعض"، وعن الأثمان" أضاف عمي عبد الخالق،  أنها تحدد تبعا لحجم الأضحية، فإن كانت كبيرة قد تصل عملية التقطيع إلى حد 2000 دج، وإن كانت صغيرة أو متوسطة الحجم فتتراوح بين 1000 إلى 1500 دج، في حين اغتنم بعض الجزارين هذه المناسبة الدينية رفع سعر تقطيع الأضحية، أين وصلت العملية ببعض القصابات إلى 3000 دج، موازاة مع ذلك أفاد قصاب آخر بالرمشي،  بالقول بأن التوافد الكبير للمواطنين عليه عشية اليوم الأول من العيد جعله يستعين بعدد من العمال لمساعدته على إتمام العمل مبكرا، لاسيما أن بعض المواطنين يصرون على إنهاء التقطيع مبكرا، ليتسنى لربات الأسر إعداد الكسكسي لوجبة الفطور، لذا أصبح بعض المواطنين من أبناء الحي وجيراني يتصلون بي هاتفيا لأخذ مواعيد التقطيع قبل غيرهم...وتقطيع أضحية العيد يتطلب أن يكون الجزار ذا خبرة ومهارة، يقول الجزار الحاج "أحمد" صاحب محل بإحدى قصابات بالسوق المغطاة بمدينة مغنية، الذي أضاف انه تظهر احترافية الجزار في الطريقة الدقيقة التي يعتمدها في فصل اللحم، حيث يجعل ذلك المخصص للقلي على جنب، والموجة للشوربة على حدة والمخصص للكسكسي بأحجام مختلفة وما يعد به "البوزلوف" و"الدوارة" على جنب، كما أن التقطيع باحترافية يضمن سلامة قطع اللحم من التفتت وهو السبب الذي يجعل أغلب المواطنين يفضلون الوقوف في طوابير في ساعات مبكرة من الصباح ويدفعون المال عوض تكبد عناء التقطيع الذي يتطلب جهدا كبيرا، كما تتميز الأسر التلمسانية،  بتخصيص جزء من لحم الأضحية للفرد الأكـبر في العائلة لا يمكن إغـفـال نصيبه، كما تأخـذ الأسر نصيب العرائس ‘’المخطوبات’’ إضافة إلى هـدايا أخرى ترفق مع اللحم وتقدم في اليوم الثاني من عـيد الأضحى، لتبقى هذه العادات تعبر عن غـنى التراث الشعبي إلا أنه وحسب البعض يجب القضاء عـلى العادات السيئة والإبقاء على العادات الحميدة التي تجـذّرت.