انتشرت بشكل ملفت للاهتمام

"البقشيش" ثقافة دخيلة على المجتمع الجزائري

"البقشيش" ثقافة دخيلة على المجتمع الجزائري
  • القراءات: 577
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

تُعد الإكرامية أو ما يسمى بـ "البقشيش" من المعاملات الراسخة لدى كثير من الشعوب، فبعد أن كانت من المبادرات التي تعبّر عن الشكر والامتنان مقابل الخدمة المقدمة سواء في مطعم أو في مقهى، تحوّلت، في بعض البلدان، تقريبا إلى واجب، ومن يمتنع عن تقديمها يوصف بـ "البخل، وعدم الانتماء المجتمعي". وقد تبنّى بعض الجزائريين هذه الثقافة في السنوات الأخيرة؛ إذ باتت تمارَس على نطاق واسع في كثير من المحلات، يقدمها الزبون مقابل الخدمة المقدمة، وتختلف حسب نوعيتها.

قد تدفعه رغما عنك أو عن طيب خاطر؛ فهو مبلغ من المال تختلف نسبته وقواعده من مكان لآخر، ومن بلد لآخر. ولقد أصبحت هذه الثقافة حول العالم تختلف معاييرها حسب ما هو سائد في أنحاء معيّنة. ففي بعض البلدان مثل الولايات المتحدة الأمريكية، يُنتظر منك دفع "البقشيش" بشكل شبه إجباري، وعدم تقديمه يُعتبر "بخلا"، ويدخل في مخالفة قواعد التعامل مع الغير، في حين هناك من البلدان التي ترفض، تماما، هذه العادة، بل تعتبرها أمرا وقحا، وغير مقبول، فلا داعي للتكرم وتقديم مبلغ يفوق ما هو موضح على الفاتورة، فهناك من السياح الذين قد يقعون في ورطة بسبب تصرف لبق في نظرهم. ولقد انتشرت هذه الثقافة حول العالم عن طريق العولمة، التي جعلت الكثير من الثقافات تتداخل فيما بينها. وبات البعض يتبنى سلوكات غريبة عن ثقافته، بعضها حميد، والبعض الآخر لا علاقة له بعادات وتقاليد المجتمع، ويحكم، حينها، الأغلبية داخل المجتمع، بالتبني العام لسلوك معيّن، أو رفضه تماما.

وعن الإكرامية أو "البقشيش" انقسم المجتمع بين مؤيد ومعارض للعادة، التي أصبحت تنتشر، تدريجيا، في الجزائر في السنوات القليلة الأخيرة. ونشهدها، عادة، في أماكن أكثر من غيرها؛ على غرار المقاهي والمطاعم، وكذا محلات الحلاقة، وهي أكثر المحلات التي تشهد تكرم الزبون بتقديم مبلغ إضافي للنادل أو للحلاق، مقابل تقديم خدمة مميزة. وقد تكون هذه فرصة للكثيرين، للتعبير عن شكرهم وامتنانهم له، وفرصة لآخرين للتعبير عن كرمهم الشديد؛ فقد تفوق، أحيانا، الإكرامية ما قد يتخيله العامل هناك.

الإكرامية من العادات المنتشرة

في هذا الصدد، قال عدد من المواطنين الذين حدثتهم "المساء" بصالونات الحلاقة بالجزائر، إن الإكرامية هي من العادات التي تنتشر، اليوم، في الجزائر في محلات الحلاقة والمطاعم بشكل خاص. وأشار هؤلاء إلى أنها مجرد سلوك يعبّر عن الكرم، ووسيلة لقول "شكرا" للعامل هناك، لا سيما إذا أحسن تقديم الخدمة، ولا حرج في تقديمها، إلا أنها لا بد أن تكون وفق قواعد خاصة. ورغم أن البعض ذهب إلى قول إنها، تقريبا، "واجبة" في بعض الحالات، إلا أن آخرين يرفضون، تماما، الفكرة، على حد تعبيرهم، وهذا حسب وسام، زبونة بنفس محل الحلاقة، قالت إن الإكرامية ليست من العادات الجيدة، وإنما هي تصرف قد يحرج العامل، وأن البعض قد يراها "صدقة"، وهو ما يتنافى مع تفكير أغلب الجزائريين، الذين يتميزون بالشهامة، ويرفضون هذا النوع من السلوكات تجاههم.

ومن جهته، قال وليد، عامل بمحل للأكل السريع بالعاصمة، إن "البقشيش" بات من عادات الكثيرين، مشيرا إلى أن البعض يقدمه، والبعض الآخر لا يبادر بذلك أبدا، مؤكدا أنه اعتاد على الزبائن الذين يقدمون الإكرامية، ومشيرا إلى أنه لا يفرق، أبدا، في نوعية الخدمة المقدمة لهؤلاء عن غيرهم، بل يحاول جاهدا التصرف بلباقة مع كل الزبائن. وهذا ما لم يؤكده نسيم بذات المحل، ضاحكا، ومعلّقا: "لا أكذب، فدائما أعامل الزبائن الذين يقدمون البقشيش أحسن"، مضيفا: "ذلك لا يعني أنني لا أكون مهنيا في خدماتي مع الآخرين، إلا أن مقدم الإكرامية دائما يكون له الفضل في بعض التعاملات الأخرى حتى وإن تطلّب منى الأمر، مثلا، تقديم له خدمة جانبية على ما قد أكون مجبرا على القيام به".

موسى صاحب محل لبيع الملابس، قال إنه يرفض، تماما، التعامل بالإكراميات؛ "لا أحبّذ فكرة أن يعامل العمال لديّ الزبائن بطريقة مختلفة، بل لا بد أن يكون الجميع مهنيّين مع جميع الزبائن، وبدون مفاضلة بينهم؛ لأن الإكرامية عادة ما تخلق بطريقة غير إرادية، هذا التصرف، وقد يستميل الزبون بذلك العامل لتقديم له نوعية أفضل من الخدمة، أو مفاضلته عن زبون آخر، ولهذا أمنع، تماما، عن العمال قبول الإكرامية إلا إذا تم ذلك بعيدا عني"، مضيفا بابتسامة.

وعن حكم "البقشيش" في ديننا الكريم، قال مفتش التوجيه الديني والتعليم القرآني بوزارة الشؤون الدينية حمدي محمد لعروسي: "إن الإكرامية إذا ما قُدمت بشكل إرادي وبدون أي ضغوط خارجية ومن تلقاء النفس، فهي تُعتبر هبة، ولا حرج فيها في ديننا الإسلامي، بل هي تعبير عن شكر وامتنان لمقدم الخدمة، لكن شرط أن لا تكون مرغَمة، ولا يفرضها، مثلا، صاحب المحل، أو مقدم الخدمة على زبائنه".