الدكتورة يمينة بن صغير حضري أستاذة أثار إسلامية بجامعة غرداية:
الاهتمام بالحرفي يجعل الصناعة التقليدية موردا للسياحة المحلية

- 1293

تحدثنا الدكتورة يمينة بن صغير حضري، أستاذة محاضرة بجامعة غرداية في هذا اللقاء، عن الدور الذي تلعبه الصناعة التقليدية في تفعيل السياحة الصحراوية بالجنوب، حيث شكل موضوع مداخلتها التي شاركت بها في فعاليات ملتقى انعقد مؤخرا بالعاصمة، وقدمت جملة من التوصيات التي ارتأت من ورائها، التأكيد على فكرة إنعاش السياحة المحلية انطلاقا مما تقدمه الصناعات التقليدية من مشغولات طبيعية، كانت ولا زالت ترمز إلى ثقافة وعراقة وهوية المجتمع الجزائري عبر العصور.
❊ بداية فيم تتمثل طبيعة العلاقة بين الصناعة التقليدية والسياحة المحلية؟
❊❊ لا يخفى عليكم بأن جل الدول اليوم تراهن على السياحة كمورد هام في عملية التنمية، انطلاقا من الفكرة الرامية إلى دعم كل ما هو بيئي، ولأن الصناعة التقليدية تعبر على بيئة الإنسان، كان ذلك التنوع في الصناعات الذي جاء نتيجة خبرات تكونت عبر عدد من السنوات، وكشفت عن محاولات الإنسان عبر العصور التأقلم مع بيئته، من خلال خلق أدوات عمل وإنتاج مادي أهله للعيش والاستقرار، ومن ثمة يمكن القول بأن الجزائر كمنطقة غنية بثرواتها في مجالات مختلفة، كالطين والسلالة والصناعات الجلدية والنسيجية والحلي، بالتالي لابد في الوقت الحالي من استغلال هذا الإرث الثقافي المادي في مجال تنمية السياحة.
❊ كيف يمكن للصناعة التقليدية أن تدعم السياحة؟
❊❊ جعل الصناعة التقليدية موردا هاما للسياحة المحلية ـ في رأيي ـ لا يتحقق إلا بتوفر عدد من النقاط، ولعل أهمها؛ البحث عن السبل الكفيلة بالحفاظ على هذا الإرث المادي، من خلال إنشاء متاحف وطنية ومحلية، الهدف منها التأسيس لمرجعية وخصوصية، لتفادي الوقوع في فخ التشابه بين مختلف الصناعات التي تميز كل ولاية عن أخرى، فمثلا، الصناعات الفخارية نكاد نجدها في كل الولايات، لكن الخصوصية تتمثل في الانفراد بالأشكال والرموز وحتى الألوان، وهي الميزة التي يظهرها المتحف المحلي المغيّب في جل الولايات، الأمر الذي جعلنا نضيع شيئا من مرجعيتنا، إلى جانب السعي إلى إنشاء أسواق خاصة بكل ولاية تروج لما تشتهر به من صناعات تقليدية، مثل باقي دول الجوار، وهو ما نحن في أمس الحاجة إليه في الوقت الراهن للنهوض بقطاع الصناعات التقليدية.
❊ هل تعتقدين أن الحرفي يلعب دوره في الحفاظ على هذا الموروث المادي؟
❊❊ حقيقية، الحرفي يبذل جهدا، إلا أنه يظل غير كاف، وذلك راجع لعدة اعتبارات أهمها؛ عدم اهتمامه بالتكوين الذي هو الآخر نجده مغيبا بسبب عدم وجود اهتمام بإنشاء معاهد متخصصة لتكوين الحرفي، حتى لا يتحول إلى تاجر، هذا من ناحية، من جهة أخرى وعندما نفكر في إنشاء سياحة عمادها الصناعة التقليدية، لابد من دعم الحرفي في كل ولاية حتى يحافظ على تراث ولايته، وليشعر السائح حقيقة بالتنوع بعد انتقاله من ولاية إلى أخرى، سواء في الأكل أو اللباس وغيره من المشغولات اليدوية، وهذا لا يتحقق إلا بالتكفل بانشغالات الحرفي الذي يعول عليه لإنعاش السياحة المحلية.
❊ إذن ما هو المطلوب من الحرفي؟
❊❊ الحرفي اليوم مطالب بالاجتهاد أكثر في الحفاظ على حرفته؛ نسجا كانت أو سلالة أو فخارا أو نحاسا، وأن يلعب دورا هاما في نشر الوعي المجتمعي، لأهمية ما يقدمه من حرف تعكس تراث أمة وهويتها، بغض النظر عن ثمنها الذي يعتبر من الأسباب الأولى وراء التخلي عن الصناعات التقليدية والجري وراء كل ما هو مصنع ومقلد.
❊ كيف يمكننا أن نغلّب العقلية التراثية على التجارية عند الحرفي؟
❊❊ نحن بحاجة إلى إخضاع الحرفيين لدورات تكوينية يحوزون فيها على معلومات، تتعلق بماهية الحرفة وتاريخها أولا، وتمكينه من آليات وميكانيزمات التسيير وفنون التعامل مع المواطنين، لأن الحرفي يفترض أنه حامل لرسالة وحائز على طرق تواصلية تجعله يحسن الترويج لحرفته، غياب كل هذه المعطيات عند بعض الحرفين أساء إلى الصناعة التقليدية، وهو ما تعكسه طريقة التعامل الشائعة عند الحرفيين، والتي يغلب عليها الجانب التجاري الرامي إلى تحقيق الربح وفحسب.
❊ ما الذي تقترحينه لإعادة الاعتبار للصناعة التقليدية كداعم سياحي؟
❊❊ أعتقد بأن أهم ما ينبغي المراهنة عليه، تقنين الأسعار التي تلعب دورا كبيرا في دعم هذا الموروث، كتقنين النحاس والصناعات النسيجية والفخارية لمحاربة الارتجالية في تحديد الأثمان، خاصة أن الأسعار اليوم تقاس على السائح أكثر من المواطن المحلي، فضلا عن أن ربات البيوت مدعوات أيضا لإعادة النظر في ممتلكاتهم التراثية، بجعلها حاضرة في المنازل وتعكس الانتماء.
❊ هل من كلمة أخيرة؟
❊❊ الصناعة التقليدية استمرارية لتراثنا ومورد هام للسياحة، دعمها وإعادة الاعتبار لها يتطلب تضافر جهود الحرفيين المهنيين والمختصين في التاريخ والاقتصاد، لرسم إستراتيجية تضع تصورا واضحا لتحويل هذا الموروث المادي من مجرد حرف إلى مورد هام لدعم الاقتصاد.