إبراهيم بوشاشي (رئيس الغرفة الوطنية للمحضرين القضائيين) لـ "المساء":

الاعتداءات الفعلية تقع علينا من طرف الإدارات العامة

الاعتداءات الفعلية تقع علينا من طرف الإدارات العامة
  • 1258
حاورته: حنان. س حاورته: حنان. س

سلطة الردع محورية وتطبيقها يقلل القضايا الكيدية بـ80%

أقر الأستاذ ابراهيم بوشاشي، رئيس الغرفة الوطنية للمحضرين القضائيين، بوجود ظاهرة الاعتداء على المحضر أثناء تأدية مهامه، وأرجع سبب استفحال الظاهرة إلى غياب ثقافة قانونية عند المواطنين، ونقص اهتمام الإعلام بالحديث عن مهام المحضر القضائي ودوره في بناء السلم الاجتماعي، وكذا انعدام معايير واضحة تميز بين الخطأ المهني والفعل المجرم. وأشار في مقابلة خاصة مع "المساء"، إلى أن غياب الردع القانوني أخل بالكثير من القيم المجتمعية.

❊  عمل المحضر القضائي المباشر مع المواطنين يجعله عرضة للكثير من المتاعب، هل سجلت الغرفة بعض تلك الحالات؟

— أولا، الحديث عن الاعتداءات يحتمل عدة إجابات، فهل هي الاعتداءات اللفظية أو الجسدية أو المعنوية؟ نحن نقول؛ أكيد هناك اعتداءات تمارس ضد المحضر القضائي، ليس فقط أثناء عمله في التبليغ، لكن حتى داخل مكاتب بعض المحضرين، غير أننا نؤكد أنه نادرا ما تصل إلى حد الاعتداءات الجسدية، بل معظمها اعتداءات لفظية تأتي في أغلب الأحيان من أولئك الذين يرون في أنفسهم القدرة على التخفي وراء معارفهم، فيسمحون لأنفسهم بالتطاول على المحضر القضائي والتفوه بكلام قبيح في حقه. كما يوجد صنف آخر من المعتدين، يتمثلون في أولئك الذين لا يدركون معنى مهام المحضر القضائي، بسبب نقص الوعي عندهم أو غياب الثقافة القانونية التي تمكنهم من التفريق بين المدعي والمدعى عليه والمحضر القضائي الذي ما هو إلا حلقة وصل بين العدالة والمواطن، لكن نعيب في هذا المقام على المواطن الذي لا يسعى إلى فهم الحقائق في الكثير من الأحيان،  وحتى على وسائل الإعلام التي لا تهتم بالحديث عن مهنتنا وتنوير الرأي العام بأهميتها.

❊ ألا تعتقدون أن مسألة إعلام الناس بأهمية مهنتكم من أساسيات عمل هيئتكم، أو على الأقل منوطة بكل محضر قضائي؟

— صحيح، لكن أقول بأن الكثير من وسائل الإعلام لا تهتم بمسائل تنوير المواطنين بقضايا تهمهم اجتماعيا وثقافيا وغيرها، أظن أن الإعلام يعرف المحضر القضائي جيدا ويعتبر وجوده محوريا في أية عملية قانونية، مثلا في مختلف المسابقات التي يتم الإعلان عنها أو حتى في تأسيس جمعيات أو مؤسسات اقتصادية وغيرها، أعتقد أنه لا بد للإعلام أن يكون أكثر انفتاحا على كل المسائل التي تهم المجتمع ومواطنيه، وليس فقط قضايا السياسة والاقتصاد، دعيني أقول لك بأن للمحضر القضائي دور اجتماعي واقتصادي كبير، وأهم تلك الأدوار تتلخص في إرساء دولة الحق والقانون من خلال مساهمته الأساسية في تحقيق المحاكمة العادلة في مختلف مراحلها وإرساء السلم الاجتماعي.

❊ إلى ما ترجعون غياب الثقافة القانونية عموما؟ وما دور هيئتكم في هذا المجال؟

— يوجد ضعف في قنوات الاتصال والتواصل ليس فقط بين المواطنين والهيئات، بل حتى بين المحضرين القضائيين أنفسهم، وبين الهيئات القائمة على شؤون مهنتهم، لذلك فإن الغرفة الوطنية للمحضرين القضائيين ووقوفا على مدى التأثير السلبي الناتج عن ضعف الاتصال وما يسببه على كيان المهنة والمنتسبين إليها سلبا، فإننا نسعى إلى تدارك كل ذلك والعمل على بعث مبادرات من شأنها ردم هذه الهوة من جهة، والعمل على توحيد الرؤى، وجمع الكلمة حول مبادئ وأهداف يتعاضد الجميع من أجل تحقيقها، لذلك فإن شهر فيفري 2016 سيشهد انعقاد مؤتمر وطني للمحضرين القضائيين بوهران، للحديث عن كل صعوبات المهنة، ومحاولة تنظيمها أكثر.

❊ إلى حين ذلك، كيف تعلّقون على تنامي ظاهرة الاعتداء ضد المحضرين؟

— المواطن أصبح لا يخاف العدالة ولا الأمن ولا حتى المحضر الذي كما قلنا، هو همزة وصل بين العدالة والمواطن، ففي الدول المتحضرة،  المحضر القضائي سلطة قانونية يضطلع بمهام وتحميه القوانين، لكن الحاصل عندنا أن الاعتداءات الفعلية الممارسة ضد المحضر تقع عليه من طرف الإدارات العامة، فقد يمنع المحضر من دخول إدارة، أو ألا يجد مع من يتكلم إن هو قصدها، أو أن يخاطب بلغة فوقية، في ظل وجود قوانين لكل إدارة أو تنظيم داخلي أصبح يسمو على القوانين الفعلية، ما قد يجعل حارسا في مؤسسة يمنع المحضر من تنفيذ حكم قضائي.. هذا اعتداء على المحضر والعدالة والدولة، وما لم تكن هناك سلطة ردعية فيما يخص هذا الجانب، ستسوء الأحوال أكثر.

❊ ماذا تقصدون تحديدا؟

— أن تتخذ الإجراءات القانونية، ونقصد هنا أن منع محضر قضائي من تأدية مهامه رسميا يدخل ضمن قانون العقوبات، معناه أن ترمى الكرة في مرمى العدالة. وهنا أوضح أن المحضر القضائي قد يقدم شكوى ضد أية مؤسسة تعتدي عليه، لكن دون أن ترى الشكوى النور، وفي هذا المقام، أقول بأنني قد أتقبل كرئيس هيئة المحضرين،  الاعتداءات التي تأتي من المواطن بسبب نقص الوعي لديه وغياب الثقافة القانونية في المجتمع عموما، لكنني لا أقبل تماما العنف الممارس ضدنا من مؤسسات كيفما كانت طبيعتها.

❊ وما هي الحلول هنا في رأيكم؟

— لا بد من تكاتف الجهود بين المحضر والمحامي والقاضي والإدارة والوصاية (وزارة العدل) والدولة ككل، لجعل الموظف العمومي في مأمن، مع تسهيل عمله، ولن يتأتى أي ناتج اجتماعي أخلاقي ما لم تنتشر الثقافة القانونية التي يقابلها الردع القانوني.

❊ وماذا عن دور هيئتكم هنا؟

— بداية أصدرت الغرفة الوطنية للمحضرين القضائيين مجلة متخصصة في بداية السنة الجارية، للتقرب أكثر من المحضرين وفتح قنوات الاتصال والتواصل معهم، وحتى تكون نواة جهد علمي وإعلامي للغرف الجهوية الثلاث شرق-وسط وغرب، من أجل عرض أهم انشغالات المحضر القضائي ومناقشة مصاعب المهنة نظريا وميدانيا، ومنه المساهمة في تقديم المقترحات التي تذلل العقبات وتوحد الرؤى. كما أننا نسعى إلى التقرب من مختلف وسائل الإعلام، خصوصا السمعية البصرية، بهدف الإشراف على حصص تلفزيونية، يفضل أن تكون على المباشر، لتمكين المواطن من السؤال والتساؤل ويعرف بالتالي حقوقه وواجباته القانونية. كما أتوجه إلى كل السلطات من أجل نشر الثقافة القانونية التي أرى أن المجتمع في أمس الحاجة إليها، كما أؤكد على سلطة الردع من أجل تنظيم وإعادة ترتيب ما يجب ترتيبه وقمع تمرد المواطن على القوانين، وأعتقد أنه على النيابة العامة الإضلاع بدورها كما ينبغي، فالمواطن الذي يقدم شكاوى كيدية ضمن الاعتداءات ضد المحضرين ومختلف الأعوان القضائيين، من واجبها ولعلمها بالموضوع، أن تحرك دعوى قضائية ضد هذا المواطن  بسبب وجود جريمة ثابتة، وهي البلاغ الكاذب. ونؤكد أنه لو تحركت النيابة في هذا الاتجاه، فالأكيد أن الاعتداءات ضد المحضرين وفي جميع الشكاوى الكيدية الأخرى، ستقل على مستوى المحاكم بـ70 إلى 80 %، فالمواطن أصبح يهدد بالشكوى القضائية وهو ما يجعل عون القضاء يحس بتهديد مواز في تسيير العدالة، بسبب سوء فهم الشكوى، ثم يجد المحضر القضائي نسفه أمام قضية متابع فيها أمام العدالة وقد تطول القضية سنوات، وهذا ما أسميه أكبر اعتداء قد يسجل ضد المحضر القضائي.

❊ هل لديكم إحصائيات في هذا المجال؟

— لا داعي لذكر الإحصائيات، نحن نؤكد على وجود ظاهرة الاعتداء على المحضرين القضائيين، ونؤكد أن وزير العدل حافظ الأختام وكل الطاقم الذي يعمل معه يتفهم وضعيتنا، وهم يسعون في سبيل تذليل الصعوبات، وأرجو أن تأتي هذه المجهودات أكلها في أقرب وقت حتى تكون لنا اليد الطول في مساعدة المؤسسات العامة عند مختلف الهيئات. صحيح أن معظم الاعتداءات لفظية، لكن قد تتجاوز ذلك بكثير حد التهديد بالقتل أو الاعتداء الجسدي المفضي إلى عجز عن العمل. أذكر هنا اعتداء ضد محضر في ولاية بسكرة، اعتدى عليه مواطن في إطار تبليغ قانوني بالشاقور، فأصابه في الظهر، وهو ما أدى إلى وفاته، واعتداء آخر في تيجلابين ببومرداس خلال سنوات التسعينات، حين وجه عون أمن طلقة نارية لطليقته وللمحضر القضائي أثناء التبليغ القانوني، ولحسن الحظ، لم يتوف المُحضر، وقس على ذلك من ألفاظ ليست جارحة فحسب، بل سوقية نواجهها بصفة يومية في عملنا، ومن الاعتداءات أيضا؛ الدفع والتهديد وتمزيق المحاضر وغيرها عبر الوطن، وليس في جهة دون أخرى.

❊ بعض الجهات تحدثت عن التبليغ الإلكتروني كحل بديل لظاهرة الاعتداءات، فما تعليقكم؟

— لا أؤمن بالتبليغ الإلكتروني، فمن يبلغ من ولمن يتم التبليغ؟ إذا كان السواد الأعظم ليس له عنوان قار، فما بالك بالعنوان الإلكتروني؟ ولنصل إلى هذا، يتطلب الأمر 50 سنة، هذا إذا وفرت اتصالات الجزائر تدفقا عاليا للأنترنت مع وجوب وجود خط واشتراك وبريد إلكتروني لكل مواطن. نحن ننتظر الأنترنت أحيانا مثلما ننتظر الماء في الحنفيات، وهذا ليس تحاملا إطلاقا، وإنما واقع لا بد من الاعتراف به،، لذلك لا أعتقد أنه الحل البديل.

❊ هل لكم كلمة أخيرة؟

— الغرفة تعمل حاليا على التحضير لتنظيم مؤتمر وطني يومي 11 و12 فيفري 2016 في وهران، ونعتبره موعدا مهما لأنه سيشهد مشاركة عدد كبير من المحضرين القضائيين، بهدف التكوين والرسكلة وإعادة ترتيب البيت من أجل إعطاء نفس جديد لهذه المهنة النبيلة.