مواقع التواصل الاجتماعي تروج له

الاحتفال بالطلاق يسيء لأبغض الحلال

الاحتفال بالطلاق يسيء لأبغض الحلال
  • القراءات: 2030
❊❊ رشيدة بلال  ❊❊ ❊❊ رشيدة بلال ❊❊

عادة ما يرمز الاحتفال إلى التعبير عن مناسبة سعيدة، يبغي من ورائها المحتفل، إعلام أو إشراك الغير بها، بدعوتهم لمقاسمتها، كالاحتفال بأعياد الميلاد أو بعقد القران، أو حتى النجاح في مشروع  أو الحصول على شهادة ما، لكن أن يتم الاحتفال بفك الرابطة الزوجية التي تعتبر في الحقيقة مناسبة حزينة، يدعونا ذلك إلى الوقوف عند الظاهرة، بعدما بدأت تنتشر شيئا فشيئا بمجتمعنا، نتيجة الصعوبات التي أصبحت تواجهها المرأة للحصول على حريتها، الأمر الذي يعكسه ارتفاع معدل الخلع. "المساء" حاولت من خلال الاحتكاك ببعض الأخصائيين، تشخيص الظاهرة والبحث في مدى تفشيها بمجتمعنا الذي أصبح يسارع إلى تقليد كل ما تروج له مواقع التواصل الاجتماعي، حتى وإن كان مخالفا لقيمنا وعاداتنا التي تغذيها مرجعيتنا الدينية.

لا يعتبر الاحتفال بالطلاق من الأمور الغريبة بالنسبة لبعض المجتمعات، كونه يدخل ضمن عاداتها وتقاليدها، ونذكر في هذا الخصوص، المجتمع الموريتاني الذي تبادر فيه المرأة المطلقة إلى الاحتفال بفك الرابطة الزوجية بدعوة الأقارب والأحباب، وتتلقى بالمناسبة التهاني، لكن أن ينتقل هذا التقليد إلى بعض المجتمعات العربية بدافع التقليد والمباهاة أو الانتقام، فهذا ما يطرح التساؤل،  وهو حال المجتمع التونسي الذي بادرت فيه النساء أيضا، إلى تنظيم احتفالات تعكس مدى فرحتهن لتحررهن من هذا الرباط الشرعي، رغم أن هذا الإجراء لا يدخل ضمن تقاليدهن، غير أن الرغبة في البحث عن أسلوب يعكس فرحتهن بالحدث ،جعلهن يخترن الاحتفال.

لم يقتصر الأمر على هذا الحد، إنما تمت مشاركة هذه الاحتفالات على مواقع التواصل الاجتماعي لنساء يحملن كعكات ويكتبن عبارات مثل "أخيرا تطلقت.. أخيرا تحررت"، سرعان ما تأثرت بها بعض المجتمعات الأخرى، على غرار الجزائر، حيث شرعت بعض النساء في تنظيم احتفالات رمزية توحي بالفرح للتحرر من الشريك.

إلى أي مدى الظاهرة مرحب بها؟

استطلعت "المساء" آراء بعض المواطنين من شرائح عمرية مختلفة، وعن مدى تقبلهن للظاهرة، فأشار بعض المستجوبين إلى أن الظاهرة دخيلة على مجتمعنا، لكن لا يوجد ما يمنع من تحريمها من منطلق أنها  تعكس نوعا من الانتقام، وتترجم درجة الصدمة التي يتلقاها المتضرر الذي عادة ما يكون المرأة. بينما يرى البعض الآخر، أنها تعكس حجم المعاناة التي كانت تعيشها المطلقة، وتحاول من خلال الاحتفال بها والتعبير عن مدى حاجتها لهذه الحرية التي حصلت عليها بشق الأنفس، واستعان البعض الآخر بالقول "إنه حقيقة أبغض الحلال"، لكن ليس هناك ما يمنعه ويظل حلالا، خاصة إن كان أحد الطرفين يعاني، بالتالي فالاحتفال ـ حسبهم ـ ما هو إلا مظهر للتفريغ والتنفيس عن النفس.

يرى آخرون أن المجتمع الجزائري كان قديما يتجنّب حتى الحديث عن حالة الطلاق، بالنظر إلى الحساسية التي تحدثها المطلقة داخل الأسرة، إذ لا يتم تقبلها في المجتمع، لكن اليوم ومع تغير المجتمع وانفتاحه وخروج المرأة للعمل، انقلبت الموازين وأصبحت العائلات تشجع بناتها على التعبير عن حالة الفرح بفك الرابطة الزوجية، حتى لا يشعر الطرف الآخر بالانتصار، ويجري دعم المطلقة لتتمكن من إعادة بناء حياتها.

ذهب آخرون إلى تشبيه الشعور بالفرح لفك الرابطة الزوجية، بالجنائز التي تحولت هي الأخرى إلى أشباه احتفالات، تكثر فيها القهقهات وتقام فيها الولائم، مما يعكس درجة التحوّل في المجتمع، ومدى تأثير العولمة التي اتسعت لتمس القيم المجتمعية.

اقترح آخرون بالنظر إلى حجم المعاناة التي أضحت تتجرعها المرأة للحصول على حريتها، تشجيع الظاهرة ومباركتها، لأنها بطريقة أو بأخرى، تساعدها على التنفيس وتعطيها شعورا بالراحة، خاصة أنه لا يوجد مطلقا ما يمنعه من الناحية الشرعية.

ليس محرما ولا يجوز تشجيعه

بنظرة شرعية، يشير الشيخ جلول حجيمي، رئيس نقابة الأئمة في تصريحه لـ"المساء"، إلى أن مثل هذه الاحتفالات عادة ما تنتشر في الدول الغربية، وتدخل في عادات بعض الدول العربية. أما في الجزائر،  فليست منتشرة إلى درجة وصفها بالظاهرة، هذا من ناحية، ومن جهة أخرى يوضح "الاحتفال ليس بالحرام ولا بالحلال، إنما يمكن القول، إنه تعبير عن حالة نفسية معينة، والشائع في مجتمعنا أن المرأة بعد الطلاق تعتد، وبعد انتهاء عدتها لها أن تفعل ما تشاء"، ويوضح "غير أنني أعتقد أن المرأة عادة تبدو أكثر تضررا بعد الطلاق وتشعر بالانكسار، بالتالي نادرا ما نقف عند هذه الحالات الاحتفالية التي تعتبر دخيلة ومخالفة لعاداتنا وما ألفناه في مجتمعنا".

في السياق، يرى محدثنا أن المطلقة غالبا لا يرحمها المجتمع، وينظر إليها نظرة قاسية، بالتالي لا أتصور أن تفرح بطلاقها، إنما تتطلع لإعادة بناء نفسها والنهوض من جديد. مشيرا إلى أنه أمام تنامي حالات الطلاق والعنوسة والخلع، يجب الابتعاد عن مثل هذه الظواهر التي تزيد من تعقيد المجتمع، درءا للمفسدة.

وصف من جهته جلول قسول، إمام خطيب بمسجد "حيدرة" بالعاصمة، الاحتفال بالطلاق من الشريكين بالظاهرة الغريبة والخطيرة، قائلا إن الدول المسلمة تقدس الروابط الأسرية، وتتطلع إلى  الحفاظ على استقرارها، وما يحدث ـ حسبه ـ اليوم في المجتمعات العربية بتأثير من مواقع التواصل الاجتماعي، هدفه تحطيم هذه الروابط وتفكيك الأسر تحت عنوان "الحرية والتحرر". مشيرا إلى أنه أمام تأثر البعض بها، والمبادرة إلى ممارستها من طرف البعض لسبب أو لآخر، لابد من المبادرة إلى توعية المجتمع بمثل هذه الظواهر، والسعي إلى الصلح والترغيب في الزواج.

الاحتفال بأبغض الحلال إلى الله عز وجل، جريمة وتدخل في باب التشيّع على البدع المحدثة، التي يؤثم من يبادر إليها، حسب محدثنا، مشيرا إلى أن الترويج لمثل هذه الأفكار والتشجيع عليها مرجعه مواقع التواصل الاجتماعي، ويقول "بالمناسبة، ندعو العائلات الجزائرية إلى التفطّن لمثل هذه الظواهر الدخيلة، التي تخالف مبادئنا الإسلامية بنبذها والابتعاد عنها".

مظهر تعبيري لانتصار مجتمعي

أرجعت الأخصائية الاجتماعية راضية صايفي، في حديثها مع "المساء"، انسياق النساء للاحتفال بفك الرابطة الزوجية، إلى نوع من الإعلام والتعبير عن الانتصار، حيث يبادرن تأثرا ببعض المجتمعات الغربية والعربية، إلى دعوة المقرّبين من أفراد العائلة أو الصديقات لمقاسمتهن فرحتهن، خاصة إن عاشت تجربة قاسية ويتم حتى تهنئتها، مشيرة إلى أن الفرحة بالنسبة لهن، تعتبر بمثابة تعويض عن الحزن والألم الذي عشنه، ومن ثمة يعطين لأنفسهن الحق في الاحتفال باستعادة حريتهن.

ترى الأخصائية الاجتماعية أن الاحتفال بالطلاق في الحقيقة، إنما هو حالة مرضية تعكس تراجع قدسية هذا الرابط الشرعي، بعدما أصبح الطلاق شيئا اعتياديا، داعية في السياق، إلى ضرورة الحذر من الانسياق خلف هذه الظاهرة وتشجيعها، كونها تمس باستقرار الأسر وتجعل من الطلاق حدثا اجتماعيا سعيدا، الأمر الذي يسيء إلى مجتمع يعتز بقيمه ومبادئه. مشيرة إلى أن الطلاق في مجتمعنا، يعرف ارتفاعا كبيرا، مما يدعونا ـ حسبها ـ "إلى توعية الطرفين بقدسية هذا الرابط الشرعي، وأهمية الحفاظ على تماسك الأسر عوض التشجيع على تخريبها والاحتفال بتفككها".

سلوك غير حضاري وجب محاربته

بلغة قانونية، أرجع محمد الصديق عبد العزيز، محامي معتمد لدى المحكمة العليا والمجلس الدستوري في معرض حديثه مع "المساء"، ارتفاع معدلات الخلع والمبادرة إلى الاحتفال بالانتصار ـ إن صح التعبير ـ إلى عدم قدرة النساء عموما على إثبات الضرر الواقع عليهن، قائلا "إن الأرقام تشير إلى أن 95 بالمائة من قضايا الخلع، هي لنساء عجزن عن إثبات الضرر بعد اللجوء إلى التطليق الذي يحدد فيه القانون، الحالات التي يحق فيها لهن التحرّر بموجبها، بالتالي ولتجنّب الدخول في متاهة المحاكمة، وما تتطلبه من إجراءات قد تنتهي برفض الدعوى لعدم التأسيس، يخترن أقصر طريق وهو الخلع"، ويضيف أنه بحكم أنهن يشترين حريتهن، يبادرن إلى الاحتفال بهذا الانتصار الذي يعتبر ـ في رأيه ـ "تصرفا غير حضاري" مهما بلغت درجة معاناة الشريك، إنما يعتبر "تصرفا غير مسؤول".

يوضح محدثنا "الاحتفال بفك الرابطة الزوجية، رغم أنه قليل في مجتمعنا ويتم بطريقة غير معلنة، بالنظر إلى عدم تفشي الظاهرة، غير أنها تعكس غياب الحياء وسرعة التأثر بما تروج له مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، حتى وإن كان سلبيا، مع غياب القدوة الحسنة، ويقول "السؤال الذي يطرح في هذا الإطار؛ هل يعقل للمطلقة أن تفرح بخراب بيتها الزوجي بغض النظر عن حجم معاناتها؟".

كأخصائي قانوني، يرى المتحدث أن الطرف المتضرر قبل المبادرة إلى تقليد مثل هذه التصرفات الدخيلة، عليه أن يراعي النتائج المترتبة على الطلاق، كوجود الأطفال، بالتالي لابد للطرفين في حال فك الرابط الزوجية، أن لا يسيئا إلى الذكرى التي كانت بينهما، حتى لا يؤثّر ذلك على مستقبل الأبناء، لاسيما أن الاحتفال به تعبير عن نوع من الانتقام، ويرسم صورة سيئة عن الزوج الذي يعتبر أبا له حق الزيارة والنفقة عليهم.

الشعور بالفرح وسيلة لتجاوز الفشل

بينما أشارت الأخصائية النفسانية سامية والي، في حديثها مع "المساء"، إلى أن الاحتفال بالطلاق قد يعبر عن التحرر من المعاناة أو محاولة استرجاع الكرامة، والتظاهر بعدم تأثير فك الرابطة الزوجية على أحد الزوجين، بالتالي فهو ـ حسبها ـ محاولة للخروج أو لتجاوز هذه المرحلة بأقل الضرر، وتقول "هنا أقصد الضرر المعنوي طبعا  والمحافظة على المكانة الاجتماعية بالظهور بالوجه الإيجابي".

حسب الأخصائية النفسانية، فإن ما يخفيه الاحتفال وإن كان شاذا في مجتمعنا، في حقيقة الأمر، هو محاولة لتجاوز الفشل بالفرح والإقبال على الحياة الجديدة، كوسيلة دفاعية يقوم بها المحتفل الذي قد يكون الرجل أو المرأة، لإرضاء كبريائه أو ترميم نفسيته المحطّمة. مشيرة إلى أنه، يفترض مهما كانت أسباب الطلاق، لا داعي للاحتفال، بل وجب التفكير في الأسباب والنتائج والخروج من هذه التجربة برؤية جديدة، لمواصلة الحياة وفق الوضع الجديد، حفاظا على القيم الاجتماعية واحتراما لقدسية الزواج.

الظاهرة، حسب محدثتنا، وإن كانت حديثة ولا تدعو للقلق، تؤكد "ندعوهن كمجتمع محافظ، إلى ترك التقليد الذي يروج لسلوكات جديدة، هدفها تحطيم الأسر وتفكيك المجتمعات وتشجيع النساء على التحرر السلبي".