وجبات يتجاوز ثمنها الـ 10 آلاف دينار

الإفطار والسحور في المطاعم.. تقليد جديد تتبناه بعض العائلات

الإفطار والسحور في المطاعم.. تقليد جديد تتبناه بعض العائلات
  • القراءات: 591
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

تبنّت بعض العائلات الجزائرية خلال الشهر الفضيل، بعد أزمة كورونا بالتحديد، تقليدا جديدا، تمثل في نزول أفرادها للإفطار في أحد المطاعم خارج المنزل. هذا التقليد الذي تحاول العائلات من خلاله، كسر روتين "الإفطار التقليدي بالبيت" . وهو تفكير جديد، دفع، اليوم، ببعض المطاعم ومحلات بيع الأكل السريع، إلى تحويل خدماتهم تماشيا والشهر الفضيل، بعدما كان أغلبها يدخل في عطلة خلال هذه الفترة. ولمعرفة مدى إقبال المواطنين على المطاعم، كانت لـ"المساء" جولة بين عدد منها، والتي تفتح أبوابها بعد الزوال لتحضير قائمة طعام تتماشى مع متطلبات الزبون الجزائري، وما يشتهيه على مائدته خلال الشهر الفضيل.

أعرب عدد من العائلات التي مسها استطلاع "المساء"، عن استحسانهم هذا المفهوم الجديد الذي أدخلته بعض الأسر في قاموسها خلال الشهر الفضيل؛ باصطحاب رب العائلة أفراد عائلته للإفطار خارج البيت من حين لآخر. وقال عنه البعض فرصة لكسر الروتين، ومحاولة مشاركة أوقات ممتعة مع العائلة خلال هذه المناسبة العظيمة، في حين يراه البعض الآخر طريقة لشكر الأم، أو الزوجة أو الأخت عن جهودها، وتخفيف تعب المطبخ، وتحضير وجبة الأكل عنها ولو ليوم واحد. ويكون الانطلاق في هذه التجربة قبل غروب الشمس بساعة تقريبا. وتتواصل عند البعض إلى غاية موعد السحور.

وتعددت المحلات التي توفر هذه الخدمة لزبائنها؛ منها المطاعم الفاخرة، والأخرى التابعة للفنادق، وحتى محلات الأكل السريع؛ لتقدم، بذلك، قائمة من الوجبات الكاملة من أطباق تقليدية خاصة بهذا الشهر الكريم، تنتشر بين عدد من بلديات العاصمة والأحياء الراقية، وحتى الشعبية، بشرق وغرب العاصمة، وحتى بأعالي القصبة.

وهناك نصيب للراغبين في مشاركة فطور بطلّة ساحرة على "الجزائر البيضاء"، وهو ما خلق منافسة شديدة في هذه المناسبة بين تلك المحلات؛ في الشكل، والنوعية، والخدمات، والديكور، والأجواء الدافئة التي توحي بجمال هذا الشهر.

محطتنا الأولى كانت بمطعم بشارع أودان بالعاصمة، الذي رفع نصف ستاره الحديدي بعد الزوال، والذي بدأت تفوح من داخله رائحة الشوربة العاصمية. اقتربنا حينها من مراد دويدي، أحد مالكي المطعم، الذي كان منهمكا مع فريق عمله من الطهاة، في تقسيم المهام، أوضح أن تجربته الأولى هذه السنة فتح مطعم، ناجحة إلى حد الآن، على حد قوله، مشيرا إلى أنه لم يكن يتوقع هذا الإقبال، وموضحا: " طالما سادت فكرة أن الإفطار في رمضان لا يكون إلا داخل البيت؛ الأمر الذي يدفع، دائما، بأصحاب المطاعم إلى إغلاق محلاتهم طيلة الشهر، إلى جانب مناسبات أخرى؛ كعيد الأضحى أيضا "، موضحا أن هذا الأمر كان يكبّد بعض المحلات خسائر كبيرة، خصوصا تلك التي لديها شريحة كبيرة من الزبائن الذين يقبلون عليها طيلة أيام السنة.

وقال المتحدث: " رغم أن نسبة المقبلين على المطاعم خلال رمضان، ليست بنفس قدر ما هي عليه خلال باقي السنة، إلا أنها تظل نسبة مهمة، ويمكن العمل معها، خصوصا أن المطاعم التي تفتتح أبوابها خلال هذه المناسبة، تعمل بخدمة استثنائية؛ أي لا تقدم خدمة "كلاسيكية" كما تحضره باقي السنة، بل تحاول التماشي وعادات وتقاليد الطعام خلال الشهر الفضيل. وتعمل، بذلك، على تحضير قائمة خاصة بالمأكولات التي يفضلها الجزائري في رمضان، والتي تبقيه في أجواء هذه المناسبة الدينية العظيمة، وتتماشى وتقاليده التي اعتاد عليها ".

وأضاف أن مبادرة بعض المطاعم قبل سنتين أو ثلاث سنوات في تجربة هذا "المفهوم" الجديد ونجاحه كتجربة، هو ما دفع بالكثير من المطاعم الأخرى إلى الالتحاق بالسبق؛ ما خلق جوا من المنافسة أمام العائلات الراغبة في الإفطار خارج البيت.

شوربة وبوراك وأطباق تقليدية.. قائمة متنوعة للإفطار خارج البيت

محطتنا الثانية كانت مطعما ببلدية وادي حيدرة، أحد المطاعم الفاخرة التي حوّلت قائمة طعامها من فنون الطعام الدولي، إلى جزائري 100 ٪، وأصبحت، بذلك، تقدم قائمة كلاسيكية لإفطار رمضاني تقليدي.

اقتربنا من الشاف مريم، التي يبدأ عملها على الساعة التاسعة صباحا؛ تبدأ بتحضير الطعام للإفطار، وفقا لقائمة تم تحضيرها مسبقا، وحتى قبل الشهر الفضيل؛ لتسهيل العملية خلال رمضان، موضحة أن العائلة الجزائرية بالرغم من بحثها عن الإفطار خارج البيت، إلا أنها تحرص على الأطباق التقليدية.

وأوضحت الشاف: " في البدء يُكسر الصيام بتقديم صحن من التمر والحليب أو اللبن حسب رغبة الزبون. ويكون، بعدها، جزء من القائمة لا يتغير أبدا؛ شوربة أو حريرة وبوراك، هذا الأخير متنوع؛ من اللحم، أو الدجاج، أو البطاطس، أو حتى السمك، وغيرها من الأنواع، إلى جانب طاجين الحلو التقليدي. ثم يتم تقديم الطبق الرئيس، قد يكون مثوم، أو طاجين شطيطحة لحم أو دجاج، أو طاجين شواء، أو طاجين الزيتون، وغيرها من الأطباق التي يتم الكشف عنها يوميا عبر منصة التواصل الاجتماعي وصفحة المطعم، ليتمكن الزبائن الراغبون في زيارة المطعم، من معرفة "قائمة ذلك اليوم" لا سيما أن الهدف الأساس هو إرضاء الصائم ".

وأضافت مريم أن التحلية تتنوع بين قلب اللوز، ومحنشة وسيقار اللوز، أو كنافة، أو حتى صحن من الفواكه، موضحة أن "مفهوم" الإفطار في المطعم خلال شهر رمضان ليس تجربة صنف جديد من الأكل، وإنما التجربة في حد ذاتها هي الإفطار رفقة العائلة خارج البيت.

سحور خارج البيت... تقليد آخر للشباب

حطت "المساء" رحالها في تجمع للمطاعم الشهيرة الأخرى بالعاصمة؛ بالرويسو، المعروفة ببيع "الشواء" على مدار السنة. أثار فضولنا نوعية الخدمة التي تقدمها هي الأخرى؛ ليست إفطارا، بل وجبة سحور.

تقربنا من عدد من مسيّري تلك المحلات، الذين أكدوا تقديم خدمتهم إلى غاية ساعات متأخرة من الليل؛ حيث تقدَّم وجبة "الشواء" كسحور. وأكد هؤلاء أن الإقبال عليها في تلك الفترة مثير للدهشة، خصوصا أن الكثير من الشباب تبنّوا منذ سنوات طويلة، تقليد أكل "سندويتش الشواء" في الفترة الليلية من رمضان، الذي يتخذه البعض كوجبة للسحور؛ الأمر الذي أدى إلى انتشار عدد من "الشوايين" الموسميين بين الأحياء بالعاصمة.

وأكد مهدي، أحد مسيّري المطاعم بحي رويسو، أن خدمة المطعم عنده لا تتغير أبدا خلال شهر رمضان، بل تتغير، فقط، مواعيد افتتاحه، والتي تنطلق في الفترة المسائية وتتواصل إلى غاية موعد السحور؛ إذ يرغب الكثيرون في اقتناء سندويتش الشواء للاستمتاع به كوجبة سحور، موضحا أن ذلك أصبح تقليد الكثيرين، لا سيما الشباب خلال شهر رمضان.

مواقع التواصل الاجتماعي تروّج لخدمات المطاعم

أثار فضولَنا العددُ الهائل لحملات الترويج لتلك المطاعم التي يقودها مصورون أو مؤثرون اجتماعيون، لترقية خدمات تلك المحلات المنتشرة في عدد كبير من بلديات العاصمة، حتى ببعض الأحياء الشعبية منها؛ حيث تم تصوير فيديوهات ترويجية، توضح المكان وديكوره كنوع من الإغراء. يرتكز، حينها، أصحاب تلك المطاعم على ديكور المحل "الرمضاني" ؛ الطلة أو الخدمة، ونوعية الأكل. كما يتم توضيح أسعار الخدمة، وخاصة محتوى قائمة الطعام، وما هو مبرمج لتلك الأمسية. كما إن البعض يُرفق الإفطار بسهرة رمضانية، تكون من تنشيط فرقة موسيقية، تثير، أحيانا، فضول العائلات الباحثة عن كسر الروتين. 

وتعرف صفحات تلك المطاعم متتبعين كثرا؛ إذ تجد الكثير منهم يبحثون عن برامج اليوم؛ من قائمة الطعام، وما سيليها من برنامج بعد الإفطار، باحثين، حسب تعاليقهم على تلك المنشورات، عن كسر روتين الأيام، والسهر خارج البيت، وتخفيف، ولو ليوم واحد، عبء التفكير في ما سيتم تحضيره في البيت.

أسعار ليست دائما في متناول الجميع..

علّق البعض ممن حدثتهم "المساء" حول ذلك التقليد الجديد للإفطار خارج البيت، بأن أسعار تلك الخدمات ليست دائما في متناول الجميع، خصوصا أنها مطاعم توفر خدمة كاملة؛ أي يتم تحديد سعر مسبق لقائمة معَدة مسبقا. كما يتم توضيح ما سوف يتم تقديمه على عكس باقي أيام السنة؛ إذ يقدم المطعم الوجبة حسب طلب الزبون لا أقل ولا أكثر.

أما خلال الشهر الفضيل فيتم اقتراح "القائمة الكاملة"، هذا ما أشار إليه عمر قائلا: "إن غالبية تلك المطاعم تقترح قائمة تنطلق من 2500 دينار للشخص الواحد، تصل إلى 5500 أحيانا وأكثر، لصحن تمر، وحليب، وحبتي بوراك، وصحن شوربة، وطبق رئيس وتحلية.

وكل إضافة أخرى يتم الدفع مقابلها؛ كالعصائر، أو الفواكه، والتي تكون خارج ذلك السعر، موضحا أن العائلة المتوسطة لا يمكنها تحمّل تلك التكلفة؛ فلعائلة تتكون من أربعة أفراد فقط، يكلفها ما قد يزيد عن 10 آلاف دينار، وهذا ثمن كبير أمام القدرة الشرائية للعائلة المتوسطة؛ ما يحول، دائما، تفكير رب العائلة أنه بنفس التكلفة يمكن تحضير فطور ملكي بالبيت، يكفي عائلة كاملة. وأشار إلى أن هذا ما يجعل الكثير من العائلات تتردد في الذهاب إلى المطاعم للإفطار غير العائلات ميسورة الحال، والتي لديها أريحية مالية، تسمح لها بمشاركة وجبة إفطار في أحد تلك المطاعم مع أفراد عائلتها.