ظاهرة أدرك البعض أثرها السلبي خلال أزمة "كورونا"

الإسراف سلوك شوه مقاصد الشهر الفضيل

الإسراف سلوك شوه مقاصد الشهر الفضيل
  • القراءات: 947
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

يبدو أن الفزع من احتمالات وقوع انقطاعات وندرة في السوق، على غرار ما كان خلال تداعيات انتشار وباء "كورونا"، وظاهرة الإقبال الكبير على الشراء والتخزين التي مارستها العديد من العائلات، تحسبا لوقوع "كارثة"، أعادت إلى بعض الأسر رشدهم ووجهتهم نحو ترشيد الاستهلاك وتجنب التبذير واقتصاد المواد الغذائية وتسييرها باعتدال، تماشيا وأوضاع السوق التي عرفت تذبذبا في المرحلة الأولى من انتشار الفيروس، خوفا من الوقوع ضحية أزمة أخرى، وهي أزمة غذائية قد لا تقل تعقيدا عن الأزمة الصحية، هذا ما التمسته "المساء"، خلال جولتها الاستطلاعية، لتسليط الضوء على "ظاهرة التبذير" خلال الشهر الكريم، الذي كانت وقد لا تزال الوجه الثاني لشهر الرحمة لدى بعض المواطنين.

لقد خلقت الندرة "الاستثنائية" التي تسبب فيها المواطن والتمس مخلفاتها البعض الآخر، بسبب الشراء المبالغ للمواد الأساسية والتخزين الكبير للمواد الغذائية، أزمات من جهة، في حين ثبتت بعض المبادئ من جهة أخرى، حيث شاركت في ترشيد استهلاك الكثيرين، حيث عرف هؤلاء قيمة تلك المواد التي قد لا تتوفر في السوق، بسبب الندرة أو احتكار أو مضاربة في السعر. خلال جولتنا، التمسنا تلك المخاوف من الندرة أو انقطاع بعض المواد الأساسية، حيث أجمع العديد ممن حدثناهم، على أن المواطن اليوم، ولعل ذلك مسجل أيضا عبر العالم، أصبح يراجع حساباته، ويضع فيها توقعات لم يكن يعرفها من قبل، على غرار إجراءات وقائية تدفع إلى ضرورة الحجر الصحي، وعدم الخروج الا للضرورة القصوى، إلى تكييف سلوكياته الاستهلاكية والشرائية وجعلها أكثر عقلانية من ذي قبل، حيث قلت مظاهر الإسراف والتبذير في العديد من المواد واسعة الاستهلاك، كالحليب، الخبز والخضر.

من جهة أخرى، أبدى البعض الآخر، لاسيما أصحاب المحلات وتجار الخضر والفواكه، أن بعض تلك التخوفات لدى المواطنين خلقت أزمة في حد ذاتها، مما جعل بعض التجار الذين ليس لديهم أي ضمير مهني، يستغلونها لخلق أزمة أخرى لا تقل حدة، وهي تخزين المواد للمضاربة في أسعارها، مما جعل البعض يركضون نحو تخزين المواد واقتنائها "بالقناطير"، خصوصا قبل الشهر الفضيل، ليصبح مصيرها الرمي في الحاويات بعد تعفنها أو فسادها.

حول هذا الموضوع، حدثنا كمال يويو، رئيس فرع العاصمة لدى المنظمة الجزائرية لحماية وإرشاد المستهلك ومحيطه، قائلا: "إن حقيقة الأزمة الصحية لـ"كورونا" قسمت المجتمع بين فوجين، فوج استوعب الأمر، وآخر لم يستوعبه بعد، فالفوج الأول تبنى العديد من السلوكيات الحميدة خلال الأزمة الصحية التي ضربت العالم، واستوعب أن الأزمة الغذائية يخلقها المستهلك بنفسه، عند ركضه وراء انتهاج سلوكيات (اللهفة) على المواد الاستهلاكية، وأدرك أن الأزمة دائما ما تكون ظرفية ويساهم فيها المستهلك والتاجر على السواء، وهذا ما جعل هؤلاء يرشدون استهلاكهم نحو الاستهلاك العقلاني للمواد، وعدم اقتناء مشتريات إلا التي هم بحاجة إليها، على أن يكون التبضع مرة في الأسبوع، ويوميا بالنسبة للمواد سريعة التلف، مشيرا إلى أن أزمة البطالة كذلك التي تسببت فيها "كورونا" هي بسبب فقدان عمل بعض أرباب العائلات، في ظل توقف بعض المؤسسات ظرفيا أو كليا، وجعل الكثير من العائلات تراجع ميزانيتها خلال الشهر الفضيل، الذي كان ولا يزال يعرف سلوكيات إسراف وتبذير عظيمة تتحمل أعباءها العائلة والدولة على السواء.

أضاف المتحدث أن تلك الاسواق الموسمية المنتشرة عبر حوالي 300 نقطة بيع، ستساعد العائلات على التحكم في مشترياتها، وإدراك أنه لن تكون هناك ندرة، مما يجعلها تقتني المواد الاستهلاكية بكل أريحية. على صعيد ثان، أضاف يويو، أن الفوج الثاني لا يزال يعاني الخوف من الانقطاع، ويدفعه إلى ممارسة سلوكيات تدخل في باب التبذير، بسبب الشراء المبالغ للمواد الاستهلاكية، وبالرغم من أن الكثيرين عادوا إلى سلوكهم الشرائي الطبيعي، إلا أنهم لا يزالون يمارسون سلوكيات تهدد السوق بالندرة، بسبب اقتنائهم مواد وتخزينها في البيت "ترقبا" لأزمة أخرى أو انقطاع في حقيقة الأمر هم سببه، كما أنها ستخلق بعد الأسبوع الأول من الشهر الكريم، يضيف يويو، مظاهر التبذير، حيث أن الاقتناء غير العقلاني للمواد يدل على توقع حدوث ذلك ولا مفر منه.

في الأخير، دعا المسؤول على فرع العاصمة لدى المنظمة، إلى أهمية الامتثال إلى قيمنا الإسلامية قبل كل شيء، والتي تدعو إلى عدم الأسراف والتبذير، خصوصا أن الشهر الكريم هو شهر الرحمة وفعل الخير وليس العكس، فبعض التصرفات قد تدخلنا في المكروهات، لاسيما أن بعض العائلات تعاني خلال هذا الشهر الكريم، عجزا ماليا لا يسمح لها حتى باقتناء الأساسيات، في وقت تُرمى أطنان من الأغذية يوميا بسبب عدم  اكتفاء الناس بالضروريات، وعدم استقرار النمط الغذائي على الوجبات المحبذة، وكثرة الإسراف والبذخ، لعدم تطابق السلوك الشرائي والسلوك الاستهلاكي، لاسيما أن شهر رمضان يعرف ظاهرة "الوحم الغذائي" تلتمس أعراضه لدى النساء والرجال على السواء، وكل يقتني منتجات قد لا يستهلكها خلال الإفطار.