بعدما أصبح ارتفاع المعدل مقياس للنجاح
الأولياء يفسدون فرحة الأبناء بالمفاخرة

- 982

تعيش العائلات الجزائرية في السنوات الأخيرة، جملة من المتغيرات التي مست حتى الاحتفال بنجاح الأبناء، في مختلف الأطوار التعليمية، إذ لم يعد يقتصر على مجرد الرضا بالانتقال من مرحلة إلى أخرى، إنما أصبح الرهان كبيرا على المعدل في حد ذاته، الذي يشترط أن يكون مرتفعا من باب "المباهاة والمفاخرة، أو كما يقال باللهجة العامية "الزوخ"، حسبما أكده المختص في علم الاجتماع، الأستاذ مراد سالي، الأمر الذي ألبس النجاح عباءة المظهرية وأفقده محتواه المعرفي.
وقفت "المساء"، عقب الاحتفالات الأخيرة بنجاح الأبناء في شهادتي التعليم الابتدائي، أو ما يعرف بـ«السانكيام" و شهادة التعليم المتوسط "البيام"، على بعض الحالات التي تدفع إلى طرح التساؤل، حيث رفضت بعض العائلات أن تفرح بما حققه أبناؤها، رغم أنهم حازوا على نتائج جيدة، وفي المقابل واجه بعض الأبناء نتائجهم بالبكاء والعويل، فقط لأن المعدلات كانت أقل مما كانوا ينتظرون، فمثلا واحدة من القصص الغريبة، أن التلميذ "نادية. ط« ببلدية العفرون، حازت على معدل 16 في شهادة التعليم المتوسط، مع هذا لم ترض بها، وأقامت الدنيا بالبكاء، ورفضت حتى تلقي التهاني، كونها ـ حسب والدتها ـ كانت تتطلع لبلوغ نتيجة 18، كما رفضت أن تستدعى لتكريمها مع الناجحين الأوائل، رغبة منها في أن تكون أول من تحقق هذا الإنجاز في العائلة، وتكون مصدر فخر للعائلة، ورغم أن والدتها فرحت بنتيجة ابنتها، غير أنها هي الأخرى قالت في حديثها لـ«المساء": "إن والدها أنفق عليها الكثير من المال بالدروس الخصوصية، لذا كان ينتظر أن تكون نتائجها مشرفة".
وغيرها الكثيرات من اللواتي كانت نتائجهن جيدة، غير أنها لم تسعدهن، كونها لم تحقق الانفراد والتميز، أو لأن أحد الأقارب في العائلة كانت نتائجهم أحسن ولو بفارق في الفاصلة، الأمر الذي يقود إلى البحث عن حقيقة هذا التحول الذي أفقد النجاح قيمته المعنوية، بعدما أصبح الرهان على مدى ارتفاع المعدل المحصل عليه.
يقول المختص في علم الاجتماع، الأستاذ مراد سالي، بأن معايير النجاح في وجهة نظر التلميذ وعائلته، لم يعد مرتبطا بالانتقال من مستوى إلى أخرى، إنما أصبح النجاح تحكمه معايير جديدة، أهمها المعدل المحقق في حد ذاته، والذي يشترط أن يكون مرتفعا ليكون مصدرا للمباهاة والمفاخرة بين أفراد العائلة والجيران، والذي على أساسه يتم دعوة التلميذ للتكريمات ونشر صوره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة لا تمس فقط المتمدرسين بالأطوار الابتدائية والمتوسط والثانوي، إنما امتدت حتى للجامعات، فالطلبة المتخرجين الذي يناقشون مذكرات تخرجهم لا يهتمون بقيمة النجاح في حد ذاته بقدر الاهتمام بالنقطة التي تقدم لهم، الأمر الذي أفقد المنظومة التعليمية قيمتها، فلم يعد الاهتمام بالتلميذ أو الطالب في حد ذاته من حيث أخلاقه، وما لديه من رصيد معرفي، وأكثر من هذا الاهتمام الكبير بالنقطة، دفع حتى المؤطوين بالجامعات إلى التضامن مع الطلبة والمشاركة في تفشي هذه الظاهرة، من خلال المبالغة في منح بعض النقاط العالية على مذكرات التخرج فقط، ليعيش المتخرج تلك الفرحة العارمة، والقول إنه حاز على نقطة 17 أو 18 وكان أفضل من فلان.
من جهة أخرى، يرى المختص الاجتماعي، بأن المجهودات التي يبذلها بعض الأولياء، خاصة مع التلاميذ المتفوقين خلال المشوار الدراسي، ولو أن هذا الإشكال لا يطرح عند التلميذ المتوسط، هي الأخرى واحدة من العوامل التي غذت هذه الظاهرة، حيث يرغبون في حصد نتائج عالية لتكون بمثابة تعويض عما تم إنفاقه على الدروس الخصوصية، طيلة الموسم الدراسي، لذا تحولت المعدلات المرتفعة إلى مطلب ملح يقاس على أساسه حجم الفرحة، والسبب الأول للاحتفال بالنجاح وإقامة الولائم، مشيرا إلى أن البحث على تحصيل أعلى المعدلات أضعف الجانب المعرفي، ولم يعد يعكس حقيقية مستوى التلميذ أو الطالب.
ويختم المختص الاجتماعي بالقول: "إن هذا التحول الحاصل في المجتمع، تتحمل مسؤوليته الأسرة بالدرجة الأولى، التي أصبح همها الوحيد، بلوغ أعلى المعدلات، بغض النظر عما توفر لها من رصيد معرفي، وكذا المنظومة التعليمية، وحتى الأسرة الجامعية التي سارت هي الأخرى وفق هذا التيار، و أسهمت في إفقاد النجاح قيمته المعنوية".