الدكتورة ثريا التيجاني باحثة في علم الاجتماع لـ "المساء":

الأم أساس التماسك الأسري

الأم أساس التماسك الأسري
  • القراءات: 2557
حاورتها: حنان س حاورتها: حنان س
تكشف الدكتورة ثريا التيجاني، أستاذة محاضرة وباحثة في العلوم الاجتماعية بجامعة الجزائر»2» في هذا الحوار، عن أنه ينبغي العمل على تنمية الوعي بقيمة الحياة الأسرية المستقرة والآمنة في مجتمعنا، مع الحرص على التماسك الأسري المبني على الحوار والاحترام تجاه المرأة عموما والأم على وجه التحديد.

يقال بأن الأم مدرسة إن أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق، ولعل هذا هو أساس تنظيم الندوة العربية حول دور النساء والأمهات في التماسك الأسري، فما تعليقكم؟
- الدكتورة التيجاني: هذا القول نشأنا عليه واليوم أصبحنا نفهمه أكثر وبصفة أعمق، وهو صحيح 100 بالمائة، فالنساء والأمهات لهن دور أساسي في التماسك الأسري، لأن الأم هي التي تجمع الأسرة، والرجل بحكم وظيفته ودوره الخارجي قلما يفعل ذلك ويجمع الأسرة. كما أن للمرأة وظيفة تربوية والتربية السليمة تؤدي حقيقة إلى تماسك أسري، لذلك نقول بأن التماسك الأسري عموما مبني على الأم، بالتالي يؤدي إلى التماسك الاجتماعي، وكلنا نعرف أن الخلية الأولى في المجتمع هي الأسرة وكلما تماسكت تماسك معها المجتمع.

لكن قد توافقونني الرأي إن قلت بأن الأسرة اليوم ابتعدت نوعا ما عن وظيفتها في النأي بأبنائها عن الآفات الاجتماعية والدليل استفحالها..
- استفحلت بالنظر إلى عدة عوامل لا نفصل فيها اليوم، لكنني أؤكد أنه حتى الآفات الاجتماعية يمكن للأم أن تحد منها على الأقل بالتقرب من أطفالها ومحاولة فهمهم، لأن طبيعتها كأنثى تجعلها تتعامل بشكل أقل حدة بكثير من تعامل الرجل. وهنا الجميع يعلم أن الوقاية خير من العلاج.

ماذا عن المرأة العاملة إن كانت عليها ضغوطات مضاعفة، فهل تتمكن من لعب دورها في التماسك الأسري؟
- نعم تستطيع إن كانت قد خضعت لتربية سليمة تجعلها تتحمل مشقة التربية على أسس صحيحة، كما أنني أستطيع القول بأن المرأة العاملة تتحكم في الوضع أكثر من المرأة الماكثة في البيت، كيف ذلك؟ لأن المرأة العاملة تنظم وقتها، فهناك وقت للبيت وآخرللعمل ووقت لشراء الحاجيات وغيرها، إذن ليس لها وقت لتبقى دون عمل وتنظيم، والمرأة القادرة على تربية أجيال هي تلك القادرة على تنظيم أمورها. أما عن الماكثة في البيت فلا أعمم، إنما أشير إلى أن المشكلة قد تكمن في أن الأخيرة لديها وقت كثير، وإن كانت غير مُنظمة فلا تستطيع التحكم فيه، بالتالي لا يمكنها لعب دورها المحوري وحبذا لو تتفطن لهذا الأمر.

نتحدث عن ندوة اليوم، كيف لها ولدراسات أخرى أن تدعم دور الأم في الأسرة وفي المجتمع؟
- مثل هذه الندوات والسياسات بصفة عامة، يمكن لها أن تدعم دور المرأة أولا في العمل على التماسك الأسري، حيث أن هذه الندوات العلمية صحيح أنها أكاديمية لكن لها دور تطبيقي كذلك يظهر لدى سياسات الدول من خلال العمل على تطبيقها ضمن  سياسات الحكومة. فمثلا نتحدث هنا عن التجربة الجزائرية التي أصبحت رائدة في العالم العربي يشاد بها، وهي التمثيل البرلماني للمرأة الذي وصل إلى 30 بالمائة، ونقول بأن هذا الأمر مهم ويشجع على العمل النسوي في الحقل السياسي، لكنني هنا تحديدا أدعو الجهات المعنية إلى فتح مجالات أوسع للمرأة لتتكون سياسيا، لأن «الحشو السياسي» يدعو إلى الرداءة كونه جاء لملء الفراغ، ونحن نقول ونؤكد على أن النساء في مجتمعنا يفتقدن للتكوين السياسي الصحيح، بالتالي لابد أولا من توعية المرأة وتنشئتها سياسيا، ثم الحديث عن عملها السياسي الجاد والمثمر.

هل هذه دعوة لحملة توعية في المجال؟
- نعم هي دعوة لتوعية النساء أكثر حول دور المرأة في السياسة، يمكننا القول بأن دورها الاجتماعي ظاهر وواضح لكن دورها السياسي أراه غير واضح، وشخصيا أعتقد أننا نحتاج إلى نساء مكونات سياسيا، والسياسة في الأصل استراتيجية عمل، إذن عندما نرى أن نسبة المرأة 30 بالمائة وإذا لم نجد النساء المكونات، سنلجأ إلى سياسة ملء الفراغ.

بعيدا عن السياسة وبالعودة إلى التماسك الأسري، نسمع كثيرا أقاويل على نحو أن الأسرة في الماضي كان وضعها أحسن، فما الذي تحتاجه الأسرة الجزائرية حتى يكون حالها أفضل؟
- تعتبر الأسرة نواة المجتمع ومؤسسة تربوية تستند إليها مهمة رعاية وضبط سلوكيات الأفراد، هذه الأسرة تعرضت للتغير في تركيبها ووظائفها فتقلصت وظائفها، كما تأثرت بالعولمة وما تحمله من مفاهيم وأفكار قد تتعارض مع القيم الأسرية، وبذلك ضعف تأثيرها كثيرا سواء على المعايير الثقافية العامة للسلوك الأسري، أو حتى تفاعل الأفراد مع بعضهم البعض، وهو ما ولد الخلافات الأسرية نتيجة للاختلافات في القيم والاتجاهات وضعف الشعور بالأمن الأسري، خصوصا بين الفئات الأقل قدرة وتمكينا كالزوجات والأولاد، كما تضاءلت فرص الحصول على الدعم العاطفي من الأقارب بسبب الاستقلال في السكن عنهم، حيث انشغل الكثير من الآباء والأمهات عن مهام التربية والرعاية للأولاد، ولم تعد الأسرة تلبي بصفة كافية الحاجة الملحة بين أعضائها للدعم العاطفي كما كانت من قبل.

هل هذه العوامل وراء تفشي السلوكيات المتهورة للأجيال؟
- صحيح، هذه العوامل تفسر الكثير من مظاهر الانحراف التي انتشرت بين بعض الأولاد والبنات حتى لا نُعمّم، كما غذّت محاولات جذب الاهتمام بسلوكيات مخالفة للأعراف المجتمعية المتوارثة وأكسبتهم سلوكيات أخرى تكون متهورة أحيانا، لكن حتى تعود الحياة الأسرية للاستقرار والفاعلية، لا بد من الاحتكام إلى التوجيهات الدينية في الإسلام بصفة شاملة، أي تنمية الوازع الديني لدى الأجيال والشباب بوجه خاص، كما ينبغي تنمية الوعي بقيمة الحياة الأسرية المستقرة والآمنة والعودة إلى قيم الأسرة، والحرص على التماسك الأسري المبني على الثقة والحوار والاحترام، ويساعد في ذلك الاختيار الواعي للعلاقات والأصدقاء بما يساهم في دعم استقرار الأسرة ويساعدها على أداء وظائفها بفعالية ويستبعد عوامل انحلالها وتصدعها.