اهتم رشيد سي بومدين، مختص في علم الاجتماع الحضري، بالبحث في كل ما يخص الطبخ التقليدي الجزائري، لإيمانه بأن هذا الأخير له باع في صناعة الهوية، لاسيما أنه يمتد لأكثر من 2000 سنة. يقول الباحث الاجتماعي رشيد الذي أشرف مؤخرا على تنشيط محاضرة حول الطبخ التقليدي في المركز الثقافي "بيشا" بالعاصمة"، بأن بحثه في الطبخ التقليدي قاده إلى الاقتناع بأن المقصود بالطبخ ليس الأكل في حد ذاته، وإنما الاعتماد على الأطباق التقليدية في العلاقات الاجتماعية، فلكل مناسبة نوعية معينة من الأطباق وتسلسلها محدد يجري احترامه في كل الأسر، ويعد قاسما مشتركا لدى كل العائلات وله دلالة اجتماعية ترتبط بالهوية، فمثلا، عند تقديم الأطباق نبدأ دائما بالسلطة، بمعنى أن قائمة الطعام تفتح بكل ما هو مخلل، يليه الحساء والطبق المعروف في الجزائر ككل، وهو طبق "الشوربة، دون الحديث طبعا عن طريقة التحضير التي تختلف من مكان لآخر، ومنه يأتي دور أطباق اللحم، ليختم بطبق حلو. 

هذا التسلسل المحدد ليس عبثيا وإنما مقصود، لأن لكل غذاء دوره في الحفاظ على الصحة، فالغرض من البدء بالمخلات هو تجهيز المعدة لاستقبال الطعام وفتح الشهية، وثبت أيضا في الطبخ التقليدي أن الاعتماد على اللحم المفروم في الأطباق يسهل عملية الهضم. ويضيف الباحث رشيد قائلا: "خلصت من خلال بحثي، إلى أن الأطباق هي نفسها عند كل العائلات، غير أنها تختلف من حيث طريقة التحضير، وهو ما يساعد على تحديد هوية معد الطبق، لذا نقول بأن الأكل يصنع الهوية. فالعلاقات بين المضيف والمستضيف بمنظور اجتماعي يصنعها الطبق المقدم، بمعنى أن المضيف يقدم له من خلال الطبق بطاقة هويته، حيث يجتهد في تحضير أهم طبق تقليدي عنده، مثل الكسكسي الذي يعد أساسه واحد عبر الوطن، غير أن طريقة تحضيره وتقديمه تختلف، وهو ما يصنع التنوع ويشكل الهوية المحلية التي تعتبر جزءا من الهوية القومية.

الطبخ الجزائري مقيد بكيفية تحضيره، وصولا إلى طريقة تقديمه، وكل منطقة لها خصوصيتها، فـ"التريدة" المطبوخة في العاصمة تختلف عن تلك المحضرة في قسنطينة، وتختلف عن المعدة في سطيف من حيث الذوق،  وحتى العجينة التي تصنع منها "التريدة"، لذا فإن الطبخ الجزائري متميز،  ثري ومتنوع. وبالرجوع إلى التاريخ، نجد بأن الثقافة الجزائرية مشكلة من ثقافات كثيرة ولعل الطبخ التقليدي المتنوع جزء منها.