منطقة القبائل

استقبال فصل الربيع بإحياء عادات وتقاليد

استقبال فصل الربيع بإحياء عادات وتقاليد
  • القراءات: 3539
س. زميحي س. زميحي

تعيش قرى منطقة القبائل منذ أيام، حركة وديناميكية ثقافية واجتماعية تحسبا لدخول فصل الربيع، حيث تقوم العائلات مع حلول هذا الموسم، بسلسلة احتفالات تحيي من خلالها عادات وتقاليد للترحيب بهذا الفصل، على اعتبار أنّ حياة السكان مرتبطة بموسم الفلاحة والزرع والحصد، ما كان وراء تمسّكهم بالاحتفال بالانتقال من فصل إلى آخر؛ لعلمهم بأهمية ذلك في جنيهم محاصيل وفيرة، إضافة إلى تقوية الروابط بين الأسر في مشاركتها نفس الأجواء والتحضيرات.

عمّت الاحتفالات أرجاء منطقة القبائل تحسّبا لقدوم فصل الربيع "اماقار نتفسوث"، فعندما يهمّ فصل الشتاء بالرحيل تستعد النساء والرجال لاستقبال الربيع، لتنتقل من موسم البرد والظلام إلى موسم ازدهار الطبيعة وبداية سلّم درجة الحرارة في الارتفاع لتنبثق الأرض بالخيرات، حيث يكون هذا الانتقال من فصل لآخر مميزا بالنسبة لسكان القرى؛ لكون حياتهم مرتبطة بخدمة الأرض، ليتم خلاله استحضار العادات ضمن احتفال ظل لسنوات تقليدا راسخا رفض الاندثار.

ورغم اختلاف الاحتفالات بقدوم الربيع من قرية لأخرى تتميّز بعادات مختلفة، إلاّ أنها تشترك في نقطة واحدة، تهدف إلى الحفاظ على التراث والعادات الموروثة؛ على اعتبارها أحد مكونات الثقافة وشخصية القرويين، كما أنّ الاحتفالات التي تسودها أجواء البهجة تعمل على زرع الحب والأخوة في نفوس السكان وتقوية العلاقات وفك النزاعات وطي الخلافات، والتي تُعتبر أحد الأسس التي يقف عليها المجتمع بالقرى الذي يبني قوّته ونظامه على التفاهم والتعاون والتآزر.

وذكر أحد مواطني منطقة بوزقان أن سكان المناطق الجبلية لايزالون يعيشون على الطريقة التقليدية في كسب قوت عيشهم، حيث يعتمدون على الحيوان في الحرث ونقل الأكل والأغصان والماء وغيرها، ويواصلون خدمة الأرض نظرا لتعلقهم بها وارتباط حياتهم بها؛ فهي تُعتبر مصدر رزقهم وملكهم الذي عاش عليه أجدادهم، وفتحوا بدورهم أعينهم على الدنيا، ما كان وراء المكانة التي تحظى بها الأرض عند السكان، الذين يعتبرون أن الاستمرار في خدمة الأرض هو استمرار بالوفاء للأجداد والالتزام بالعهد للعادات والتقاليد.

تقول "نا ونيسة" من آث عيسي ببلدية اعكوران، إن الاحتفال بقدوم الربيع له نكهة خاصة، حيث يتم التحضير لهذا الموعد الذي يرتبط بخدمة الأرض، أياما قبل حلوله، مضيفة أن القرويين يمارسون حرفة تربية المواشي بقوة، كما يمارسون نشاط تربية الدواجن والأرانب وغيرها، إذ استمروا في نمط عيش القدماء رغم التطوّر الذي طرأ على الحياة، لكنهم فضّلوا الحياة البسيطة التي يعتمدون فيها على ممارسة نشاط الزراعة ورعي الأغنام وغيرهما.

وقالت المتحدثة إن الاحتفال بدخول الربيع بآث عيسي يكون وفقا للرزنامة الأمازيغية "أحقان" الذي يتزامن مع الفترة الممتدة ما بين 16 و18 أفريل، حيث تكون آخر أيام البرد والأمطار، ليبدأ فصل الحرارة والاخضرار، موضحة أن الرجال والشباب يقومون برعي المواشي والأغنام وصغارها في الصباح الباكر؛ أي قبل طلوع الشمس، فحسبما تقتضي العادة يجب أن يكون الحيوان في الحقول عند طلوع الشمس، ويأخذ الرعاة معهم الأكل، المتمثل في أغروم "الكسرة" والتين الجاف واللبن، بينما تتكفل الفتيات الصغيرات بجمع الأزهار من الحقول التي يتم وضعها سقف عتبة البيت لتمجيد الربيع، وتقوم ربة البيت بإعداد ما لذّ وطاب من المأكولات التقليدية وسط أجواء من الفرح والسعادة والتي تطلق فيها العجائز العنان لحناجرهن بالغناء، حيث تتواصل الاحتفالات بتحضير الأسر طبق القمح والفول المطحونين، ليتم صبيحة يوم الاحتفال بـ "أزنزي" أو "ثيريري أوزال"؛ أي استقبال الربيع، تناوله مع حليب البقر، كما يتم تحضير مختلف الحلويات التقليدية وغيرها من المأكولات؛ "إيوزان"، "كسكس الشعير بالمرق"، "أشباظ"، "بركوكس"، "تيغرفين" وغيرها. وأشارت "نا علجية" من جهتها، إلى أنّ الاحتفالات لا تتوقف على تحضير المأكولات التقليدية فحسب، لكن هناك عادات أخرى، منها إضرام النار، ويتم أخذ القليل من بقايا الحطب مع ما يسمى "تقرسا" لتوضع أمام مدخل الإسطبل إلى أن ينطفئ الجمر لوحده. وتشير هذه العادة إلى قوة الحيوان وحمايته من الأمراض، حيث تضاف إلى هذه العادات تقاليد قديمة؛ حيث تقوم النساء بتزيين وتجهيز طفلة صغيرة كأنّها عروس ترتدي أجمل لباس تقليدي "أكرزي" المتكوّن من جبة قبائلية وأكسسواراتها ووضع الفضة، وفي المقابل يتم تجهيز شاب مثل العروس، لتبدأ الاحتفالات بالأغاني وإخراج العروس من بيت أهلها واقتيادها إلى حقل على وقع الزغاريد، ويتم إعطاؤها وعاء من الفخار به ماء، يشرب الزوج من يديها وتشرب هي الأخرى من يد زوجها، ليتم بعدها وسط جوّ ربيعي واخضرار الطبيعة الكشف عن وجه العروس وأداء أغاني ممجدة للربيع، منها "تفسوت تفسوت أنجوجوغ أم تفسوت آنتنارني امتاغوث" بمعنى "الربيع الربيع، نزهر مثل الربيع ونكبر مثل السحاب"، لتقوم الفتيات بجمع الأزهار وحسب المعتقدات؛ فذلك يُعد فأل تطليق العزوبية.

وتعيش قرى بلديات الولاية هذه الأجواء من خلال وضعها برامج لإحياء دخول فصل الربيع، حيث يتم تنظيم نشاطات ثقافية وفنية وترفيهية ومسابقات الرسم والتعبير، وتقديم مسرحيات وغيرها للحديث عن الربيع والبيئة والمحيط وأهمية الحفاظ عليه، ومعارض لإبراز المنتجات الفلاحية المتنوعة وغيرها.