الحرفية في الحياكة التقليدية نادية أوجعودان:
اختيار بعض النقوش والألوان طريقة للتواصل مع المجتمع

- 796

يقال إن الحرفة اليدوية عبارة عن وسيلة مثلى للتغلب على الضغوطات النفسية، والهروب من متاعب الحياة اليومية بشكل عام، ويقال كذلك إن اختيار نقوش معينة أو ألوان دون أخرى، له دلالات تعبر عما يختلج في ذهن الحرفي نفسه، أي أنها طريقة مثلى للتواصل.. بفضل رموزٍ تبحث عن فك شفرتها، وهذا بالضبط ما وقفت عليه "المساء"، خلال دردشة جمعتها بالحرفية في الحياكة التقليدية؛ نادية اوجعودان.
في الوقت الذي عرضت بأجنحة الحرفيين، خلال معرض للصناعة التقليدية بمدينة بومرداس، مؤخرا.. عصارة جهد في مختلف الصناعات اليدوية، فضلت الحرفية نادية أوجعودان من عين الحمام بولاية تيزي وزو، الجلوس وراء المنسج، وانهمكت تداعب خيوط الصوف لنسج سجاد بسرعة فائقة، تعكس خبرة سنوات طويلة قضتها في استعمال نفس الحركات مرارا وتكرارا.. وكانت النتيجة أن نسجت مئات القطع ذات الأحجام المختلفة من زراب وسجادات وغطاءات وملاءات وبرانيس، وغيرها الكثير على مدار 48 سنة قضتها في مغازلة المنسج ومداعبة خيوط الصوف. قالت الحرفية، إنها وراء آلة المنسج منذ أن كانت في 12 من عمرها، وهي اليوم تبلغ الستين، وتؤكد أنها لا تبتعد عن المنسج سوى سويعات معدودة في اليوم لأشغال أخرى مرتبطة بأسرتها، لتعود إلى مكانها وراء المنسج وإلى الحياكة ومداعبة خيوط الصوف.
تقول كذلك بأنها تعلمت هذه الحرفة على والدتها، وأن الحرفة ذاتها هي من اختارتها وليس العكس، فوقتها ـ تقول- لم يكن أمامها خيار آخر سوى تعلم حرفة والدتها، كون الفرصة لم تسمح لها بدخول المدرسة. أشارت محدثتنا كذلك، إلى أن نفس الحرفة سمحت لها بإعالة أسرتها أمام قساوة الحياة، قالت ذلك بفخر كبير، كونها لم تمد يديها للغير، بل تمكنت من تسويق ما صنعته أناملها وواجهت ظروف العيش بصدر رحب. وذكرت أيضا بأن المنسج أضحى مع مرور الأيام والزمن، رفيقا ومستمعا حقيقيا لما يجول بالنفس والخاطر من مآس وهموم، وهنا مربط الفرس... حيث لاحظنا كل تلك النقوش المختلفة التي تشابكت فيما بينها، مع اختيار خاص للألوان. سألنا الحرفية عن الحكمة من ذلك، فهزت رأسها وقالت "معاني"، أي أن لكل لون معنى ووراء كل شكل مغزى.. كيف ذلك؟ تقول الحرفية: "إن استعمال أشكال دون أخرى، هو في الواقع رسالة تواصل مع المجتمع، فاختيار حياكة شكل مثلث بلونين ولون ثالث مختلف، يعني أن التي حاكت الزربية بهذا النقش، فتاة عزباء ما تزال في بيت والديها.
كما أن اختيار نقوش أخرى هي في الحقيقة ـ تواصل محدثتنا- عبارة عن طريقة تواصل ما بين المرأة المتزوجة وأهلها، وبالضبط مع والدتها، فمثلا اختيار "غرزة المشبوك"، وهي تأتي بأشكال مختلفة أحيانا على شكل نصف مثلث، أو على شكل مُعين باستعمال عدة ألوان في آن واحد، أو أن تتداخل الألوان في شكل واحد على نفس الغرزة... كل ذلك عبارة عن تقرير ترفعه المرأة لوالدتها، لإخبارها بأن حياتها الزوجية متأرجحة، كما قد تخبرها بأن حياتها لم تعد تحتمل، فإما أن تطلب من أهلها التدخل لإصلاح ذات البين...أو أن يطلب عقد مجلس "ثاجمعت" من أجل الانفصال والطلاق. كما أشارت الحرفية، إلى أن اختيار الرموز والأشكال والألوان، يشير للحالة النفسية للحرفية ذاتها، حيث تؤكد أن الحياكة تساعدها بشكل كبير على التركيز على بعض المشكلات، مع محاولة إيجاد حلول لها، أو حتى تجاوزها ونسيانها بالانشغال بالمزج بين الألوان، حتى تتمكن من ترتيب أفكارها المبعثرة..