يعزّز فكرة التخلي لدى الأبناء

إنشاء مراكز للتكفل بالمسنين يثير حفيظة الجمعيات

إنشاء مراكز للتكفل بالمسنين يثير حفيظة الجمعيات
  • القراءات: 808
رشيدة بلال رشيدة بلال

لقي المرسوم التنفيذي الصادر مؤخرا في العدد 32 من الجريدة الرسمية والقاضي بالترخيص للخواص بإنشاء مؤسّسات خاصة للتكفّل بالمسنين، ترحيبا مصحوبا ببعض التحفظات عبّرت عنها الحركة الجمعوية التي تحدثت إليها "المساء" ونقلنا جانبا منها.

رغم أنّ المرسوم التنفيذي وضع جملة من الشروط الواجب العمل بها لإنشاء مثل هذه المؤسّسات، خاصة ما تعلق منها بالتأكيد على ضبط البرامج المكيّفة التي تخدم هذه الشريحة لضمان تكفّل ملائم سواء في إطار إقامة مؤقتة أو مناسباتية أو دائمة، غير أنّ تجسيده على أرض الواقع بدا لبعض أطراف المجتمع المدني صعب التحقيق، كونه يتعلّق بالجانب الإنساني، ويتطلّب أن يكون المعني بإنشاء المؤسسة مّتصفا بالإنسانية والضمير الحيّ حتى لا تتحوّل خدمة المسنين إلى عملية حسابية قد تسيء لهم أكثر ما تنفعهم، وهو ما جاء على لسان رئيسة جمعية "إحسان" لرعاية المسنين السيدة سعاد شيخي، التي أوضحت في حديثها مع "المساء" أنّ الترخيص للخواص بإنشاء مؤسّسات خاصة تعنى بمرافقة والتكفل بالمحسنين كان ضمن المطالب التي سبق للجمعية أن نادت بها منذ 2010 بالنظر إلى عدم قدرة الجمعيات على تلبية كلّ احتياجات المسنين خاصة العلاجية منها. وأضافت "غير أنّ هذا المطلب قد يخدم فئة ويسئ إلى أخرى من كبار السن الفقراء الذين يتعذّر عليهم دفع تكاليف الإقامة في مراكز خاصة ويرفضون الالتحاق بالمراكز التابعة لوزارة التضامن الوطني".

وترى رئيسة الجمعية أنّ صدور مثل هذا المرسوم وفتح المجال للخواص بغية لتكفل بالمسنين "يدعونا كجمعية إلى تجديد مطالبنا الرامية إلى رفع منحة المسن ليتسنى له على الأقل الاستفادة من الخدمات التي تقدّمها المراكز الخاصة وحتى لا يشعر في هذه المرحلة من العمر بالتمييز بينه وبين مسن آخر، وتكون له الأحقية في الاختيار بين المراكز التابعة للدولة أو تلك التابعة للخواص"، مشيرة في السياق إلى أنّ الجمعية، ورغم أنّها تتكفّل بهذه الشريحة تبعا لإمكانياتها في الجانب الترفيهي من حيث تمكينهم من خرجات سياحية وزيارات إلى بعض المنتجعات العلاجية كالحمامات، إلا أنّها تدافع في كلّ مرة عن فكرة إبقاء المسن في محيطه العائلي وعدم تشجيع الأبناء على التخلي عن أبائهم، لإبقاء هذه المراكز سواء الخاصة أو العمومية في خدمة الفئة التي لا تجد من يتكفّل بها.

أزمة في تسيير المراكز لا من قلتها

من جهته، أوضح رئيس جمعية "جزائر الخير" عيسى بلخضر أنّ المجتمع الجزائري يفترض أنّه لا يحتاج إلى وجود مثل هذه المؤسّسات كون التكفّل بالفئات الهشة يدخل في إطار التزامات الدولة ممثلة في وزارة التضامن الوطني، فضلا عن وجود مثل هذه المراكز وبالتالي لا حاجة إلى إنشاء مراكز أخرى. ويوضح "في اعتقادي، الأجدر عوض تشجيع الخواص على فتح مراكز خاصة، كان لابد من تفعيل عقود شراكة بين الجمعيات والمراكز التابعة للدولة، والتي سبق للجمعية أن طالبت به لتمكين نزلاء دور المسنين من الاستفادة من مختلف الخدمات التطوعية. وحسبه، فإنّ عدد الجمعيات الناشطة في مجال التكفّل بالفقراء والمعوزين موجودة، حيث توكل إليهم مهمة تنشيط هذه المراكز بالاعتماد على متطوّعين يقدّمون خدمات مختلفة بكلّ مسؤولية وضمير وفق برنامج يسطّر لتلبية احتياجات المسنين على اختلافها.

ويرى محدثنا، أنّ أفضل هيئة من شأنها أن تضمن تكفّلا نوعيا بالمسنين في الشق الاجتماعي هي الجمعيات، ومثل هذه المراكز الخاصة من شأنها أن تفتح المجال واسعا للتمييز بين المسن الفقير والغني، مشيرا في السياق إلى أنّ الدولة عادة ما تخصّص مرافق كبيرة للتكفّل بالمسنين غير أنّها ضعيفة من حيث التسيير، كما أنّ الخدمات التي تقدّم لهم يغلب عليها الطابع الإداري الذي يدفع بالموظف إلى القيام بواجبه لا غير كإطعام المسن وتمكينه من تناول أدويته، وليس هنالك أيّ إبداع من حيث تفعيل الحياة الاجتماعية داخل المراكز، وهو العمل الذي يعتبر من صميم اختصاص الجمعيات التي تبدع في تحريك  العلاقات التضامنية. وأضاف "بالمناسبة، نطالب من الجهات المعنية أن تفتح المجال للجمعيات في إطار عقود شراكة لتسيير العمل التضامني بدور المسنين عوض إنشاء مراكز خاصة".

إنشاء المراكز يعزّز فكرة التخلي

من جهته، أوضح الناشط الجمعوي في مجال التكفل بالمصابين بالتريزوميا محمود عمورة، أنّ التسريح للخواص بإنشاء مؤسّسات تتكفّل بالمسنين من شأنه أن يرسخ لدى الأبناء فكرة التخلي عن أوليائهم، كما يحدث اليوم في وجود المؤسّسات التابعة للدولة، الأمر الذي يطرح ـ حسبه ـ إشكالية كبيرة، وهي التأكيد على فكرة زوال القيم الاجتماعية التضامنية بين أفراد العائلة، بالإسراع لوضع المسن في مثل هذه المراكز ودفع المستحقات، في الوقت الذي يفترض فيه أن يكون المسن في أمس الحاجة لعائلته بهذه المرحلة العمرية، هذا من جهة.

من ناحية أخرى، يشير محدثنا إلى أنّه سبق وأن صدر المرسوم القاضي بالسماح للخواص بإنشاء مدارس خاصة للتكفل بالمعاقين، غير أنّ الإشكال هو أنّ المبالغ المالية المطلوبة كبيرة، حيث يقدّر مبلغ التكفّل بطفل مصاب بالتريزوميا بمدرسة خاصة 40 ألف دينار في الشهر، وهو مبلغ كبير ما يعني أنّ  مثل هذه الإجراءات تقسّم المجتمع إلى طبقة برجوازية وأخرى فقيرة".

في السياق، يشير محدثنا إلى أنّ وجود مثل هذه المراكز الخاصة قد يخدم حقيقة فئة معينة من المسنين الأثرياء، غير أنّ الأكيد أنّه سيكون هنالك تحطيم لقيمة اجتماعية، حيث يعيش المسن منفردا بعيدا عن أهله، وهي الفكرة التي تخالف عاداتنا وتقاليدنا وتقرّبنا من المجتمعات الغربية التي عادة ما تنتشر فيها مثل هذه المراكز.