تطبيقا لوصايا نبينا الكريم
إلزام الأسوياء بالإحسان للمعاقين

- 892

عبر عدد من المعاقين عن الألم النفسي الذي يعانونه بسبب النظرة الدونية التي تحمل الكثير من "الحڤرة" من بعض شرائح المجتمع، وعلى الرغم من أن البعض يتعايش معها رغما عنه، يجد آخرون في مثل هذه النظرة السلبية تحديا لإثبات الذات والوجود، وهنا يأتي واجب الأسوياء تجاه المعاقين للامتثال لقول الرسول عليه السلام والسلام :"إن أبواب الخير لكثيرة، التسبيح والتكبير والتحميد والتهليل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتميط الأذى عن الطريق، وتُسمع الأصم، وتهدي الأعمى وتدل المستدل على حاجته، وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث، وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف ، فهذا كله صدقة منك على نفسك"، هذا ما يمكن أن نسميه اليوم بالخدمة الاجتماعية التي كان ديننا سباقا إليها.
‘’المساء" استطلعت آراء بعض المعاقين حول حياتهم الاجتماعية، فكانت البداية مع جهيدة حايد التقيناها بمقر جمعية "الأمل" للمعاقين، وهي معاقة حركيا بسبب بتر ذراعها اليسرى، تقول ان صدمة بتر الذراع كانت مؤلمة وصعبة بالنسبة لها ولعائلتها، ولكنها نجحت في التعايش مع إصابتها، لكن ذلك كان بعد أن دفعت ثمنها غاليا وذلك بالتخلي عن دراستها وهي في الابتدائي، تقول :"لقد مررت بمرحلة جد صعبة فالمجتمع قاس في نظرته للمعاق، لقد كنت أرى في عيون الآخرين نوعا من الشفقة التي كانت بالنسبة لي لا تحتمل فكنت أفضل المكوث في البيت حتى لا يراني احد،وهكذا تخليت عن دراستي فكان أكبر خطأ ارتكبته..اليوم أنا نادمة على ذلك، فالمجتمع منقسم إلى فئتين فئة تساعد المعاق وفئة لا تبالي به مطلقا، ولو أكملت دراستي لكنت اليوم اعمل في وظيفة وأعيل نفسي أحسن من حسنة الناس علي".
ويبدو أن المشاكل التي يتخبط فيها المعاق لا تقتصر على المطالب التي يجددونها في كل مناسبة والمتعلقة بمنحة المعاق، التي لا تزال في حدود 4000 دينار والتي تعد غير كافية لسد حاجياتهم ومطالبهم، خصوصا وأن البعض يتلقاها متأخرة، والبعض الآخر ليس له الحق فيها إلا بعد بلوغ 18 سنة، هذا إلى جانب مشكل السكن الذي يعاني من انعدامه الأغلبية، ليكون بذلك المعاق ثقلا على العائلة المتكفلة به مدى الحياة،هذا ما قاله مصطفى طويل (30سنة) معاق حركيا منذ الولادة، مضيفا أن المجتمع بات يولي أهمية أكبر للمظاهر التي تقيس قيمة الفرد، "هذا ما يجعلنا نعاني الأمرين .. الإعاقة الجسدية والإعاقة الفكرية للآخر، للأسف الناس لا يدركون ان ميزان وقيمة الإنسان في عمله وإيمانه، وليس في شكله ومظهره وهذا من منطلق قول الله تعالى:" إن أكرمَكم عند الله اتقاكُم"، فنحن بصفتنا معاقين بحاجة إلى مساعدة الأشخاص الأسوياء، وهذا ليس تطفلا منا عليهم وإنما هذا حقنا عليهم وجزاء ذلك حسنات عند الله".
من جهتها تقول منال ،وهي كاتبة بالجمعية، أنها أصيبت بإعاقة لما كانت في سن 18 بعد حادثة سقوطها في المنزل أدت الى تضرر عمودها الفقري، الأمر الذي جعلها تصاب بشلل لمدة شهرين قررت بعدها العلاج، وصف الأطباء حالتها بالمعجزة بعدما نجحت في الوقوف والسير من جديد، فإرادتها القوية كانت وراء تحدي الإعاقة بالدرجة الأولى ثم تحدي نظرات المجتمع لها،وهنا تقول:"المجتمع يرانا كـعالة عليه فالبعض يرى فينا تأنيب الضمير إن لم يساعدنا، ويتمنى البعض انه لا يلتق بنا حتى لا يكون مجبرا على مساعدتنا، البعض قد يكون قاسيا لا يحب المعاق لدرجة انه يمر أمامه مرور الكرام كأنه لا شيء،كما أننا لا ننكر أن آخرون رحماء ويقدمون لنا المساعدة متى استطاعوا..مثل حمل المعاق حركيا، أو إيصاله إلى بيته أو مساعدته في النزول من سيارة..".
ولم تعان السيدة زكية دندان فقط من حڤرة المجتمع، لتتلقى الصدمة الكبرى من أفراد عائلتها التي ألقت بها إلى الشارع بعدما شعرت زوجة خالها أنها حمل كبير عليها،وفي حالة نفسية صعبة سردت لنا زكية وقائع ما عاشته داخل بيت أهلها قائلة:"بعد وفاة أمي ألقت بي زوجة خالي إلى الشارع ورمت جميع أغراضي وهذا من بيت أهلي..لقد التمست فيّ الضعف بسبب إعاقتي، وحاولت إيذائي حتى اترك البيت، الأمر الذي جعلني ارفع معاناتي إلى الله ثم إلى القضاء الذي أنصفني وأعادني إلى البيت، إلا أنني أعيش معاناة حقيقية معها لاسيما وان أخي لم يحرك ساكنا ويبقى شاهدا على ما أعانيه دون تدخل"،تصمت قليلا ثم تواصل لقد عشت مختلف أساليب الذل والإكراه داخل منزل أهلي، ومن هنا أقول إن ما يشكله بعض الناس من تصورات سلبية عن عجز المعاق، وما يمارسه بعض الناس من سلوكات مجحفة بحقه لا تطاق، ولا تعبر عن ديننا في شيء".
أما سليم جغال، 19 سنة،معاق حركيا فيقول انه يعاني أزمة من نوع آخر،:غياب مسكن، ذلك بعدما اضطرا والداه لترك بيتهما بالقصبة بسبب عجز والده المريض عن حمله يوميا لتلقي العلاج وإعادته الى الطابق الأعلى، حيث قال سليم: "مازلنا مُهمشين داخل مجتمعنا .. نتلقى نظرات ترمقنا بالشفقة وأخرى بالاحتقار، ضف إلى ذلك فان بعض القوانين التي لا تنصفنا وتجعلنا نعيش أزمة حقيقية نهضم مرارتها يوميا في ظل واقع أليم لابد ان نتعايش معه مرغمين".
من جهة أخرى أوضحت الكاتبة ليلى صادق معاقة حركيا أنها أصيبت بإعاقة عندما بلغت 28 سنة بعد صدمة نفسية جعلتها مشلولة غير قادرة على السير والحركة، لدرجة جعلتها تتخلى عن الحياة بسبب تخوفها من مواجهة نظرات المجتمع لها، فباتت منطوية على نفسها داخل البيت لا تحتك بأحد، قائلة: "لقد كنت اكتم حالتي النفسية وبسبب التراكمات أصبت بشلل أعاق بدني، بعدها شعرت باليأس والنقص والغربة والضياع الاجتماعي.. شعرت بالرفض من طرف المجتمع، نحن ذوي الإعاقة نتحسس من كل نظرة وكل حركة، فما بالك تلك الحركات والتعليقات التي تجعلنا نشعر بالغربة وسط المجتمع ومردها الأنانية وحب الذات وغياب الضمير والوجدان عند النظر إلى المعاق، فهذه الغفلة عن قيم التعاون مع المعاقين تؤدي إلى الأنانية التي لا يمكن للمعاق تحملها". وتضيف المتحدثة ان المساعدة لا تكون فقط مادية، بل يمكن أن تكون معنوية وذلك بزيارتهم وتفقد حالهم وبعث الأمل في نفوسهم والدعاء لهم بالشفاء وانتشالهم من ظلمة اليأس من الحياة ومن عقدة الشعور بالنقص والضعف، مع ضرورة التضامن معه نفسيا وماديا وقبوله والترحيب به وسط المجتمع.