القعدة الربيعية التقليدية بالشلف

إحياءٌ للعادات وارتباط بالموروث الثقافيّ

إحياءٌ للعادات وارتباط بالموروث الثقافيّ
  • القراءات: 1144

تُعدّ القعدة الربيعية التقليدية إحدى العادات التي لاتزال متوارثة بين العائلات الشلفية؛ حيث يجتمع أفراد العائلة احتفالا بدخول فصل الربيع وسط ديكور طبيعي تزيّنه مائدة غداء مُحضّرة أطباقها من الأعشاب الموسمية، تقدَّم في حلة تقليدية تجمع ما بين الأصالة والمعاصرة.

وتعكف بعض الجمعيات الثقافية المحلية تزامنا وإحياء شهر التراث الثقافي، على التعريف والترويج أكثر لهذه العادة ذات الأبعاد الثقافية والاجتماعية والصحية، سيما أنها محطة لإبراز أهم ما جادت به أيادي المرأة الشلفية والحفاظ على التقاليد المتوارَثة عن الأجداد.

قالت في هذا الصدد رئيسة جمعية أحلام للتبادل الثقافي خيرة بربري وإحدى المشاركات بالمعرض المنظم على مستوى المتحف الوطني العمومي عبد المجيد مزيان، إن إحياء القعدة التقليدية الربيعية والترويج لها يندرج ضمن المهام المنوطة بتنظيمها، الذي يسعى لترسيخ العادات والتقاليد وضمان تواصل الأجيال فيما بينها.

وتقترح السيدة بربري على المهتمين بالشأن الثقافي والتراث، قعدة ربيعية  تقليدية، تحاكي مشاهد من الماضي القريب صنعها أجدادنا، وتترجم بساطة العيش، واحتمالات الإبداع في عصرهم، والتي تعبّر في الأخير عن أذواق متشابهة وعادات متكاملة، هي جملة من العلاقات التي صيغت في قالب يسمى الثقافة. 

وللوهلة الأولى، يستقطبك جناح هذه القعدة الربيعية التقليدية التي تزيّنت بها إحدى زوايا المتحف، فترى فيها نافذة الزوار إلى عوالم الأفكار، وأشخاصا من عهد مضى وقضى، عاداتهم أضحت مصدر فضول أبناء جيل اليوم، وكلهم إصرار على إحيائها وتواترها.

«أطباق من الكسكسي على اختلاف أنواعها محضّرة بوصفات الأعشاب الطبيعية التي تنمو في فصل الربيع (...) وأطباق تقليدية أخرى نقدمها على مائدة صُنعت من الدوم، في أوانٍ شُكلت من طين، فيكون الغذاء صحيا، والقعدة تقليدية، واللمّة عائلية، هذه عادات أجدادنا احتفالا بقدوم موسم الربيع، ولها علاقة بموروثنا الثقافي، تقول السيدة بربري. 

وثمّن عدد من زوار المتحف هذه المبادرة التي ترتبط بعادة اجتماعية سنّها الأولون وتناساها أبناء اليوم في ظل الطفرة التكنولوجية والتطورات التي يعرفها  العالم؛ حيث تسعى هذه المبادرة أساسا للتعريف بالعادات والتقاليد المحلية؛ سواء فيما يخص الطبخ التقليدي أو صناعة الدوم والأواني الطينية.

وتقول في هذا السياق السيّدة أمينة (ربة بيت) إنها كانت في وقت مضى، تحيي عادة الاحتفال بدخول موسم الربيع لكن بطريقة مختلفة عن التي تعرضها جمعية أحلام للتبادل الثقافي، لافتة إلى دور مثل هذه المناسبات والنشاطات في إبراز التنوع الثقافي الذي تزخر به الولاية.

وتُعتبر السيدة أمينة أن هذه العادة التي تحافظ عليها العائلات الشلفية وتقام احتفالا بموسم الربيع، تساهم في حفظ التقاليد وتلقينها الجيل الحالي، سيما أنها تجمع بين مجالات الطبخ التقليدي والصناعات التقليدية (الأواني الطينية وصناعة الدوم) من خلال الديكور الذي تقدَّم فيه، ناهيك عن التعريف بعادات غذائية طبيعية تعتمد على كل ما هو طبيعي من أعشاب وخضار تنمو خلال هذه الفترة.

ومن جانبه، اعتبر الأخصائي في علم الاجتماع والأنتروبولوجيا بجامعة حسيبة بن بوعلي الميلود بوعزدية، أن عادة القعدة الربيعية التقليدية التي تقام تزامنا ودخول فصل الربيع، لها من الأبعاد الاجتماعية ما يتعلق بإقامة وتجديد صلة الرحم والقرابة، وكذا الثقافية من خلال الطابع التقليدي الذي تقدَّم من خلاله، ويرمز إلى تراث الأجداد. 

وأبرز نفس الأخصائي أن هذه العادة لها دلالة رمزية تاريخية متعلقة بالفلاحة وانطلاق موسم الحصاد وجني المحصول ومرحلة ارتباط الإنسان بالأرض، الأمر الذي ساهم في تجدد الاحتفال واستمراريته رغم أنه يختلف من منطقة إلى أخرى، مشيدا، بالمناسبة، بدور الجمعيات الناشطة في المجال الثقافي في الحفاظ والتعريف بهذه العادات، التي ترتبط، في الأخير، بوجدان وتاريخ الفرد وعلاقته بالمجتمع وانتمائه الثقافي.