المجاهد معطوب حرب التحرير الوطني محمد زيداني لـ"المساء":

إحياء المناسبات الوطنية كفيل بشحذ همم الشباب

إحياء المناسبات الوطنية كفيل بشحذ همم الشباب
المجاهد معطوب حرب التحرير الوطني محمد زيداني
  • القراءات: 1005
ع. بزاعي ع. بزاعي

أكد المجاهد معطوب حرب التحرير الوطني، محمد زيداني، أن إحياء المناسبات الوطنية واجب وطني من أجل تذكير الشباب بمآثر الثورة التحريرية وأبطالها من شهداء ومجاهدين، وحسبه فإن ذلك كفيل بنقل رسالة الانتصار والبناء والتجديد وفاء لعهد الشهداء، مضيفا أن عيد النصر هو ثمرة كفاح ونتاج تضحيات.

وأوضح على هامش الاحتفالات بعيد النصر وفي زيارة "المساء"، لبيت المجاهد زيداني بعين التوتة، أن عيد النصر هو نتاج إصرار على ربح معركة جديدة بعد مفاوضات توجت بوقف إطلاق النار، بعد تحقيق المكاسب التي وضعها بيان أول نوفمبر، أهدافا سامية للدفاع عن وحدة التراب الوطني والأمة الجزائرية والسيادة الوطنية الكاملة.وخلال تطرقه إلى وقائع الثورة التحريرية استرجع المجاهد الكفيف الأيام التي صنعت مجد أحرار مجاهدي وشهداء منطقة عين التوتة وبالأخص قرية معافة المجاهدة، وعرج على رفقاء السلاح بالمنطقة ليروي لنا معاناة الشعب وويلات الاستعمار في تلك الحقبة الزمنية، وهو شاهد على ليلة اقتحام مركز الجيش الفرنسي ببلدية معافة بدائرة عين التوتة، من طرف جيش التحرير الوطني وذلك ليلة 30 ماي 1956.

وذكر في السياق أنه صعد للجبل رغما عن أخيه سي الصالح، الذي أمره بالتكفل بأفراد العائلة، لكنه رفض والتحق بالرفقاء لتسند إليه مهام جمع المؤونة.ونوه المجاهد، بجهود المشاركين في الهجوم على المركز في عملية قادها شقيقه الأكبر المرحوم المجاهد سي الصالح زيداني، بالتنسيق من داخل المركز من قبل الشهيد صالح نزار، والتي هزت كيان العدو ودفعته لعقد جلسة أمنية طارئة تحت وطأة خسائر فادحة.

وبالعودة لهذا الاقتحام، وفق روايات المرحوم سي صالح زيداني، وبعض مجاهدي المنطقة، فإن الحدث تداولته وسائل الإعلام الفرنسية وقتها بحسرة كبيرة وتناقلته العديد من القنوات الإذاعية آنذاك على غرار "صوت العرب"، حيث قتل حوالي 40 جنديا فرنسيا من بينهم ضابط برتبة ملازم أول، والتحق 17 عسكريا من المجندين الجزائريين بالجيش الفرنسي بصفوف الثورة، فضلا عن الغنائم الحربية من كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة، وقطعتي مدفع هاون، وثلاثة رشاشات من نوع 24/29 وحوالي 100 قطعة سلاح حربي من نوع "فيزي ماص". و"ماط 49" وثلاثة أجهزة إرسال لاسلكي وكمية كبيرة من القنابل اليدوية.

واستشهد في العملية أربعة مجاهدين وهم حسن الجيجلي، علي عرعار، الطاهر مهماهي. ومسعود بلاندي. أما الشهيد الخامس مذكور مسعود، فقد استشهد في وقت لاحق متأثرا بجروحه البليغة بقرية بربار، حيث نفذت الخطة بإحكام مع مجموعة من المجاهدين وعددهم 32 جنديا وتمت عملية الاقتحام بواسطة 8 مجاهدين من بينهم المجاهدان المرحوم صالح زيداني وصالح بوزيدي، هذا الأخير لا يزال على قيد الحياة بعد التخلص من أحد الحراس، وكان قد أبلغ بذلك الشهيد زكور عمر، ليتولى بدوره إخبار قادة الجيش بواسطة زكور اسماعيل بن عمار، وتم تنفيذ العملية حسب الخطة المتفق عليها مع نزار صالح، الذي قال في شأنه سي الصالح زيداني، إنه فعلا أسهم في خدمة الثورة ولا داعي للتشكيك في جهاده وجرت عملية الاقتحام في وجود الشهيد نزار صالح وقسمون مختار، هذا الأخير من المجندين الفرنسين الذين قدموا الدعم اللازم في هذه العملية وكان ذلك في حدود الساعة الواحدة صباحا وكانت ساعة واحدة كافية لصنع هذه الملحمة البطولية.

واستمر المجاهد محمد زيداني وهو الشقيق الأصغر للمرحوم سي صالح زيداني، في نشاطه ليقدم كل الدعم للمجاهدين وكان ضمن مجموعة "الجيني" التابعة لجيش التحرير الوطني، وقد تلقى أمرا برفقة زملاءه سنة 1959 بمشاركة الشعب في تدمير الجسر الذي يؤدي إلى دوار معافة، بالقرب من جامع سيدي يحي بإزمورن في وادي إغزر نعلي او سعيد، فالتقى الجميع واتفقوا على تخريب الجسر وأثناء العملية، وقعت الفأس في موضع اللغم الذي انفجر وتسبب في إصابات شملت بعض الجنود بجروح متفاوتة منهم المجاهد رحموني الذي أصيب في رجله والمجاهد ابركان عمار، الذي أصيب على مستوى العين. أما المجاهد محمد زيداني، محدثنا فلقد أصيب في جبهته ليفقد بصره وإصابة أخرى شملت يده فيما استشهد خنوش الهاشمي، الذي تقطعت جثته إلى أشلاء وقد تكفل سكان منطقة افيوث، بعلاجهم خفية وبعد أربعة أشهر من الحادثة وجدت يده معلقة بشجرة.

مقاومة وصمود رغم التعذيب

وخلال الثورة المباركة تم اعتقال المجاهد محمد زيداني، وزج به في سجن مدينة القنطرة لمدة شهر كامل وتعرض لأنواع التعذيب، ويروي أنه تم تعليقه بشجرة لمدة يومين وعمليات صعق بالكهرباء، كما خضع لعمليات استنطاق بخصوص جمع السلاح في سرية تامة وتوفير المؤنة للمجاهدين، وأكد المتحدث، أنه ظل شجاعا مقاوما لأنواع التعذيب الجسدي بعدما ألقي عليه القبض وهو يرعى الماعز بالمنطقة. ومنذ ذلك التاريخ إلى غاية الاستقلال كان يتنقل بين الكازمات، تحت الأرض والكهوف والمغارات، في أوضاع صعبة جدا تصل أحيانا إلى أكثر من شهر دون طعام رفقة مرافق كلفه الجيش بمساعدته.

ولم يخف محدثنا إعجابه بيقظة المواطنين، الذين تفاعلوا مع الثورة المظفرة بوعي كبير وإحساس وطني حيث أصبحت الاشتباكات يومية مما استنفر القوات الفرنسية التي دعمت قواعدها بإمدادات، عدة وعتاد في حيرة كبيرة في هذه الأثناء تميزت الفترة بتجنيد عدد كبير من المواطنين بصفوف جيش جبهة التحرير الوطني والتحقوا بالجبال. يقول المجاهد إنه: "بعد الاستقلال تنازل له شقيقه الأكبر على منزل بمدينة عين التوتة، ملك البلدية قبل أن يصدر قرار الإخلاء، وهو يروي بمرارة الكيفية التي تمت بها عملية الإخلاء حيث وضع أثاثه بالمحشر البلدي".

ويبدو أن المجاهد محمد زيداني، المتشبع بروح الوطنية يعيش بمدينة عين التوتة معيشة بسيطة، وهو من طينة المجاهدين المخلصين الذين رفضوا العيش في كنف العبودية ولا يزال متأثرا لحادثة اللغم الذي تسبب له في فقدان بصره منذ سنة 1959 والتي وصفها بالقدر الذي جعله يرى الجزائر ببصيرته  وهي تنعم بالحرية. جدد محدثنا دعوته في ختام حديثه، لضرورة تفعيل دور المتاحف لتخليد مآثر الثورة والتضحيات الجسام لشهداء الثورة والتي تشكل فضلا عن كونها معالم تاريخية وقلاع  حضارية، و مقصد لكل الزائرين ومادة  خام الباحثين للباحثين لكتابة التاريخ.