يحمل الكثير من الدلالات السيميائية والرمزية التاريخية

أهل بريان يولون اهتماما بالغا لزي العريس

 أهل بريان يولون اهتماما بالغا لزي العريس
  • القراءات: 1063
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة
حافظ الزواج في منطقة بريان بمدينة غرداية على أبهة أيام زمان، فهو الحفل الذي يتوج فيه الرجل عريسا بالزي التقليدي، ويتمتع حينها بنوع من السلطة التي يخولها له المجتمع تلقائيا، لأنه عريس، وإذا تأملنا الهندام الذي يرتديه، نجده يحمل العديد من الدلالات السيميائية الرمزية التي تجد لها جانبا من المرجعية التاريخية ذات الصبغة الاجتماعية.
يعطي سكان منطقة بريان، حسب أحمد صغير، الحامل لدكتوراه في تحقيق المخطوطات بقسم التاريخ في جامعة تلمسان، أهمية بالغة للباس التقليدي الخاص بالرجل، لأن لكل قطعة يلبسها دلالات عديدة، بما في ذلك الألوان.
وتفتتح عملية «التلباس»، حسب السيد أحمد صغير، بالتبرك وقراءة سورة الفاتحة، متبوعة بالآيات الثلاث الأولى من سورة الفتح جماعيا، وتعلو بعدها أصوات الحاضرين جميعا بترديد أناشيد الطريقة القادرية الصوفية من خلال أداء قصائد سلطان الصالحين، الشيخ سيدي عبد القادر الجيلالي، في جو يملؤه البخور والعطور.  
أول قطعة لها دلالة تاريخية وعرقية تتمثل في التاج، يقول أحمد صغير ويشرح: «كان حجاج بيت الله الحرام منذ القديم يجلبونه معهم من البقاع المقدسة، وفي ذلك رمزية العودة إلى الأصول العربية الأولى لسكان منطقة بريان، والتبرك برحاب الله تعالى، ويوضع في القمة، أعلى الرأس، بمعنى أن العريس يصبح سلطانا يوم عرسه، ولا يجد بعضهم حرجا في مناداته «مولاي السلطان» ولا يعني ذلك فقط التحكم، إنما التعبير عن المسؤولية التي يجب على الرجل تحملها تجاه زوجته وعائلته. أما اللحافية البيضاء أو العمامة، يضيف «هي تاج من التيجان العربية، ولا تحتاج هذه الأخيرة تعريفا بعدما قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «العمائم تيجان العرب، إذا وضعوها وضعوا عزهم»، وتحنك اللحافية للعريس عملا بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، كما جاء في كتب «الشمائل المحمدية»، في حين ترمز «الشاشية» الحمراء التونسية التي توضع تحت اللحافية، إلى أن الرجل بقدر ما يكون مسالما طيبا كبياض اللحافية، يكون مستميتا في الدفاع عن عرضه وشرفه ووطنه ودينه، مضحيا بكل ما يملك مقابل ذلك.
يحمل العريس، حسب المتحدث، بعض الأكسسوارات التي تعكس دلالات شعبية، نذكر منها «الموس» البوسعادي أو «الخدمي»، نسبة إلى مدينة بوسعادة، يأت ي به العريس من عند والده، كأنه يستمد بركة والديه، فأمه تدعو له بالذرية الصالحة، ويمده والده بالقوة ويدعو له بالصلاح والشدة في الحياة، وكانت العادات القديمة في هذه المنطقة تضم إلى «الموس» ـ السكين ـ صرة من قماش أخضر أو أزرق، فيها أعشاب برية كالحرمل، والفيجل لدرء العين وطرد الشياطين.
ويسمى اللباس الرسمي للعريس بالقندورة، وهي أكبر قطعة في الزي التقليدي تمثل رداء الحرمة، حسب أحمد، وترمز إلى طهارة وعفة الرجل الصالح وسعتها رمز لسعة الرزق والبركة في الكسب الحلال، تلبس فوق السروال المثبت بـ»سبتت العبود» كرمز لصبره ورابطة جأشه وتكون من الجلد المعروف «بالعبود» أو «لشرك»، وكذا «القمجة» اللذين يرمزان إلى التفاؤل بالمستقبل بفضل بياضهما، يسترهما العريس بلباس البرنوس المنسوج من الصوف الخالص، من صنع أمه، حيث ينزعه العريس خلال الوليمة لارتداء برنوسين آخرين كرمز لمفارقة حياة العزوبية ودخول الحياة الزوجية. ويثبت فوق هذا الزي المحرمة الحمراء الشامية التي ترمز إلى خصوبة المرأة تقدمها أم العريس كأنها تمده ببركة خصوبتها إلى زوجته من خلاله، وتطلب منه أن يحفظ عهد الحماية والتضحية من أجل استمرار نسله.
يقوم بعملية «التلباس» أفراد العائلة، وعادة ما يكقوم بالمهمة كبير العائلة، تساعده الأم أو الجدة، ويكره أثناء «التلباس» كلام العريس وكثرة الحركة  والالتفات، إذ يطلب إليه الانصياع الكامل لتعليمات ملبسه، كرمزية للانخراط ضمن أعضاء المجتمع كرجل صالح، ومنه يفترق الحضور بعد الوليمة على بركة الفاتحة والدعاء للعريس بالصلاح بلفظة متعارف عليها منذ القدم «ربي يسجي ..».