مع ارتفاع درجات الحرارة

أطفال وشباب يجوبون محطات النقل لبيع الماء البارد

أطفال وشباب يجوبون محطات النقل لبيع الماء البارد
  • القراءات: 1638
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة
مع ارتفاع درجات الحرارة، تزداد حاجة جسم الإنسان إلى الماء، الأمر الذي يجعل الفرد يشعر بالعطش، خاصة بالنسبة للذين يضطرون إلى الخروج من منازلهم يوميا، سواء للعمل أو لقضاء حاجة تحت لفحات أشعة الشمس الحارقة والبقاء خارجا لفترات طويلة، وسواء تعلق الأمر بالكبار أوالصغار، فإن كلا الطرفين دون شك يحتاج إلى استهلاك كميات من المياه الباردة. إنها الحاجة التي دفعت الكثيرين إلى خلق تجارة «صغيرة» ما يعتبرها البعض «رحمة» نظرا لنفعها وحيويتها، لاسيما بالنسبة للأفراد الذين لا يجدون أمامهم محلات لشراء الماء إلا هؤلاء الباعة المتجولين الذين يزداد عددهم في محطات النقل وأمام بعض الأسواق الشعبية خاصة.
اقتربت «المساء» من هؤلاء الباعة الذين يمارسون هذه التجارة الموسمية يوميا تحت أشعة الشمس ومنهم الأطفال والمراهقون خاصة الذين غزوا محطات النقل العمومي بمختلف أرجاء العاصمة، بدافع نوع من المنافسة بينهم للصعود على متن كل حافلة تتوقف بالمحطة للتجول بين المسافرين عارضين بذلك قارورات من المياه المنعشة مقابل دنانير قليلة.
اقتربنا من محطة النقل العمومي لـ2 ماي بالعاصمة رصدنا بضعة أطفال يتجولون بالمحطة بين حافلة وأخرى، تارة يصعدون على متنها وتارة يتجولون بين المسافرين في المحطة، حاملين قارورات الماء في حقائب على ظهورهم، محاولين الحفاظ على درجة برودتها وتجمدها، لتلبي مطالب المستهلكين وهم يجوبون محطات النقل الحضري، وفي أيديهم قوارير المياه المعدنية الصغيرة المثلجة، التي يبيعونها بـ30 دج للقارورة التي تباع بسعر 20 دج في المحلات، وهو الفارق الذي يكون الفرد مستعد لدفعه مقابل تخفيف الضمأ وترطيب الجسم الذي أصيب بالجفاف بسبب الحرارة المرتفعة.
ويمضي أغلب هؤلاء الشباب يومهم بين حافلة وأخرى وبين المنتظرين في المحطة، لتلبية طلبات المواطنين، هذا ما أشار إليه الطفل سمير 12 سنة، قائلا إنه يقتني تلك القنينات من المياه قبل يوم من بيعها وذلك حتى يتمكن من تجميدها وإعادة بيعها في اليوم الموالي، موضحا أنه يشتريها من محلات بيع المواد الغذائية بالجملة، ويتوجه رفقة صديقه الذي تعرف عليه عن طريق هذه «الحرفة» كل عشية بعد الانتهاء من بيع جميع ما لديه قاصدا محلات بيع الجملة لشراء عدد من القوارير ليضعها داخل ثلاجة البيت، ليحملها صباحا ابتداء من الساعة التاسعة في محفظته وينطلق إلى العمل.
أغلب هؤلاء الأطفال لا تتجاوز أعمارهم الخامسة عشر، تراهم منهمكين في ممارسة هذا النشاط الصيفي المؤقت، و كثير منهم لا يرتدي حتى قبعة تحميه من لفحات الشمس المتواصلة على رأسه منذ الصباح الباكر.
ويختلف المواطنون بين مؤيد للفكرة ومعارض لها، تقول إحدى السيدات في هذا الإطار إنها ترفض فكرة السماح بهذا النوع من التجارة لأنها غير قانونية وفيها زيادة غير مقننة في السعر، كما أنها لا تتقبل مشاهدة أطفال صغار في مثل هذا السن يقومون بمثل هذا العمل الشاق وتعريض حياتهم وصحتهم للخطر بين الحافلات وتحت درجات الحرارة الشديدة التي قد تصيبهم بمرض أو بحمى ونزيف الأنف. كما استغربت كيف يمكن لبعض الأمهات أن يتركن أبناءهن في الخارج بهذه الطريقة لقاء ربح مبالغ مالية محدودة جدا. وعلى عكسها، قال مواطن إنه يحترم هؤلاء الأطفال ويجد أن ما يقومون به يدخل ضمن الأفعال التي يلقى عليها أجرا عند الله، لأنهم لا يمارسون تجارة بيع الماء فقط كما يراه البعض وإنما هم يقدمون خدمة للمواطنين بتوفير مياه باردة لهم في أماكن قد تكون معزولة وبعيدة عن محلات بيع المواد الغذائية، وحتى وإن كانت مقابل دنانير إضافية قليلة إلا أن ذلك لا يجعلهم فوضويين أو خارجين عن القانون بممارستهم لذلك النشاط.
من جهته، ثمّن رجل مسن ـ تحدثنا معه في الموضوع ـ جهود هؤلاء الأطفال والشباب الذين يتحلون بالصبر للوقوف طول النهار وبيع الماء المنعش للمارة والمسافرين، رغم أن نشاطهم شاق وغير سهل لكسب مبالغ مالية تمكنهم من إعالة أنفسهم وتوفير ما يحتاجون إليه، خاصة إن كانت عائلاتهم عاجزة عن منحهم ما يحتاجونه بسبب فقرها أو محدودية دخلها   كما أن ذلك من شأنه أن يعلّمهم تحمل مسؤولياتهم في سن مبكرة والاعتماد على أنفسهم في كسب رزقهم.
وعلى مستوى إحدى محطات الترامواي، التقينا بالشاب فؤاد 19 سنة وأمامه صندوق قارورات الماء، وقارورتان من العصير المركز أحداها بنكهة النعناع والأخرى بالرمان، يختار الزبون النكهة التي يريدها مع مائه البارد مقابل 50 دينارا جزائريا، وعلى يمينه إناء كبير مملوء بالماء المثلج الذي وضع فيه تلك القوارير للحفاظ على برودتها، اقتربنا منه قصد الدردشة معه فلم يرفض طلبنا وإنما اشترط منا أن نكتب اسمه دون لقبه، وأخبرنا بقصته مع العمل، فقال: «أنا أبيع قوارير الماء في العطل الصيفية لأنها مباركة على حد تعبيره ولأنني أبيع بسعر معقول إذ لا يتجاوز سعر القارورة الـ 25 دج»، مضيفا «دخولي عالم العمل كان أمرا اختياريا، فقد تركت مقاعد الدراسة لأن تحصيلي كان ضعيفا، ففكرت في مساعدة أمي وأبي على إعالة أسرتنا المتكونة من 9 أفراد، والحقيقة لم يرفض والديّ الفكرة، وأنا اليوم أعمل في بيع الماء البارد وهو عمل موسمي أجني منه مدخولا مقبولا». غير بعيد عن فؤاد لمحنا طفلا قابعا هو الآخر على كرسي وأمامه قارورات الماء البارد، فقال من جهته: «أنا أدرس وأعمل أثناء العطل وأوقات الفراغ». سألناه، «وهل أنت مجبر على العمل؟» رد علينا: «نعم أنا مجبر، فنحن عائلة فقيرة وراتب أبي لا يكفي لتغطية احتياجاتنا، في البداية كنت أخجل من أصدقائي إلا أنني مجبر ولم تعد تهمني نظرات وكلمات زملائي الذين لطالما وجهوا لي انتقاداتهم من باب السخرية».
نفس المشهد لاحظناه على مستوى بعض الأسواق الشعبية، على غرار سوق ساحة الشهداء، حيث اتخذ عشرات الشباب والأطفال من هذا النشاط حرفة لهم قبل زوالها مع انقضاء فصل الصيف.