وسط مطالب ملحّة من الأولياء والجمعيات بمرافقتهم
أطفال طيف التوحد "أبطال" يصنعون التميز

- 884

لقيت التظاهرة الرياضية في ألعاب القوى المنظمة، مؤخرا، بولاية البليدة في طبعتها الأولى، استحسانا كبيرا من طرف أولياء الأطفال المصابين بطيف التوحد والجمعيات المرافقة لهم. وحسبهم، فإن الرياضة واحدة من الآفاق الواعدة بعد التمدرس، التي تسمح لهذه الفئة بالإدماج في المجتمع، خاصة أن عددا كبيرا منهم يتقن بعض الألعاب الرياضية؛ مثل الجري، ورمي الجلة، والفروسية، والوثب الطويل؛ الأمر الذي يتطلب من الجهات الوصية، حسب رئيس جمعية طيف التوحد رشيد رحال، الالتفات إلى هذه الفئة، ومرافقتها، ودعمها، والإشراف على تدريبها، وتكوين فرق للمشاركة في البطولات الدولية.
أكد رئيس جمعية التوحد لولاية البليدة رشيد رحال في معرض حديثه إلـى "المساء" على هامش التظاهرة الرياضية التي احتضنها ملعب الشهيد حمود دايدي تحت شعار "تحدي الأبطال"، أن التفكير في تنظيم التظاهرة جاء لإخراج هؤلاء الأطفال من عزلتهم، وتمكينهم من التعبير في الملعب الرياضي، عما يتمتعون به من قدرات كبيرة في مختلف الرياضات، مضيفا: "لم يتم تحديد سن معينة؛ فلدينا مشاركون من تسع سنوات إلى 30 سنة. وأردنا فتح المجال لكل الراغبين في المشاركة؛ سواء كانوا مؤطرين في جمعيات أو مراكز، أو متواجدين في المنازل، ومن مختلف الولايات؛ من شرق، وغرب، وجنوب الولاية"، مشيرا إلى أن التظاهرة لقيت ترحيبا كبيرا، وهو ما عكسه الحضور المكثف لأولياء الأطفال، الجمعيات من عدد من ولايات الوطن؛ على غرار تلمسان، والجلفة، والبويرة، وسكيكدة، والجزائر، وتيبازة، وباتنة وغيرها. ومن جهة أخرى، أشار المتحدث إلى أن المشاركة في التظاهرة الرياضية لم يتم ربطها بشروط معينة، وإنما تُركت مفتوحة؛ حيث شارك أطفال مؤطَّرون وغير مؤطَّرين؛ لأن الهدف، حسب المتحدث، "هو إخراج هذه الفئة من عزلتها، وإعطاؤها انطباعا بأن لديها اهتماما، وقادرة على تقديم شيء مفيد للمجتمع، إلى جانب فتح المجال للتعارف بين كل المشاركين، وطرح انشغالاتهم، وتبادل التجارب والأفكار الكفيلة بدعم هذه الشريحة"، مشيرا في السياق، إلى أن الرياضة بالنسبة لأطفال التوحد، ليست مجرد نشاط، وإنما أصبحت بمثابة الوسيلة العلاجية التي يتم اعتمادها لتحسين حالتهم والتقليل من اضطرابهم، كما إنها بمثابة المتنفس، الذي يعبّر من خلاله الطفل، عن مشاعره، وميوله إلى بعض المنافسات الرياضية، التي قد يكون موهوبا فيها، خاصة ما تعلق منها بركوب الدراجة الهوائية، والفروسية، والسباحة. وفي السياق، أكد رئيس الجمعية أن الأولياء من خلال مثل هذه المنافسات الرياضية، عليهم أن يدركوا أن التمدرس لا يُعد كل شيء في حياة طفل التوحد. وقد لا تكون لديه استعدادات للتعلم بقدر ما تكون لديهم إمكانية النجاح في رياضة معينة. وقال: "من أجل هذا ارتأينا من خلال هذه المنافسة، لفت انتباه الأولياء إلى أهمية ممارسة الرياضة من أبنائهم المصابين بالتوحد، خاصة ما تعلق منها بالسباحة، وركوب الخيل، والجري، وحتى رياضة الكارتي"، لافتا بالمناسبة إلى أن أكبر تحد لايزال يواجه أطفال التوحد، هو بلوغهم سن 20. والسؤال المطروح: أين يذهب طفل التوحد بعد بلوغه سن الرشد؟ من أجل هذا حبذا لو يتم الاهتمام بهم من الجانب الرياضي".
حاضرون برياضة رمي الجلة وسباق العدو
اقتربت "المساء "من بعض الأطفال المشاركين في التظاهرة الرياضية، وكانت البداية مع الطفل زهير بوكريوة البالغ من العمر 14 سنة، الذي قال بأنه سعيد جدا بالمشاركة في التظاهرة الرياضية. ويتمنى أن يفوز بالمرتبة الأولى في رياضة العدو، مشيرا إلى أنه يشارك لأول مرة، ويشعر بسعادة كبيرة. أما الطفل محمد مولاي البالغ من العمر تسع سنوات، فأكد هو الآخر، أنه سعيد جدا بالمشاركة في رياضة الجري. ويتمنى أن يحوز على المرتبة الأولى، ويحصل على الميدالية.
ووفق رئيس جمعية الأمل لذوي الاحتياجات الخاصة عبد الحاتم بولنوار، مرافقهم، فإن التحدي الكبير الذي يواجه الأطفال المصابين بالتوحد على مستوى ولاية المنيعة، هو ضعف المرافقة، وغياب المراكز الخاصة بأطفال التوحد، مشيرا إلى أن الاهتمام بهذه الفئة لايزال ضعيفا، ويعاني من العديد من النقائص، وعلى المستوى الرياضي، مردفا: "نتمنى أن يتم الاهتمام بهم أكثر، خاصة أن بعض الأطفال لديهم مواهب، بحاجة إلى المرافقة فقط". وغير بعيد عنه قال إسحاق المصاب بطيف التوحد والبالغ من العمر 18 سنة، بأنه مسرور بالمشاركة في المنافسة. ويتمنى أن يحوز على المرتبة الأولى، وأنه جاء من ولاية الجلفة من أجل أن يمارس رياضته المفضلة. وحسب رئيس جمعية الإرادة محمد غزال من ولاية الجلفة مرافقه، فإن "الجمعية وحدها تحصي 135 طفل متوحد، تحاول الجمعية إخراجهم من عزلتهم، وإدماجهم في المجتمع؛ من خلال إشراكهم في مختلف النشاطات"، مضيفا: "نعتقد أن طفل التوحد قادر على التفاعل معها، والنجاح فيها"، مشيرا إلى أن التظاهرة الرياضية ليست فقط من أجل تمكين الأطفال من المشاركة، وإنما هي فرصة لالتقاء كل المهتمين بالطفولة المصابة بالتوحد، وتبادل الأفكار، وحل بعض المشاكل المشتركة، وكذا إخراجهم إلى المجتمع، مؤكدا أن أطفال التوحد لديهم كفاءات وقدرات كبيرة للذهاب بعيدا في بعض الرياضات؛ مثل السباق، والجري، والقفز، ورمي الجلة، وركوب الخيل؛ "يكفي فقط أن يحصلوا على فرصتهم من أجل أن يثبتوا ما يمكنهم القيام به". ومن جهة أخرى، أشار المتحدث إلى أن شريحة التوحد في المجال الرياضي بحاجة لأن تستفيد من مثل هذه المنافسات الرياضية، وبصورة دورية؛ حتى لا يشعر أصحابها بالعزلة، ولتسهيل عملية اندماجهم، التي تُعد الآلية الوحيدة لنجاح عملية المرافقة والمتابعة التي يخضعون لها منذ طفولتهم.
الأولياء: نرافق أبناءنا ونتمنى احتضانهم رياضيا
عرفت التظاهرة الرياضية حضورا مكثفا للأولياء الذين رافقوا أبناءهم من أجل تشجيعهم على المشاركة، ومقاسمتهم فرحة المشاركة والفوز.
وحسب السيدة نادية بن تلمسان، أم لطفل مصاب بطيف التوحد من ولاية البليدة، فإن التكفل بالأطفال المصابين بطيف التوحد يُلقى على عاتق الأولياء، موضحة: "أنا شخصيا اهتممت بتعليم ابني، ومحاولة التخفيف من اضطرابه. وعلى الرغم من العديد من الصعوبات، تمكنت من إيصاله إلى مستويات متقدمة في المجال الدراسي؛ حيث شارك هذه السنة في دورة البكالوريا شعبة تقني رياضي. أما في ما يتعلق بالنشاط الرياضي فأتمنى أن يتم مرافقتنا كأولياء؛ ليتسنى لنا أن نهتم بمواهب أبنائنا"، مضيفة: "فابني، مثلا، كان لديه ميول كبير في مجال رياضة الكاراتي؛ من خلال فتح مراكز متخصصة تولي أهمية لتكوين هذه الفئة"، مشيرة إلى أن ابنها شارك في التظاهرة الرياضية برياضة رمي الجلة. وهي تتمنى أن يجد من يطور مهاراته في الرياضات التي يحبها، والتي يمكن أن تكون مستقبله الواعد".