المجاهدة والمربية فاطمة منار:

أديت واجبي وربيت أبناء الشهداء

أديت واجبي وربيت أبناء الشهداء
  • القراءات: 536
❊رشيدة بلال ❊رشيدة بلال

لعبت المجاهدة فاطمة منار دورا بارزا إبان الثورة التحريرية في نصرة المجاهدين، وبعد الاستقلال اختارت أن تضحي في سبيل تربية أبناء الشهداء الذين تسبب المستعمر الفرنسي في مقتل ذويهم، فحملت رسالة نبيلة أدتها على أكمل وجه، وكانت الوحيدة ـ حسب  تصريح لـ«المساء"، التي ظلت وفية كمربية وأم لخدمة أبناء الشهداء،  إلى أن كبروا وتزوجوا، وتعتبرهم اليوم أبناءها وتشتاق إليهم وترغب دائما في لقائهم. التقيناها مؤخرا على هامش تكريمها بمناسبة اليوم الوطني للشهيد، فكان هذا اللقاء.

وصفت المجاهدة فاطمة في بداية حديثها، أبناء الشهداء بالأمانة التي تركها المجاهدون والشهداء الذين قدموا الغالي والنفيس في سبيل أن تستقل الجزائر، وأردفت قائلة "إبان الاحتلال الفرنسي كنت تابعة للولاية الرابعة وتحديدا ولاية تيبازة، وأذكر أنني كنت صغيرة، حيث لم أتجاوز 17 سنة، غير أنني كنت على دراية واسعة بكل ما يجري من حولي، ولعل من بين أهم المهام التي أوكلت إلي،  نقل الرسائل إلى المجاهدين بما في ذلك السلاح". مشيرة إلى أنها رغم الشجاعة التي كانت تحاول إظهارها، لكنها كانت عندما تكلف بأداء مهمة تشعر بالكثير من الخوف، خاصة إن تعلق الأمر بتسلم سلاح، لو لا قناعتها بأنّ الأمانة لابد أن تصل إلى صاحبها، الأمر الذي كان في كل مرة يحفزها على أداء واجبها، موضحة أنها لم تتعرف خلال عملها إلى أي مجاهد، لأن أهم شيء إبان الثورة هو الحرص على السرية التامة وأداء الواجب على أكمل وجه.

من أكثر المحطات التي ظلت عالقة في ذاكرة المجاهدة فاطمة، والتي تأبى أن تنساها ولا ترغب حتى في الحديث عنها، واقعة حدثت لها مع جندي فرنسي دخل إلى منزلهم، وحتى لا يشعر بخوفها أو يرتاب في أمرها، رفضت أن ترفع رأسها إليه، حيث كانت تغسل الملابس، فما كان منه إلا أن رفع قدمه وضربها على وجهها، مما تسبب في فقد عينها، مشيرة إلى أنها ورغم كل المحطات التي مرت بها إبان الثورة، فأإنها تشعر بالكثير من الفخر اليوم، لأنها كانت من بين المجاهدات المحظوظات بعدما كلفت من طرف المجاهدين بالإشراف على رعاية أبناء الشهداء، وهو ما اعتبرته تكريما وتشريفا لا تكليفا".

عن تجربتها مع أبناء الشهداء، أشارت محدثتنا إلى أنها شعرت بالكثير من الفخر والسعادة، بعد أن طلب منها التواجد في المراكز التي كانت تسمى وقتها "دور أبناء الشهداء"، التي كانت تشرف عليها وزارة المجاهدين، وعلى الرغم من أنها لم تكن أما، إلا أنها سعت إلى تعويض أبناء الشهداء حنان وحب ذويهم الذين استشهدوا في سبيل تحرير الوطن. وقالت "عدد أبناء الشهداء بالدور كان يختلف من دار إلى أخرى، لكن كان لا يقل عن 50 طفلا بين الذكور والإناث، وبعد أن يكبروا يتم تفريقهم، هذا الأمر أثر في كثيرا، لأنني شعرت وقتها بأنهم أبعدوا أبنائي عن بعضهم البعض، خاصة بعد أن أمضينا سويا سنوات في تربيتهم والإشراف على شؤونهم". مشيرة إلى أن بعضهم كان لا يتجاوز الأربع سنوات، مما يعني أنهم كانوا لا يعرفون أي شيء عن الثورة، وكان كل همهم البحث عن ذويهم.

لا زالت المجاهدة فاطمة تذكر الصفة التي كان يلقبها بها أبناؤها في الدار، حيث كانت تكنى طاطا فوفا"، هذه التسمية جعلتها تتمسك أكثر فأكثر بكل أبناء الشهداء الذين كلفت بتربيتهم وتعتبرهم إلى حد اليوم أبنائها، وتعلق "أبناء الشهداء رغم أنهم كبروا وأغلبهم تزوجوا،   غير أنني أبحث دائما عنهم وأزورهم وأشعر بالسعادة عندما ألتقي بهم". مشيرة إلى أن ارتباطها الشديد بأبناء الشهداء جعلها لا تفكر مطلقا في الزواج، إلى أن انتهت مهمتها بالمركز وكبر كل أطفالها وتفرقوا وكل ذهب في طريق.

رشيدة بلال