يشدهم الحمام المعدني والطبيعة الساحرة بعين فرانين في وهران

أجانب ومغتربون يغيرون وجهتهم السياحية

أجانب ومغتربون يغيرون وجهتهم السياحية
  • القراءات: 2066
خ. نافع خ. نافع
طبيعة ساحرة، زرقة البحر ومياه معدنية اجتمعت بمنطقة عين فرانين النائمة بالساحل الشرقي لولاية وهران، مناظر طبيعية تشد القلوب إليها قبل الأنظار. طبيعة عذراء لاتزال تحتفظ بجمالها الخلاب، وساعدتها على ذلك عزلتها، قلة قليلة من العائلات تزورها لتستحم بمياهها المعدنية الغنية بالحديد والكبريت من العين الحامية، كما يسميها البعض للشفاء من الأمراض الجلدية وأخرى تأتي هروبا من الحر لتستمتع بزرقة البحر وجمال الشواطئ.
أبهرتنا عين الفرانين التي عندما دعينا لتناول ‘البايلا’ في المطعم الذي يعتلي أحد التلال المطلة على البحر، استقبال حار وترحيب منقطع النظير من عائلة يحياوي عبد القادر وأولاده، أضفى أجواء مميزة وزاد من شهيتنا لـ»البايلا» بأسماك عين الفرانين التي تصطاد ليلا على ضوء القمر عند خروجها إلى السطح بأعداد هائلة.

عين طبيعية تنافس أكبر الشواطئ

أعضاء من المجلس الشعبي الولائي، إطارات، صحفيون حضروا رفقة سياح محليين ومغتربين للتمتع بالجمال الخلاب الذي يسلب الألباب ويأخذ الوجدان. تلتف قمم الأشجار لتصنع كهوفا تأوي إليها العائلات طول اليوم دون الحاجة إلى مظلات شمسية، فكانت القعدات أكثر جاذبية، خاصة أن أباريق الشاي كانت تزينها تماثيل بكبريت العين الحامية، كنا نلتقط الصور لهذه العذراء النائمة، فاندهشنا من التماثيل التي صنعها الكبريت الذي ترسبه المياه المدنية المتدفقة من الحمام إلى الشاطئ مشكلة شلالات صغيرة جلبت إليها العائلات لأخذ صور تذكارية تؤرخ للمكان وتشهد على جماله، هذا هو المزيج الخرافي الذي صنع لوحة أبدعها الخالق في عين فرانين التي تنافس أكبر الشواطئ جمالا وهدوء. وغير بعيد عن الحمام، يتسابق الشباب نحو الزوارق الصغيرة للإبحار في رحلة وسط زرقة البحر ونقائه. إنها لحظات لا تنسى قضيناها في أحضان العين الحامية التي حافظ عليها عمي يحياوي عبد القادر رفقة عائلته لأكثر من 50 سنة.
كانت عائلة يحياوي، وعلى رأسها الأب عبد القادر الذي تجاوز 80 سنة، يستقبل ضيوفه ويجلس معهم ليعرفهم على المنطقة الساحرة التي تكالبت عليها أطماع الخواص لاستغلالها وجني الأموال منها، إلا أن هذه العائلة بصغيرها قبل كبيرها، ظلت وفية لها وتحرسها حتى في العشرية السوداء عندما تخلى عنها الجميع وأصبح نزر قليل يزورها. عمي عبد القادر بعباءته التقليدية ومظلته المصنوعة بالحلفاء، لا يكل ولا يمل في التنقل يوميا بين أرجاء عين فرانين، يتفقد حمامها المعدني، يتظلل بظلال أشجارها الطويلة التي تفوق أعمارها عشرات السنوات.
طول الوقت الذي قضيناه بالشاطئ، كان السيد يحياوي يحكي عن جمال هذه المنطقة وخيراتها ومن مروا بها وكيف كان يحرسها ببندقيته لتبقى عذراء غناء، مؤكدا أن المنبع المدني اكتشفه طبيب يوغسلافي يدعى برقاري سنة 1956، وبعد الاستقلال قام الحاج يحياوي ببناء الحمّام على هذا المنبع بعد استئجاره من بلدية بئر الجير، ليصبح منذ الوقت معلما بهذه المنطقة يجلب السياح من داخل وخارج الوطن، لأن مياه هذا المنبع معدنية وتعالج الإكزيما وبوشوكة وغيرهما من الأمراض الجلدية، رغم أن مساحته لا تتعدى 350 مترا مربعا.

أكثر من 400 زائر يوميا للحمام المعدني

تتوفر المنطقة على مطعم لتقديم وجبات السمك الطازج الذي يصطاد بوفرة من البحر ليلا، إضافة إلى حظيرة تتسع لـ60 مركبة. ورغم قلة هذه المرافق، إلا أن عدد السياح الذين يتوافدون على العين الحامية يفوق 400 شخص يوميا، لاسيما مع نهاية الأسبوع، حين يتضاعف فيه عدد الزوار، يأتون من كل حدب وصوب ولا يقتصر الأمر على السياح المحليين بل استقطب هذا المعلم السياحي الجميل حتى الأشقاء من تونس والمغرب. هذا ما كان جليا في الحظيرة التي ركنت بها سيارات تحمل ترقيما أجنبيا من مختلف البلدان، وهو ما أهلها لتصبح منطقة سياحية بامتياز، رغم قلة الإمكانات، خاصة في مجال النقل، لانعدام خطوط تؤدي إلى الشاطئ، الأمر الذي حرم من لا يملكون وسيلة تنقل، الاستمتاع بهذا الجمال الأخاذ.

أطماع الخواص تتجه نحو الساحرة العذراء

وقد تم خلال السنة الفارطة الشروع في تسوية وضعية الحمامات التقليدية، حسب السيد مدني جلول المكلف بالتنظيم والإدارة على مستوى البلدية، فيما قامت كالبيراف بإدراج 8 مناطق سياحية، بما فيها عين فرانين في مشروع تسوية العقارات في إطار توسع المناطق السياحية، وهو ما فتح الآفاق أمام عائلة يحياوي عبد القادر للنهوض بالعين الحامية، إلا أن أطماع الخواص المحليين والأجانب هددت فشل هذا المشروع، مع إبعاد العائلة عن المنطقة، رغم العمل بها منذ 50 سنة والحفاظ عليها بكل ما أوتيت من قوة، لكن اعتراف المجلس الشعبي الولائي بهذه الجهود وزيارة لجنة السياحة، الفلاحة والغابات لعين فرانين ومعاينتها ما أنجزته العائلة حد من هذه الأطماع التي تهدد جمال هذه المنطقة التي لاتزال عذراء، رغم مرور أكثر من 60 سنة على اكتشافها.