الدكتورة وهيبة قطوش لـ«المساء»:

أتمنى الوصول إلى مكانة فكرية أجمع فيها بين الأصالة والمعاصرة

أتمنى الوصول إلى مكانة فكرية أجمع فيها بين الأصالة والمعاصرة�
  • القراءات: 1602
حاورتها: أحلام محي الدين� حاورتها: أحلام محي الدين

تعتبر الدكتورة وهيبة قطوش، أستاذة في معهد التاريخ، من أشد الغيورين على تاريخ الوطن والتاريخ الإسلامي، تطمح إلى الوصول إلى مصاف المفكرين الكبار، أمثال مالك بن نبي قدوتها في العلم، شرفت الجزائر مؤخرا بمشاركتها في ملتقى تاريخي باسطنبول حول»الجزائر في العهد العثماني»، تبحث في كل ما له علاقة بالمجتمع والتاريخ والتنمية، تدير مركز البصيرة للدراسات، عضوة في مجلس أمناء المنتدى المغاربي للتعاون الدولي. تسعى إلى مساعدة الشباب الطموح في مختلف المجالات، «المساء» استضافتها ونقلت لكم هذا اللقاء.

 

❊ بداية، كيف يمكن أن تعرف الدكتورة وهيبة بنفسها للقارئ، وما هي اهتماماتها؟

— بداية أشكر جريدة «المساء» على هذه الضفة الجميلة التي فتحتها لنا من أجل إيصال الأفكار الطيبة لتصحيح ذواتنا ومساعدة غيرنا، أنا باحثة في التاريخ الحديث والمعاصر والتاريخ العثماني بشكل دقيق، مديرة مركز البحوث لمركز البصيرة للدراسات، وهو مركز غني، أحب البحث المتواصل بشكل كبير، أتمنى يوما أن أكون مفكرة، فهذه هي متعتي بأخطائي وحسناتي، بإيجابياتي وسلبياتي، أحاول وأبحث وأسأل في خبرة الآخرين. هناك الكثير ممن ساعدني في مشواري العلمي والدراسي، أحب العمل في المجتمع المدني لمساعدة الآخرين، وأفضل العلاقات التي تخدم الجانب الأكاديمي لتقديم إضافات للآخرين. لا أحب أن أكون على هامش الحياة، لأنني متأكدة أن الله خلقني وأعطاني أشياء كثيرة وليس من اللائق ألا أستغلها، أحب الاستثمار في الحياة.

أنا عضو بمجلس أمناء المنتدى المغاربي للتعاون الدولي الذي يهتم بالثقافة والاقتصاد وأعمل فيه في الجانب الثقافي الأكاديمي. وفي الاقتصاد أكاديميا من خلال تقديم دراسات، ندوات فكرية نتشارك  فيها مع الدكتور العادل رئيس الجمعية العربية التركية للثقافة والعلوم، ومؤخرا شاركت في أحد الملتقيات التي أقيمت في شهر مارس الفارط بمدينة تكشانلي بكوتاهيا في تركيا، وهي ضمن تخصصي التاريخ العثماني.

❊ حدثينا عن مشاركتك في هذا الملتقى؟ 

— شاركت في هذا الملتقى رفقة البروفيسور فلة قشاعي، ويعتبر الملتقى الأول الدولي للحضارة العثمانية الذي نظمه السيد حسن حيسين تشاكماك، تطرقت إلى الموروث الثقافي العثماني في الدول الإسلامية ومنه في الجزائر، بينما قدمت الدكتورة فلة قشاعي كتابا عن الواقع الصحي الاجتماعي في الجزائر إبان العهد العثماني إلى بداية الاحتلال، أي تقريبا من 1500 إلى 1800. فقد  تحدثت فيه عما بقي من الحكم العثماني في الجزائر، وعن العادات والتقاليد والفسيفساء التي تركت في الجزائر، وأنماط المعيشة والألبسة، بعد دور المدارس والأوقاف. تكلمت عن أصل الوجود العثماني في الجزائر، والغريب والمؤسف في الأمر أن الأتراك يجهلون هذا التاريخ، فكما يعرف الجميع بعد قيام الجمهورية  حدثت قطيعة وأصبحوا في عالم آخر، وعندما تحدثت عن هذا الجانب تظاهروا بأنهم يستمعون لأمور عن عالم آخر، قال أحد الأشخاص تعليقا على الأمر؛ أنا معتز كثيرا بتاريخي، وقد أعجبتهم هذه الخصوصيات. كما تطرقت في المداخلة إلى العمران بالقصبة، على غرار « قصر عزيزة،  قصر خداوج العمياء وجامع كشاوة».

❊  حدثينا كمختصة عن القصبة، فخر الجزائر؟ 

— القصبة بنيت على شكل حصن لأنها شيدت في موقع عال وكانت تقريبا كحصن مدافع عن الجزائر، كان فيها الكثير من الجنود، والجانب العسكري والأمني بها كان منظما بشكل مميز جدا، فقد كانت تحمي سواحل البحر الأبيض المتوسط من الغارات الصليبية في تلك الفترة، أزقتها ضيقة، وعرفت بفساحة مساحة المنازل ووسط الدار لأنه كان ملتقى الجارات للحديث مع بعضهن  والاستئناس والتسامر. وقد أشرت في مداخلتي إلى أن الجزائر تحافظ على هذا التراث، إذ لا تزال هناك عائلات تركية ولا تزال بها بعض الأنماط والألبسة كالطربوش الأسطنبولي و»القويط» و»المجبود» و»الفتلة» و»محرمة الفتول» المعروفة بكثرة في القصبة، علما أنها موجودة في اسطنبول، فخلال جولة قمنا بها في متحف «كوتاهية» شاهدت نفس الأشياء تقريبا، إلى جانب المنسج. ومن العادات والتقاليد المشتركة التي لا تزال تحافظ عليها العائلات بالقصبة، مثلا، ما يسمى في أعراسنا بالعرس التركي والمقصود به «الدفوع  الحميمي» الذي يحضر فيه أهل العريسان لكن دون كثرة الضيوف، وهو خاص بالعائلة من دون بهرجة، وتقرأ خلاله  الفاتحة، كما أن عملية التخضيب بالحنة هي نفسها، حيث توضع حبة الويز في وسط الحنة، وحتى الرجل تخضب يده أو أصبعه بها كما هو الحال عندنا، وفيما يخص الطواجن والحلوى فهي أيضا متقاربة، منها ما هي موحدة كـ»الدولمة» و»الشوربة» و»البقلاوة» وهذا لا يعني أن الجزائر أخذت من عادات الدولة العثمانية فقط، وإنما أخذت من العديد من الحضارات التي تعاقبت عليها ومن أصولها أيضا.

❊  حدثينا عن مركز البصيرة؟ 

— مركز البصيرة موجود منذ 19 سنة، هو مركز دراسات وبحوث ومعلومات استشارية يهتم بكل ما له علاقة بالبحث والفكر والعلوم، لدينا 9 دوريات أساسية تتمثل في نشريات قانونية، أدبية وإسلامية، والجديد هي الدراسات المغاربية، في كل التخصصات نتعامل مع الكثير من الجامعات الجزائرية والغربية بما أمكن، فتحنا أبوابنا للطلبة الذين يحبون نشر بحوثهم، لأنها مطلوبة في التوظيف والترقيات، حيث تحكم بشكل جيد، نقوم ببرمجة ندوة شهرية لكل دورية، أي 10 أشهر نعمل فيها، نحاول أن نقدم إضافات للبحث والدراسات في الجزائر.

❊ هل يمكن اعتبار مركز البصيرة كمتنفس للمثقف والباحث الجزائري؟

— أكيد وهذا ما نطمح إليه، فالمجال مفتوح للجميع لتكتب، نحن نضع هذا المجهود تحت تقييم اللجنة العلمية لكن بشرط ألا يتعدى الثوابت، لأن لا مزايدة فيها. نقدم الندوات والمشاركات عندنا سنويا في المعرض الدولي وندوات خارج وداخل الوطن.

❊ وماذا عن طموحات وهيبة المستقبلية؟

— أتمنى الوصول إلى مكانة فكرية أجمع فيها بين الأصالة والمعاصرة، أكتب بقلم جيد وصحيح ولا أكون نسخة مكررة، أنا من عشاق مالك بن نبي وأحب طريقة تفكر قاسم نايت بلقاسم وتوفيق المدني وأتمنى يوما ما أن أصل كمستوى فكري حتى أحقق غايتي من الوجود، أحب المجتمع المدني لمساعدة الناس، أحب إعطاء فرصة للشباب لتعزيز الأمل فيهم، فهناك شباب يعمل معنا بالمركز وبإذن الله نحن بصدد التحضير لمجلة للأطفال، ولمست تعطشهم لها، وقد قاموا بوضع التصميم الأولي، مما يشير إلى تعطشهم ورغبتهم في تقديم الأحسن.

❊  بحكم اختصاصك في التاريخ، ماهي طموحاتك المستقبلية؟   

— أحب الفكر، لذا أشارك في عدة ملتقيات في العلوم الاجتماعية وغيرها، وكانت لي مشاركة في مؤتمر اللغة العربية، بعنوان كلمات دخيلة في اللغة العربية بمنظور تاريخي، والحمد لله نالت الاستحسان...

وسأشارك مستقبلا في ملتقى بعنوان «الفشل الفرنسي لطمس الهوية الجزائرية» تحدثت فيه عن صمود اللغة العربية في وجه الاستعمار والمدارس التي أحرقتها. وسأشارك في ملتقى آخر للعلوم الاجتماعية بجامعة سوق أهراس حول مشاكل الشباب التركي والجزائري، حيث تطرقت إلى دور الروابط التاريخية والاجتماعية، أي أنني أحب الكتابة في كل العلوم وأعمل على ربطها بما هو تاريخي لتعميم الفائدة وتقديم الجديد.

 ❊ كيف ترين واقع معهد التاريخ بحكم اختصاصك؟ 

— رغم ما يتخرج منه من طلبة وطاقات، إلا أنه المردود الفكري يبقى غير كاف ولا يصل إلى مستوى العمق التاريخي.

❊ هل كتب التاريخ الموجودة على الساحة الثقافية كافية؟  

— هناك إنتاج طيب، لكن هناك تخصصات تحتاج إلى مراجع ومصادر أدق وأشمل لمعالجة الكثير من المواضيع وتحقيق خطوات مهمة وناجحة في الكتابة التاريخية وفهم المعرفة التاريخية أيضا. 

❊ تشهد ساحة الشهداء حفرا بسبب أشغال المترو، ما تعليقكم خاصة أن للمنطقة تاريخا عريقا؟  

— يكفي أنها منطقة تاريخية عريقة تحفظ لنا ذاكرة الجزائر العميقة حتى لا نجد ما نعلق به على هذا الحفر، أتمنى ألا تؤدي إلى تغيير معالم التاريخ في المنطقة وإلا ستفقد معناها وروحها.