رغم دورها العظيم في بناء الحضارة

«الأعراف» طمست إنجازات المرأة عبر التاريخ ولم يُذكر منها إلا القليل

«الأعراف» طمست إنجازات المرأة عبر التاريخ ولم يُذكر منها إلا القليل
  • القراءات: 3572
نور الهدى بوطيبة نور الهدى بوطيبة

أكدت الدكتورة عقيلة حسين، باحثة حول دور المرأة في صناعة الحضارة، أن الأعراف ساهمت بشكل كبير وخطير في طمس إنجازات المرأة منذ عصور، وأغلقت تلك المعتقدات التي وصفتها بالمنافية لأصول عقيدتنا على ذكر المرأة في التاريخ والاعتراف بكل ما قامت به، لتذكر بعض المراجع مختصرات محتشمة عن النساء  اللواتي برزن في التاريخ، من خلال عظمة ما قمن به، مما يجعل المادة العلمية عند محاولة ذكر سيرهن جد قليلة وغير كافية.

خلال مداخلتها على هامش ملتقى إسهامات المرأة الفكرية في العالم الإسلامي، بمناسبة عيد المرأة الذي نظم مؤخرا، أكدت الدكتورة أن المرأة المسلمة ساهمت مساهمة فعالة في الحركة العلمية منذ عصر النبوة إلى الوقت الحالي، فبرزت نساء عالمات وفقيهات ومحدثات، مفتيات، أديبات وشاعرات، وفي مجالات الطب والصيدلة والعمل الخيري، والكتابة والدعوة والتعليم، وبناء المداس ودور العلم، ووقف الكتب والمصاحف وغيرها.

ومن سماحة الإسلام وتكريمه للمرأة، لم يفرق بين تعليمها وتعليم الرجل والنصوص كثيرة من هديه صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا، فجعل صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، فالخطاب الشرعي حث على التعلم والتحصيل العلمي، وهذا الخطاب عام يشمل الذكور والإناث، مع مراعاة الضوابط الشرعية المعروفة عند أهل العلم المعلقة بالفروق بين الجنسين، تضيف المتحدثة.

وقد اهتم المصطفى صلى الله عليه وسلم بتعليم النساء وأولاه عنايته، حيث سألت النساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهن يوما يعلمهن فيه، فأجابهن لذلك، فكانت النساء تحضر مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم، ويصلين الصلوات بالمسجد، ويحضرن الجمعة والأعياد فيسمعن ويحفظن، كما كانت الكثيرات من النساء في عصر النبوة يعرفن القراءة والكتابة، ولعل أول امرأة عرفت الكتابة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم الشفاء بنت عبد الله القرشية.

وأول مثال على حرص المرأة المسلمة على التعلم، نراه ماثلا في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وبناته، فعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قد اختارها الرسول صلى الله عليه وسلم زوجة له، لتكون معلمة لنساء العالمين، فرباها تربية علمية تثبت اهتمام الإسلام بتعليم النساء.

الأمومة ومساهماتها في خدمة الإنسانية

قد تكون الأمومة خاصية بيولوجية لكل امرأة تنجب أطفالا، لكن الحديث قد يصبح قاصرا وظالما للمرأة التي تنجب فقط، بل هي تربي وتعلم وتلقن المبادئ واللمسات الأولى لشخصية ذلك الطفل الذي يكبر ويتطور في سائر الأيام، فيصبح عالما ومبدعا ويساهم في بناء الحضارة وتطور المجتمع وخدمة الإنسانية، والأمثلة كثيرة جدا عن أمهات العلماء اللواتي كان لهن دور كبير في دفع أبنائهن إلى مجالس العلم، وملازمة كبار العلماء، كأم ربيعة الرأي، وأم الإمام مالك ـ رحمهم الله ـ وأكبر مثال هو أم الإمام الشافعي، رحمه الله، التي ربته يتيما، ورأت رؤيا بأن نورا يخرج من بطنها، ففسرت لها الرؤيا بأن ابنها سيكون عالما، فتعهدته بالتربية والرعاية الخاصة ليكون عالما، وأرسلته إلى أهله وعمره 12 سنة بمكة، وكانت تسكن بغزة ليتعلم الفصاحة، ومنها لازم الإمام مالك ورحل إلى بغداد وغيرها، فأصبح الشافعي إماما كبيرا في العلم والفضيلة.

المرأة المسلمة والتخصصات العلمية

أكدت المتحدثة أنه تكاد المصادر التاريخية وكتب التراجم والطبقات تجمع على أن المرأة المسلمة تعلمت علوما شتى، وأتقنت بعضها، وتخصصت في بعضها حتى أصبحت لا تعرف إلا بذلك الفن الذي أتقنته، ويعود ذلك إما لاهتمامات شخصية، أو بتوجيه من الأهل، وأكثر العلوم التي كانت محل اهتمام المرأة عبر العصور التاريخية مشرقا ومغربا، العلوم الشرعية من القرآن الكريم، الحديث النبوي، الفقه، التفسير، القراءات، العقيدة، التصوف، العلوم اللغوية من نحو وصرف وبلاغة، والتاريخ، بالإضافة إلى الطب والفلك والرياضيات والتمريض والحساب وغيرها.

تقول الدكتورة بأن أول مدرسة ارتادتها النساء للتعلم هو المسجد منذ عصر النبوة، كما كانت حجرات أمهات المؤمنين منارات للإشعاع العلمي والثقافي، فكن يستقبلن النساء اللواتي يسألن عن أمور دينهن أو يتحملن الحديث والعلم الشرعي بالسند، أو يتعرفن عن أمور تخص النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أخذ العلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ لوحدها حوالي 299 من الصحابة والتابعين، منهم 67 امرأة، هؤلاء كلهم يقصدونها في بيتها الذي كان مدرسة وجامعة لمختلف العلوم، أما أم سلمة التي اشتهرت بالفقه، فقد روى عنها كثير من الصحابة والتابعين بلغوا حوالي 101، منهم 23 امرأة.

وتطورت أماكن التعلم مع تطور الحضارة الإسلامية، واختصاص كل مؤسسة بمجال معين، فنشأت المدارس، وكان للنساء مدارس خاصة بهن للتعلم، خاصة في الحواضر الكبرى، بغداد والشام ومصر والأندلس والمغرب، ويدل على هذا كثرة أوقاف النساء على المدارس ولا يعقل أن توقف امرأة على مدرسة لا تخصص جزءا منها أو جناحا منها لتعليم للبنات.

ولم تكتف الصحابيات، حسب مداخلة عقيلة حسين، برواية الأحاديث المختلفة المتعلقة بالقضايا الخاصة بالمرأة، أو الموضحة لأحكام مهتمة بالنساء فقط، وإنما كانت روايتهن للأحاديث عامة، وقد روت الصحابية أخبار السيرة النبوية والمعجزات وعلامات الساعة، كما روت أحاديث الوعظ، الترغيب والترهيب، وأخبار الجنة والنار، و

أحكام العبادات والمعاملات وأحاديث الفضائل والمناقب وحسن السلوك، والتعامل مع المسلمين، وبالجملة فإننا لا نكاد نجد بابا من أبواب الحديث إلا وكانت المرأة الصحابية راوية لبعض أحاديثه.

وعلى صعيد آخر، ذكرت الدكتورة إنجازات النساء في مجال الوقف العلمي بمختلف وظائفه، فهن مساهمات بشكل كبير من مختلف الأعمار والطبقات وفي مختلف المجالات والبلدان والحواضر الإسلامية، ومن مختلف المذاهب والطوائف، وتعتبر المدارس والمساجد والجوامع والربط والزوايا أكثر المعالم الحضارية وأعظم مؤشر للنهضة والتقدم فيها هو كثرة هذه المعالم وتنوعها، ومعظم الرحالة والمؤرخون الذين وصفوا التقدم والنهضة ربطوها بكثرة هذه المعالم، مشيرة إلى عدد من المساجد التي حملت أسامي عالمات نظرا لإنشائهن وبنائهن له، على غرار مسجد الخفافين في بغداد، ومسجد ست غزال، جامع الأندلس بفاس، مسجد ورباط وزاوية لالة فاطمة نوسمر وغيرها، ومثال لذلك في الجزائر مسجد السيدة، وهو مسجد بالجزائر العاصمة بنته سيدة محسنة وكان أعظم جامع في الجزائر  في العهد العثماني، وقد ذكره (أد. أبو القاسم سعد الله) في كتابه: تاريخ الجزائر الثقافي، إلا أنه لم يذكر شيئا عن هذه السيدة، من هي وكيف بنت المسجد، واقتصر على بعض أوصاف المسجد قائلا: «جامع السيدة كان من بين السبعة الرئيسية منذ القرن 16م – 10هـ، وأقدم الوثائق التي تتحدث عنه ترجع إلى سنة 1564م، تحدث عنه هايدو الإسباني سنة 1581م واعتبره الثالث في الأهمية من بين المساجد السبعة بالعاصمة، واتخذه الباشوات مصلى لهم لقربه من قصر السلطان والحكم، واعتبره ديفوكس من جوامع الدرجة الأولى، لجماله وفخامته، وكان ديفوكس حاضرا لهدمه سنة 1830م ـ سنة احتلال فرنسا للجزائر ـ وقد هدمه الفرنسيون خوفا من أن يتخذه المسلمون مركزا لهم ونقطة تجمع ومظاهرات، وذلك يدل على أهمية جامع السيدة من الناحية التأثير المعنوي، وكل هذا حسب المتحدث، إجحاف في حق إنجازات تلك السيدة، وهذا مناف لمبادئ التاريخ والأرشيف التي لابد أن تكون من المراجع الموثوقة للباحثين.