الشروع في تطبيق الردع لتنظيم النقل بالسكة الحديدية

80 ألف مسافر "حرّاق" بالقطارات يوميا

80 ألف مسافر "حرّاق" بالقطارات يوميا
  • القراءات: 1334
تحقيق: حنان. س تحقيق: حنان. س
كشف ممثلون عن الشركة الوطنية للنقل بالسكة الحديدية، أن نظام مراقبة جديد سيدخل حيز التطبيق قريبا، هدفه مراقبة أكثر صرامة تجاه مستعملي القطار بدون تذكرة، علما أن 80 ألف مسافر بضواحي العاصمة، يستعملون القطار يوميا بدون تذكرة، وهو ما يتسبب في خسائر فادحة للشركة... تكفي الإشارة إلى أن قطارا كهربائيا واحدا يحصي 800 مسافر مع حساب 3 أضعاف هذا الرقم ما بعد محطة الحراش، وهو ما يجعل خسائر الشركة تتضاعف بالرغم من تشديد الرقابة في كل محطة، وكذا دوريات المراقبين الذين يواجهون الاعتداءات بصفة يومية، وصلت إلى حد العجز عن العمل لمدة تصل إلى 3 أشهر بالنسبة للبعض.
 بالرغم من المعرفة المسبقة للمسافرين بأن عليهم اقتناء تذكرة سفر قبل استعمال القطار، إلا أن «عقلية البايلك» تجعل الكثيرين يصعدون على متنه بدون تذكرة بكل أريحية، وإن حدث وأتى المراقب فيمكن، حسبهم، التنصل منه بألف طريقة وطريقة، يكفي فقط القول: «ماعنديش الدراهم» أو حتى «ماعنديش بطاقة هوية»، ليكتفي المراقب بتحرير محضر (بروسي) قد يأخذه المسافر «الحراڤ» ثم يتلفه بعد ذلك، وهو لا يدري أن محضرا آخر ينتظره في البيت، وقد يجرّه إلى الوقوف أمام العدالة والتعرض لخطر السجن لمدة تصل إلى 3 سنوات، ودفع غرامة مالية كبيرة.
هذا التجاهل وعدم الاكتراث سبّب للشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية خسائر كبيرة، أثرت بصفة سلبية على السير العادي لرحلات القطار، وهو ما يعيشه مستعملو القطارات بصفة يومية مع تأخر بعض الرحلات وإلغاء أخرى. هذا الأمر جعل الشركة تفكر في أساليب أكثر نجاعة؛ من شأنها تنظيم الأمور والحفاظ على السير العادي للقطار، لذلك كان من بين الأهداف الأولى التي سطرتها الشركة خلال تنظيمها الأبواب المفتوحة حول السلامة السككية ما بين 26 و30 أفريل المنصرم، تحسيس مستعملي القطار بأهمية اقتناء التذكرة؛ لأن السفر بدونها يعني مخالفة، تؤدي بمراقب القطار إلى تحرير محضر ضد المخالف، ومن بعده المتابعة القضائية، طبقا لأحكام المواد 33.40 من القانون 90/35 المؤرخ في 25 ديسمبر 1990، المتعلق بالأمن والسلامة والاستعمال والحفاظ في استغلال النقل بالسكة الحديدية، وكذا المادة 367 من قانون العقوبات، التي تشير إلى أن المسافر بدون تذكرة معرَّض لعقوبة الحبس من 06 أشهر إلى سنة وكذا دفع غرامة مالية من 20 إلى 100 ألف دينار.
هذه التوضيحات وبالرغم من ورودها ضمن ملصقة موجودة بكل المحطات وحتى داخل عربات القطار، إلا أن المسافرين لا يقرأون أو يتعمدون استعمال القطار بدون تذكرة من باب «ملك البايلك»، وإذا حدث ومرت دورية المراقبة العامة في العربات تبدأ «لعبة» الكر والفر بين المراقب والمسافرين والتي تصل إلى حد الاعتداء بالسلاح الأبيض على المراقب!
الاعتداءات مسلسل يومي
 ضحاياه المراقبون
في هذا السياق، كان لـ «المساء» لقاء مع مراقبي قطارات تحدثوا عن معاناتهم اليومية مع «الحراڤة» من مختلف الشرائح العمرية ومن الجنسين، ممن يتعمدون استعمال القطار بدون دفع ثمن التذكرة، وإذا طالبهم المراقب بدفع «المُخالفة»، وهي في حقيقة الأمر 100 دينار مضافة إلى ثمن التذكرة، تبدأ المشاحنات والشجارات وحتى الاعتداء على المراقب في الكثير من المرات. هذه الحقيقة يتحدث عنها المراقب عبد السلام قواسمية، الذي كلفه اعتداء من طرف مسافر بمحطة الحراش، عجزا عن العمل وصل إلى 3 أشهر. يحكي المراقب الحادثة فيقول: «يومها كنت على متن القطار السريع القادم من وهران نحو العاصمة. وبالوصول إلى محطة الحراش توقف القطار كالعادة، فصعد شباب على متنه وجلسوا في أماكن المراقبين، فاستسمحتُهم بالنهوض لأنها مقاعد خاصة بالمصلحة، فرفض شاب من بينهم وتفوّه بكلام فاحش وكلهم كانوا بدون تذاكر، ومباشرة أمسك أحدهم بقضيب حديدي وضربني به في وجهي، وسبّب لي عجزا عن العمل لمدة 3 أشهر كاملة، فحوكموا قضائيا بـ 3 سنوات سجنا نافذا».
من جهته، يذكر مراقب القطار السيد محمد جيلالي كيف اعتدى عليه أحد المسافرين على متن قطار الضاحية الغربية للعاصمة، وسبّب له كسر عظم أحد أصابع يده اليمنى. تحدّث المراقب عن الحادثة، فقال إنها وقعت له خلال يوم مراقبة عادية، وبوصول القطار إلى محطة العفرون طلب من أحد المسافرين تذكرة سفره، فلم تكن بحوزته تذكرة، ثم طلب المراقب من المسافر بطاقة التعريف الوطنية لتحرير محضر، فرفض المسافر تسليمها للمراقب، ثم أمسك المسافر بشيء حديدي، قال المراقب إنه لم يتضح له حينها ما إذا كان مفتاحا أو سكينا، وهمّ بضرب المراقب الذي دافع عن نفسه ولكنه أصيب بيده اليمنى؛ حيث سبّب له كسرا في عظم البنصر. وأكد المتحدث أنها تمت ملاحقة المعتدي قضائيا.
من جهته، يشير مراقب القطار السيد عبد العزيز دامو إلى أن المراقب يتعرض وبصفة يومية، لحوادث الاعتداء أثناء عمله، وأن حوادث السب والشتم أصبحت عادية جدا. والغريب في الأمر ـ حسب المتحدث ـ أن المواطنين الآخرين يصطفون دائما في صف المسافر «الحراڤ»؛ وكأن المراقب يعتدي على المسافر إذا طلب منه تقديم تذكرة سفره، حتى إن المراقب متى صعد القطار يتهامس بعض المسافرين بالقول «أعوذ بالله» بالرغم من أن المراقب يؤدي عمله اليومي، وهو محاسَب عليه. 
ولا تقتصر الاعتداءات على مراقبي القطارات من طرف المسافرين الرجال، بل الأمر تعدّى ذلك بكثير إلى القصّر وحتى النساء؛ سواء الشابات أو حتى العجائز، حسبما أجمع عليه المراقبون، ففي إحدى الحوادث التي وقعت لأحد مراقبيّ القطار في محطة الخروبة، هاجم قاصر المراقب بسكين بمجرد أن طلب منه تذكرة سفره، وبالغ القاصر في سب المراقب، الذي أكد عليه أنه سينتهي به الأمر بقسم الشرطة إن لم يدفع حق التذكرة داخل القطار أو تسليم بطاقة هويته، فما كان من القاصر سوى إشهار السكين في وجه المراقب ليعتدي عليه، ولحسن حظه تمكن المراقب من الدفاع عن نفسه، وأمسك بالقاصر الذي قُدم للعدالة بعد ذلك، طبقا لأحكام المادة 440 من قانون العقوبات، والقاضية بالحبس من شهر إلى شهرين، وبغرامة مالية ما بين 10 آلاف إلى 20 ألف دج عن كل سب أو شتم أو تهديد أو اعتداء أو إهانة موجهة لعون يساهم في أمن وحركة القطارات.   
 
80 ألف مسافر يوميا بدون تذكرة!
يرى المراقبون أن حركة سير القطارات تعرف الكثير من الفوضى بسبب سلوكات غير مسؤولة لبعض المسافرين، منها السفر بدون تذكرة أو الحيلولة بدون إقفال الأبواب. هذا العامل الأخير الذي يتكرر يوميا بما يتسبب في تأخر القطارات وبالتالي عرقلة السير العادي لمواعيد القطارات؛ لأن تأخر قطار واحد يعني تأخر كامل القطارات بعده.
وإن كان المسافرون يتذمرون كثيرا من تأخر مواعيد القطارات فلا بد لهم أن يعلموا أن سبب ذلك يعود، بالدرجة الأولى، إلى سلوك بعض المسافرين، ليس فقط ممن يعرقلون إغلاق الأبواب، ولكن أيضا ممن لا يدفعون ثمن التذكرة، فالمراقب إذا واجه مسافرا واحدا بدون تذكرة من حقه إيقاف القطار كلية عن السير، يشرح السيد أحسن لونيسي رئيس فرقة المراقبين، موضحا أن «ش. و. ن. س .ح» تعمل حاليا على إعداد مشروع لتنظيم الفوضى السائدة حاليا في التنقل عبر القطار، مبرزا أن هذا المشروع يهدف إلى حماية النقل عبر السكة الحديدية سواء بالنسبة للسائق أو المراقب أو حتى المسافر. وأوضح المسؤول أن المشروع كله يستند بالأساس على تطبيق القوانين الموجودة لا غير، والتي يجهلها المسافر، ثم يحتج إذا توقف القطار رغم أنه طرف غير مباشر في هذا التوقف. ويشير المتحدث إلى أنه يتم إحصاء 80 ألف مسافر يوميا على متن قطارات الضواحي بدون تذكرة، علما أن كل قطار كهربائي يحصي 800 مسافر من محطة ساحة الشهداء إلى الحراش فقط؛ ما يعني مضاعفة العدد إلى 3 مرات أحيانا ما بعد الحراش، خاصة في ساعات الذروة، وهو ما يكبّد خزينة الشركة أموالا كبيرة.
ويشرح السيد لونيسي بأن تطبيق مشروع تنظيم النقل عبر القطار قد بدأ فعليا منذ جويلية 2014، بالتحسيس الواسع للمسافرين بأهمية احترام النقل عبر القطار، وعلى رأسه اقتناء تذكرة السفر، مبرزا أنه تم منذ ذلك التاريخ إلى أفريل 2015، تحرير 649 محضرا عبر مختلف خطوط سير القطارات، وأن 60% من هؤلاء يتداركون خطأهم بدفع الغرامة مباشرة قبل الوقوف أمام العدالة، فيما يتم عرض النسبة المتبقية أمام العدالة وبعضهم يدخل السجن، ليقضي عقوبة قد تصل إلى 3 سنوات، والسبب «تذكرة قيمتها 20 دينارا»، مع الإشارة إلى أن سنة 2014 قد عرفت تقديم 35 مسافرا من الجنسين أمام العدالة بسبب السفر بدون تذكرة، وكانت فيها حالات حبس مؤقت لذات السبب.
من جهة أخرى، يبدي السيد لونيسي تفاؤله بأمر القضاء على الفوضى السائدة حاليا في النقل بالقطار، ويرى أن إطلاق دوريات لمراقبين محلفين يقومون بتحرير محاضر مخالفة ضد كل من يسافر بدون تذكرة ولمدة عام واحد، من شأنه تنظيم الأمور، وجعل المسافرين يقدمون تلقائيا على اقتناء تذكرة السفر قبيل الصعود على متن أي قطار. ويشير في معرض حديثه إلى تجربة دولة سويسرا في هذا المجال، التي حقق النقل عبر القطار فيها صفر مخالفة بفضل تطبيق القوانين. 
 
رجال الأمن في القطار والمحطات مطلب أساسي
 من بين الحلول الواقعية التي تنظم السفر عبر القطار، وجود عناصر الدرك الوطني على متن كل قطار، خاصة قطارات الضواحي. وقد أعرب ممثلو «ش و ن س ح» أن هذا هو الحل الوحيد الذي يحل إشكالية السفر بدون تذكرة، وبالتالي المحافظة على أهم وسيلة للنقل بالوطن. يكفي الإشارة إلى أن قطار البويرة - العاصمة يحقق صفر مردودية بتأكيد قاطع من مسؤولة مديرية الزبائن بالشركة الجهوية للنقل بالسكة الحديدية لناحية الوسط السيدة سارة سماح. واعتبرت أن وجود عناصر الدرك الوطني داخل القطارات، حل مثالي، ليرتدع مستعملو القطار، موضحة أنه تم التفكير في تجهيز مكان قار لهم داخل كل قطار كهربائي، في انتظار التنسيق أكثر بين الشركة الوطنية للنقل بالسكة الحديدية ومصالح الدرك الوطني.
كما يُعتبر وجود، على الأقل، 10 أعوان شرطة بكل محطة للقطار، مطلبا ملحّا آخر للتنظيم أكثر، حيث يؤكد السيد لونيسي أن وجود أعوان الشرطة مهم جدا ليس فقط لحفظ الممتلكات والأمن، بل أيضا للردع»؛ فحالات السب والشتم والاعتداء على المراقبين تكثر بسبب انعدام رجال الأمن؛ سواء داخل القطار أو في المحطات»، يقول المسؤول، وأعطى مثلا بمحطة «آغا»، التي تحصي رجل شرطة واحد في الوقت الذي لا بد أن يصل العدد إلى 10 على الأقل.