الدكتورة ليلى قاضي شويطر على خطى الأب الشهيد

40 سنة في طب وجراحة العيون..والعمل الإنساني

40 سنة في طب وجراحة العيون..والعمل الإنساني
  • القراءات: 3183
 حنان. س حنان. س

كشفت الدكتورة ليلى قاضي شويطر المختصة في أمراض العيون، أن حب الوطن الذي نهلته من والدها الشهيد محمد شويطر، جعلها لا تتردد في عرض خدماتها العلاجية والإنسانية على الغير، كنوع من التضحيات التي تراها المختصة إكمالا لمشوار والدها الثوري، وهي تعلق على هذا بقولها ”أبي ضحى بحياته من أجل الجزائر وأنا من بعده أضحي بعلمي وبمهنتي من أجل شعب الجزائر”.

تدرجت الدكتورة شويطر في طلب العلم على كل المستويات داخل وخارج الوطن، قبل الاستقلال وبعده وقد أشرفت على الكثير من العمليات الناجحة على مستوى العين، هذا العضو الحساس المرادف للحياة، مثلما تعلق عليه صاحبة الاختصاص لأكثر من 40 سنة.

وبالكثير من الأحاسيس، تحدثت الدكتورة عن مسارها العلمي الذي أرادته أن يكون عرفانا لوالدها الشهيد الذي كان له الفضل في فتح مدرسة عربية-إسلامية بحي تيليملي (كريم بلقاسم حاليا). وطبعا فإن الدكتورة كانت إحدى الملتحقات بهذه المدرسة التي تقول عنها أن الفضل يرجع لأساتذتها الكرام الذين غرسوا فيها، إلى جانب زملائها من التلاميذ، حب الوطن، تقول: ”نحن كنا ندرس العلوم واللغات والدين أيضا، صحيح درسنا باللغة الفرنسية، ولكن كان المدرسون حريصين جدا على تعليمنا العربية لغتنا، ورمزا آخر لهويتنا الوطنية، ولعل أكبر شيء كنا نتعلمه على الدوام هو حب الوطن، حب الجزائر الذي بقي عالقا في دمي، وهو ما جعلني أصل لأعلى مراتب العلم فقط خدمة لوطني الذي ضحى والدي بالأمس ليستقل”. وهو الوطن الذي تدين له الدكتورة بكل نجاحاتها على الصعيد الشخصي والمهني، وذلك ما جعلها تكرس حياتها لعملها سواء العلاجي أو الإنساني، فالدكتورة، استنادا لشهادات مرضى تحدثت إليهم ”المساء” بالعيادة، تقوم بعمل إنساني أقل ما يمكن القول عنه إنه رائع، فهي تقدم خدمات علاجية بالمجان للكثير من مرضاها، الأكثر من ذلك أنها تفتح أبواب منزلها لمن يأتيها من بعيد للعلاج بعيادتها هنا بالعاصمة، وكذلك بعض الذين لا يملكون سكنا قارا كذلك تؤويهم لديها: ”هذا أقل ما يمكنني فعله لبلدي..أبي الشهيد توفي من أجل البلاد وابنته تعمل من أجل العباد..فالكفاح لا يكون بالضرورة بالسلاح، هو أيضا بمساعدة الناس”، تقول الدكتورة.

وكمثال عن هذا، فإن الدكتورة تبنت 10 مكفوفين بالعلاج وتابعتهم لسنوات طويلة حتى أوصلتهم إلى الجامعة،”لا يمكنني وصف فرحتي عندما يخبرني أحد مرضاي أنه تمكن من استعادة النظر بعد عملية جراحية، أن ذلك بمثابة فرحة الاستقلال التي أعيشها مجددا رغم أن تلك الفرحة كانت عارمة بشكل لا يمكن وصفه”.

وتواصل الدكتورة حديثها مع ”المساء” حول مسارها المهني والعلمي والثوري كذلك بكثير من الأحاسيس المغلفة بالدموع وهي تستذكر معنا مسار والدها الشهيد، موضحة أنها كانت في العاشرة من عمرها لما أدركت أن والدها كان مناضلا من أجل قضية وطنه، وأدركت بفضله الوطنية التي تشبعت بها وأرادت أن تبقى وفية لعهد والدها الشهيد ومن بعده كل شهداء الجزائر، بأن لا تتوان في خدمة هذا الوطن أرضا وشعبا..

وبعد مسار طويل مع العلم والتخصص في طب أمراض وجراحة العيون، تمكنت الدكتورة شويطر من فتح عيادة خاصة بهذا التخصص، 20 سنة بعد الاستقلال، وتؤكد أن العيادة كانت ثمرة جهد خاص، وأنها أرادت أن تكون قبلة لكل أطياف الشعب الجزائري،”لم يكن أبدا ضمن مشاريعي أن أمارس تخصصي ضمن نطاق ضيق، أي أن استقبل المرضى في مكان ضيق لمجرد الاستشارة وفقط، ولذلك ناضلت لوحدي حتى استفدت من رخصة رسمية لفتح عيادة متخصصة في طب وجراحة العيون، كان ذلك في 1983 في عين النعجة ولكني فضلت فتحها بسوسطارة..في حي شعبي لأقدم خدماتي الطبية والجراحية للفقراء والمحتاجين..أردت أن أبقى قريبة من المواطنين تماما مثلما علمني والدي..قدمت خدماتي لسنوات طويلة مجانا، يمكنني أن أؤكد أنني كنت مثل الملحق بالمستشفى العمومي..80% من عملي كنت أقدمه مجانا”، تقول الدكتورة، ثم تعلق على نفسها بنبرة كلها إنسانية: ”إيه الدنيا ليست فقط دراهم..دراهم..فيه حب الناس لأنه من حب الوطن”. هذه الإنسانية هي التي أكسبتها حب واحترام الناس، أحدهم قال لـنا بقاعة الانتظار بالعيادة ”يا أختي الناس مثل هذه الدكتورة عملة نادرة جدا، لقد كان لها الفضل بعد الله في إنقاذ بصري وأقسم أنها عالجتني بالمجان”.

وبالحديث عن أمراض البصر، فإن المختصة تؤكد أنها قد حضرت جل الملتقيات العلمية وتلقت تكوينات في معظم المراكز العلمية المتخصصة بأغلب دول العالم، موضحة أن أمراض العيون أصبحت متداولة جدا منذ سنوات، ومنها المياه الزرقاء أو الغلوكوم، الذي عاد وانتشر في الجزائر لأسباب تحصرها المختصة في عدم الاهتمام بالنظافة والاختلاط وحتى بسبب تراجع اهتمام العامة بأمراض العين.

في ذات السياق، تشدد المختصة أنه لا بد للمواطن أن يزور طبيب العيون ولو مرة واحدة في حياته: ”أدعو المواطنين إلى أن يهتموا بالعين وبالنظر، فالحياة العصرية اليوم مليئة بمسببات الإصابة بأحد أمراض العين، وأخصص ندائي بلفت انتباه الأم إلى نظر طفلها فإن رأته مثلا يقترب كثيرا من التلفاز أو أن يقرب الكراس جدا من عينيه كي يرى، أو  يستدير كاملا ليرى من يناديه، عليها أن تقلق بشأنه وتصطحبه فورا نحو المختص”.

جدير بالإشارة، أن الدكتورة ليلى قاضي شويطر تلقت العديد من شهادات التقدير داخل وخارج الوطن من عدة جهات سواء شخصيات علمية أو معاهد متخصصة أو جمعيات نسوية. لعل أهمها شهادة العرفان من طرف، الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، سنة 2008، التي تعتبرها بمثابة التقدير لشخصها ولعائلتها الثورية.