20 عاما منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش المغربي

وعود وردية اصطدمت بواقع معيشي مرير

وعود وردية اصطدمت بواقع معيشي مرير
  • القراءات: 1104
م . مرشدي م . مرشدي

تمر يوم غد عشرون سنة منذ اعتلاء العاهل المغربي الملك محمد السادس عرش المملكة، خلفا لوالده الراحل الملك، الحسن الثاني ضمن حدث توقع المغربيون ان يكون بداية ثورة حقيقية في القصر الملكي تعيد النظر في أساليب إدارة شؤون العرش وتضع حدا لتبعات سنوات الدم الرصاص التي ميزت ثلاثة عقود من حكم والده الراحل.

وحمل مجيء محمد السادس، الملك الشاب إلى كرسي العرش الملكي في الرباط سيلا من الأحلام لشعب شغوف بحريته ولكنه حرم منها بسبب مخزن انفرد بدواليب السلطة من البلدية الى أعلى قمة السلطة وأبقته يعاني ثالوث التهميش وتكميم الأفواه والفقر المدقع.

ولكن تلك الأحلام ما لبثت أن انزاحت بعد عشرين عاما من الانتظار، استفاق المغربيون بعدها وحالهم على ما هو عليه سوى أن اسم الملك "أمير المؤمنين" تغير وبقيت أساليب تسيير قضايا العرش ذاتها، كرست تقسيم المجتمع المغربي إلى طبقة من المنتفعين وطبقة غالبة قهرها الفقر والعوز في البوادي وأحياء الصفيح على مشارف كبريات المدن المغربية ضمن مشهد طبقي يغني عن أي تحليل لواقع معيشي ضنك.

ورغم أن الملك محمد السادس حاول أن يظهر بمظهر الملك الشاب المتفتح والديمقراطي ضمن خطة لطي صفحة والده التي اقترنت بما أصبح يعرف في المغرب بسنوات الدم والرصاص عندما سعى إلى إنصاف من ذهبوا ضحية تلك السنوات في مختلف السجون السرية إلا أن مواصلة المسيرة خانته، سنوات بعد ذلك عندما اصطدم بواقع مغربي مرير.

وجاءت "ثورات الربيع العربي" ورياحها العاصفة لتجعل الملك المغربي يستفيق هو الآخر من غفوته التي كادت أن تفقده عرشه باندلاع أحداث 20 فيفري 2011 وما تلاها من تطورات سياسية عرف الملك المغربي كيف يحتوي تقلباتها عبر دستور حمل في ظاهره تحولا جذريا في أساليب إدارة الشأن العام ولكنه في الواقع لم يكن سوى جرعة مهدئة تأكد المغربيون بمجرد انتهاء مفعولها أنه دستور لم يكن في الحقيقة سوى مراوغة ذكية احتفظ من خلالها الملك بسلطاته السيادية والفعلية كقائد أعلى للجيش وأميرا للمؤمنين ووزيرا للخارجية والمالية ورمى في المقابل بمتاعب ومشاكل الشعب على وزيره الأول الذي تولاه لأول مرة إسلامي معارض ضمن خطة ذكية عرف الملك كيف يضعف صعود هذا التيار وتشويه صورته، بعد أن عجز عبد الإله بنكيران في تلبية مطالب ملحة لشعب بكامله من مناصب شغل وسكن وعلاج وإخراج من عزلة قاتلة في الأرياف.

وقد استغل الملك محمد السادس فترة التهدئة لقيادة البلاد في مرحلة تجريبية استطاع خلالها من إحكام قبضته على مقاليد السلطة لمدة عقد من الزمن ليجد نفسه من جديد أمام حقيقة واقع معيشي لا يمكن ترقيعه بمجرد المصادقة على دستور وصف حينها بالمتفتح وكان مقتل صياد السمك محسن فكري طحنا داخل شاحنة لجمع القمامة في مدينة الحسيمة نهاية سنة 2016 بمثابة فتيل أعاد ثورة الغضب الشعبي إلى واجهة الأحداث المغربية وأشعل منطقة الريف بكاملها ما لبثت شرارتها أن انتقلت شرارتها إلى منطقة جرادة في أقصى شرق المملكة ومنها إلى مناطق وأرياف الأطلس ضمن أحداث مطلبية وقف الملك المغربي الشاب عاجزا في احتوائها سوى عبر آلة قمع مسلطة على مئات الشباب الرافض لسياسة الامر الواقع مازال العشرات منهم يدفعون ثمنها من زهرة أعمارهم في سجون مقفلة.

وتيقن الملك محمد السادس على إثرها أن تسير شؤون مملكة بسيل المشاكل المتشابكة والمعقدة ليس سهلا إلى الحد الذي جعله يضطر إلى اللجوء إلى الخارج فرارا منها طيلة أشهر كاملة قالت الرواية الرسمية حينها أنه يتابع فترة نقاهة واستجمام دون أن يقتنع المواطن المغربي العادي بذلك ودون أن يمنعه ذلك من طرح السؤال من يحكم في المغرب.

وإذا كانت أحداث منطقة الريف اندلعت لدواعي اقتصادية وبسبب سياسة تهميش مقصودة لسكان هذه المنطقة إلا أن القهر المتواصل وتكميم الأفواه كانت في الواقع سببا مباشرا في انفراط عقد الصبر عند سكان هذه المنطقة وتأكد معها عجز السلطات المغربية في تلبية مطالب ساكنة نهشها الفقر والحرمان بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعصف بالاقتصاد المغربي وخاصة منذ أن غيرت دول الخليج نظرتها الى ملك صعب عليه إيجاد موطأ قدم يمكنه من الاحتفاظ على توازن موقفه بين الرياض والدوحة وعدم إغضابهما.

الصحراء الغربية "شوكة في الحلق"

وإذا كان الملك المغربي تعهد في بدايات عهده بالسلطة بتسوية ما يسميه بمسالة الوحدة الترابية لبلاده في إشارة الى النزاع في الصحراء الغربية بعد أن تبنى خيار "الحكم الذاتي" بإيعاز من الرؤساء الفرنسيين المتعاقبين على قصر الاليزي من جاك شيراك إلى نيكولا ساركوزي وصولا إلى ايمانويل ماكرون ومرورا بفرانسوا هولاند، إلا أن النزاع بقي شوكة في الحلق بعد أن تبدد حلمه أمام استماتة شعب صحراوي على مطالبه التاريخية في أرضه وإصراره على تقرير مصيره عبر استفتاء شفاف ونزيه، ضمن موقف أخلط عليه حساباته وزاد من متاعبه السياسية والاقتصادية رغم النهب المتواصل لخيرات الشعب الصحراوي.

ولم يستطع الملك المغربي من إحكام قبضته على سكان الإقليم الأصليين بعد عقدين من الزمن سوى عبر سياسة إغلاق  تسلطي استغلها لتنفيذ سياسة تقتيل حقيقية بعيدا عن أعين الصحفيين ورجال القانون ونواب البرلمانات العالمية كان آخرها اغتيال الشابة الصحراوية، عائشة عثمان أحميدة تحت عجلات سيارة لقوات الشرطة ضمن مشهد لخص حقيقة مأساة شعب مازال يصر على تحقيق استقلاله مهما تعددت أساليب القمع أو مخططات الضم القسرية.