قمة الاتحاد الإفريقي ـ الاتحاد الأوروبي بكوت ديفوار

وضع حد لعلاقة المستعمَر - المستعمِر

وضع حد لعلاقة المستعمَر - المستعمِر
  • القراءات: 535
 م. مرشدي م. مرشدي

ستكون العاصمة الإيفوارية أبيدجان بداية من غد، على موعد مع قمة تاريخية إفريقية ـ أوروبية، يأمل قادة دول القارتين أن يجعلوا منها انطلاقة جديدة لعلاقات اقتصادية وأمنية أكثر صلابة وندية، تراعى فيها مصالح الدول المشاركة فيها بكيفية يخرج الجميع «رابح ـ رابح»

وتريد الدول الإفريقية الثلاث والخمسون المنضوية تحت راية الاتحاد الإفريقي، أن تجعل من هذا اللقاء الدوري فرصة لإقناع الدول الأوروبية على النظر  إليها كدول مستقلة تواقة لتحقيق الرفاه لشعوبها، وليس كمستعمرات سابقة وفق علاقة القوي والضعيف أو الغني والفقير.

وتريد دول الاتحاد الأوروبي، من جهتها، تعزيز مكانتها الاقتصادية والاستثمارية، في قارة رشحتها كل المؤشرات الاقتصادية لأن تكون القلب النابض لاقتصاد عالمي منهك، وبلغ حد الكساد بفضل فرص الاستثمار التي توفرها دول القارة. ولكونها مصدرا رئيسا لمختلف الثروات والمواد الأولية التي تحتاجها الدول المصنّعة وخاصة تلك التي تعطيها قدرة تنافسية في مجال تكنولوجيات الألفية، أو ما يُعرف بـ «النانو تكنولوجيا» المجال المستقبلي لصراع القوى الكبرى لبسط سيطرتها على العالم، والتي أكدت كل الاستكشافات أن إفريقيا تبقى أكبر مصدر لها.

وهو ما جعل القارة الإفريقية تتحول بعد تجاهل دام عدة عقود، إلى قبلة جديدة لهذه القوى بعد أفول نجم تنينات جنوب شرق آسيا؛ مما جعل منها ساحة صراع بين الدول الغربية الراغبة في التغلغل في أسواق إفريقية واعدة وعذراء مؤهلة لأن تستقطب استثمارات اقتصاد غربي بلغ حد التخمة، وراح يبحث عن منافذ اقتصادية في قارة زكتها نسبة النمو التي سجلتها اقتصاديات الكثير من بلدانها خلال السنوات الأخيرة.

وضمن هذا المنطق تريد دول الاتحاد الأوروبي التي يبقى العديد منها دولا استعمارية سابقة في القارة المحافظة على هذه العلاقة المتميزة مع مستعمراتها السابقة، ولكنها علاقة لم تعد قادرة على الصمود أمام زحف صيني وأمريكي وياباني وحتى من جانب  دول صاعدة، مثل الهند وروسيا والبرازيل وتركيا، التي دأبت هي الأخرى على عقد قمم سنوية مع إفريقيا، ظاهرها مساعدة دولها على تحقيق إقلاعها الاقتصادي، ولكن الهدف الخفي منها يبقى عدم ترك الكعكة الإفريقية حكرا على دول مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وحتى إسبانيا وبلجيكا التي جعلت من مستعمراتها السابقة مجالا محتكرا وترفض من ينافسها نفوذها فيها.

وإذا كانت الدول الأوروبية حافظت في ظل هذا التنافس على كونها أكبر شريك اقتصادي وعسكري لدول القارة «السمراء»، إلا أن مكانتها بدأت تهتز لصالح قوى أخرى مثل الصين والولايات المتحدة وروسيا، التي ألقت بكل ثقلها الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري؛ من أجل كسر هذه القاعدة التي تحكم علاقات الغالب والمغلوب بدون أن يمنع ذلك الدول الأوروبية من البقاء بمثابة أول شريك اقتصادي في إفريقيا وأول مستثمر وأول مقرض للدول الإفريقية»؛ مما جعل حجم المبادلات التجارية بين القارتين 286 مليار دولار سنة 2015.

وإذا سلّمنا بضخامة هذه المبالغ إلا أن الدول الأوروبية نفسها بدأت تدق ناقوس الخطر من زحف اقتصادي صيني داهم على القارة، بعد أن بلغ حجم مبادلات بكين مع الدول الإفريقية، 149 مليار دولار العام الماضي؛ مما أبقاها للعام الثامن على التوالي، أكبر شريك اقتصادي مع إفريقيا وبقروض تفاضلية قاربت 70 مليار دولار بدون الحديث عن الهبات، والمساعدات وبناء المنشآت القاعدية في كثير من الدول الإفريقية في إطار «الصداقة الصينية».

وهي أرقام كبيرة جعلت رئيس الولايات المتحدة المغادر باراك أوباما يقرر، هو الآخر عقد قمة إفريقية ـ أمريكية، بعد أن استشعر الخطر الصيني الداهم في أحد أكبر قارات جنوب العالم، ضمن استراتيجية تبعه فيها اليابان والهند وتركيا والبرازيل، التي تريد جميعها ركوب قطار إفريقيا قبل فوات الأوان.

وإذا كانت هذه الأخيرة تركز خاصة على الجانب الاقتصادي في علاقاتها مع الدول الإفريقية، فإن الدول الأوروبية تريد بالموازاة مع ذلك، تطوير علاقات أمنية أكثر متانة في ظل تنامي الخطر الإرهابي وظهور الهجرة السرية كعامل جديد في علاقات الدول الإفريقية والأوروبية، وشكلت هاجسا حقيقيا لمختلف العواصم الغربية التي لم تعد تقدر على صد موجات المهاجرين السريين الوافدين عليها من مختلف مناطق النزاع في إفريقيا والوطن العربي.