بعد أن فرضت موسكو نفسها كرقم فاعل في سوريا

واشنطن تكيف موقفها مع الأمر الواقع

واشنطن تكيف موقفها مع الأمر الواقع
  • 624
م. مرشدي م. مرشدي

عادت الولايات المتحدة الأمريكية لتثمين الدور العسكري الروسي في حسم المعادلة العسكرية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا في موقف مغاير تماما لذلك الذي أبدته واشنطن تجاه التدخل العسكري الروسي في هذا البلد بداية أكتوبر الماضي. وتوجست الإدارة الأمريكية خيفة في بداية الأمر من تبعات التدخل الروسي في مستنقع سوري مفتوح على كل الاحتمالات وسط مصالح دولية متباينة وبأبعاد إستراتيجية واضحة بالنظر الى موقع سوريا الهام في قلب الوطن العربي والبحر المتوسط وعلى مشارف أوروبا.

ولكن مع مرور الأيام والأسابيع منذ بدء التدخل العسكري الروسي، انقلبت واشنطن على موقفها المبدئي بـ180 درجة عندما أكد وزيرها للخارجية، جون كيري، أن روسيا بإمكانها أن تلعب دورا بناء في سوريا. وذهب إلى أبعد من ذلك عندما ثمن الالتزام السياسي الروسي لمساعدة الفرقاء السوريين على التوصل إلى اتفاق سياسي ووضع حد لحرب أهلية حصدت أرواح أكثر من 250 ألف شخص غالبيتهم العظمى من المدنيين.

وعندما نعلم أن الوزير الامريكي أدلى بهذه التصريحات أمام نظرائه في دول حلف "الناتو" بالعاصمة البلجيكية ندرك أهمية الدور الروسي في المعادلة السورية والأكثر من ذلك أن الدول الغربية التي كانت تسعى لإبقاء روسيا خارج دائرة المعادلة السورية لتحييدها وإضعاف موقفها في مواقف دولية أخرى وخاصة فيما يخص توسع "الناتو" باتجاه الحدود الروسية وأيضا من الوضع في أوكرانيا الذي أشعل فتيلها لإلهائها عما هو جار في سوريا.

ولكن تفطن السلطات الروسية لأهمية سوريا في حساباتها الإستراتيجية جعلها تخلط الحسابات بأمر واقع عسكري فرضته فرضا على الجميع رغم معارضة الولايات المتحدة وفرنسا ومختلف الدول الغربية الأخرى. والمؤكد أن السياسة الاستباقية التي انتهجتها موسكو في سوريا حتم على الولايات المتحدة تكييف موقفها مع التطورات الميدانية بعد أن تيقنت أن روسيا لن تتراجع حتى وإن اتهمت باستهداف المعارضة السورية "المعتدلة" دون مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية. ويبدو أن إدارة الرئيس الامريكي التي تفطنت إلى انتكاستها الدبلوماسية متأخرة راحت تؤكد أن كل دور روسي يجب أن يركز على محاربة الإرهاب وتأكيد حسن نيتها في تجسيد تعهداتها في مفاوضات فيينا لإنهاء الحرب في سوريا. 

ولكنه شرط يبقى مجرد شرط للالتفاف على حقيقة الدور الروسي الذي لم يعد يقبل شروطا أمريكية بعد أن فرض نفسه كرقم محوري في أية ترتيبات مستقبلية في بلد يحظى باهتمام دولي كبير. وهي الأهمية التي جعلت فرنسا أحد أشرس الدول المعارضة لبقاء الرئيس السوري بشار الأسد تعيد هي الأخرى النظر في موقفها إلى الحد الذي جعل وزيرها للخارجية لوران فابيوس لا يعارض مشاركة الجيش السوري في ائتلاف دولي لمحاربة تنظيم "داعش".

وهو المقترح الذي لم يكن مطروحا حتى في جملة الخيارات التي وضعتها باريس للتعامل مع أزمة متشعبة ومعقدة بنفس درجة تعقيدات الأزمة السورية. موقف أضافته موسكو الى قائمة انتصاراتها الدبلوماسية أمام القوى الغربية ولكنه أيضا انتصار قبل ذلك لنظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي تحول في أقل من شهرين من نظام مرفوض الى نظام يجب إشراكه في أية مفاوضات مستقبلية مع المعارضة السورية بقناعة انه اخف الأضرار من تنظيم الدولة الإسلامية.