بعد مرور خمس سنوات على ثورات الحراك العربي

نشوة الابتهاج تتحول إلى انتكاسة ومستقبل مجهول

نشوة الابتهاج تتحول إلى انتكاسة ومستقبل مجهول
  • القراءات: 586
م. مرشدي م. مرشدي

لم تكن الشرطية التونسية التي صفعت البائع المتجول محمد البوعزيزي تدري يوم 19 ديسمبر2011 أن فعلتها التي جعلته يضرم النار في جسده ستشعل أيضا فتنة في أوطان عربية مازالت كوارثها متواصلة إلى حد الآن حتى وإن آثر الإعلام الغربي على تسميتها بـ"ثورات الربيع العربي". ويعود التونسيون يوم غد بذاكرتهم خمس سنوات إلى الوراء، وهم لا يصدقون أن الرئيس زين العابدين بن علي الذي حكم البلاد بيد من حديد غادرها ذات 14 جانفي 2011 في جنح الظلام ودون رجعة.

ولم يكونوا يعتقدون لحظة أن الاحتجاجات المندلعة بمدينة سيدي بوزيد المهمّشة في جنوب البلاد، يجعل منها أشهر مدن العالم وحولت تونس من بلد ميزته الاستقرار وشعبه الهدوء، إلى بلد ثار على أعتى نظام بوليسي في الوطن العربي وشعارهم "بن علي ارحل" ليحلموا بعدها شعار "بن علي هرب". ولكن هروبه فتح أبواب تونس على المجهول، ليس بسبب الإطاحة بنظام بن علي ولكن بسبب التجاذبات التي طبعت المشهد التونسي حينها قبل أن تنتقل عدوى تلك المواجهة المفتوحة إلى مصر ثم ليبيا واليمن وختمتها بسوريا وفشلت في مملكة البحرين. ولكن هل يحق لنا أن نسمي ما حدث في هذه البلدان على أنها ثورات بنسمات عبق فصل الربيع أم أنها ثورات تعكر جوها برائحة الدم والبارود والجثث المتعفنة وغبار الخراب الذي لحق كل مبنى ومسكن.

والمؤكد أنه رغم تباين المنطلقات والمقاربات للحكم على ما يجري في الوطن العربي الآن إيجابا أو سلبا، فإنه لا يمكن لاثنين أن يختلفا في القول أن ما يجري كارثة حقيقية حلت بشعوب كانت تتوق للحرية والديمقراطية لتجد نفسها في متاهة الاقتتال العرقي والطائفي وحتى تضارب مصالح القوى الداخلية تأججت تحت وطأة تجاذبات حسابات القوى الأجنبية. وإذا كانت تونس خرجت من تجربتها بأقل الأضرار، فإن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لليبيا واليمن وسوريا التي بقيت تحت طائلة حروب مدمرة استعصى حسمها لا بالقوة العسكرية ولا بالمفاوضات والحوار بين أبناء البلد الواحد. وانقلبت نشوة التغيير إلى حسرة على الزمن الذي ولى في وقت احتبس الوضع في حدود الأفق الغامض ومتاهة النفق المظلم وبقي أمل الخروج منه بعيد المنال.

ولا يختلف الكل على القول أن السوريين واليمنيين والليبيين لو اعتقدوا يوما أن خروجهم عن طاعة رؤساء أنظمتهم ستؤول بهم إلى المآل الذي هم فيه اليوم لما تحركوا بقناعة أنهم كانوا يتوقون لإقامة أنظمة ديمقراطية يتعايش في ظلها الجميع وترفع عنهم الغبن الذي سلط عليهم لعقود من أنظمة، همها البقاء في السلطة والمحافظة على امتيازاتها. والأكيد أيضا أن هذه الشعوب لو اعتقدت لحظة أن ثوراتها ستفرز بشكل مفاجئ تنظيم "داعش" والترهيب الذي تحمله مواقف "أمرائه" لما فكروا في هذا التغيير الذي بقي إلى حد الآن محل استفهام وتساؤلات حول غد لا أحد بإمكانه التكهن بما يحمله من مفاجآت، المحزن منها أكبر من المفرح.