بسبب رائحة الغاز المنبعثة من أعماقه

منطقة شرق المتوسط على صفيح ساخن،،،

منطقة شرق المتوسط  على صفيح ساخن،،،
  • القراءات: 802
م. مرشدي م. مرشدي

تعيش منطقة شرق المتوسط هذه الأيام، على صفيح ساخن ينذر باشتعال نيرانه على وقع رائحة غاز منبعثة من أعماقه زادت في نهم الدول المطلة على ضفافه، كل واحدة تريد الاستئثار بخيراته المقدرة بحوالي 350 مليار متر مكعب من الغاز المسيل للعاب.

نظمت قوات بحرية تركية ـ أمريكية أمس، مناورات عسكرية في شرق المتوسط ردا على مناورات رباعية فرنسية ـ إيطالية ـ يونانية وقبرصية في نفس المنطقة، ضمن مشهد عكس حقيقة التصعيد القائم في بحيرة السلام المتوسطية ومؤشرات الانزلاق باتجاه مواجهة مفتوحة في عرض مياهها.

وينتظر أن يفرض هذا التوتر في شرق المتوسط بين اليونان وتصعيد اللهجة بين أنقرة وأثينا نفسه على طاولة وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي اليوم وغدا، بالعاصمة الألمانية، الذي سينعقد على امل نزع فتيل وضع ما انفك يتأجج باتجاه مزيد من التوتر وربما المواجهة الحتمية.

وفي محاولة لتفادي ذلك ورغبة من بلاده لإنجاح اجتماع العاصمة برلين، وصل وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، إلى أثينا وأنقرة في محاولة لتهدئة النفوس وتغليب لغة الحوار بين سلطات البلدين.

وتأتي هذه التطورات وقد شرعت قوات بحرية فرنسية وإيطالية ويونانية وقبرصية اليوم، في أكبر مناورات عسكرية في مياه شرق المتوسط على مقربة من السواحل القبرصية ضمن رسالة قوية باتجاه تركيا التي بدأت أكبر عملية مسح جيو ـ فيزيائي بحثا عن حقوق غازية في عمق مياهها الإقليمية.

وفهمت هذه الأخيرة الرسالة جيدا وجعلها هي الأخرى تشدد اللهجة حفاظا على مصالحها، متوعدة السلطات اليونانية من مغبة ارتكاب أي خطأ في تصرفاتها لأنه سيؤدي إلى خرابها كما اكد على ذلك الرئيس، رجب طيب اردوغان، الذي أبان عن حزم كبير في التعاطي مع هذه التطورات.

وبدا الوضع في هذه المنطقة يستعر شيئا فشيئا منذ إعلان إسرائيل قبل حوالي عشر سنوات عن اكتشاف أضخم حقل غازي على مقربة من المياه الإقليمية اللبنانية تأكد امتداده إلى المياه القبرصية اليونانية.

وهو ما جعل دولا متوسطية أخرى تزداد يقينا أن هذا الحقل الضخم قد يصل إلى عمق مياهها وهو ما وقفت عليه مصر سنة 2015، عندما اكتشفت أضخم حقل قبالة سواحلها المتوسطية.

وتعاملت مختلف هذه الدول مع الحدث على أنه منّة من الله إلا أن سعي تركيا في الأشهر الأخيرة، لتجريب حظها قبالة سواحلها زاد في درجة التوتر التي بلغت أوجها على خلفية الأزمة الليبية.

وكان اتفاق السلطات الليبية والتركية على إقامة منطقة اقتصادية مشتركة بمثابة فتيل لهذا التوتر، بعد أن رأت فيه اليونان تهديدا لمصالحها مما جعلها تستنجد بالاتحاد الأوروبي عله يتمكن من كبح جماح سلطات تركية لا تريد التفريط في هذا الكنز الذي يجعل منها دولة مكتفية ومصدرة لهذه المادة الحيوية.

وكلما زادت رائحة الغاز المنبعثة من أعماق بحيرة السلام وزكمت الأنوف زادت معها مخاطر حدوث مواجهة مفتوحة وخاصة بين تركيا واليونان، والتي جاءت هذه المادة لتزيد في درجة العداء التاريخي بينهما حول ترسيم حدودهما الدولية.

ولأن الرهان كبير ويتعلق بتقاسم احتياطات بأكثر من 350 مليار متر مكعب من الغاز، فإن الصراع لم يبق مقتصرا على الدول المعنية ولكنه جعل فرنسا تقحم نفسها في هذه المعركة تحت غطاء مظلة التعاون القاري ودعما لدولة اليونان في وجه الطموح التركي.

ولم تجد قائدة الجيوش الفرنسية فلورانس بيرلي، حرجا في القول إن باريس توجه تحذيرات لأنقرة بدعوى أن الغاز المستكشف ملك مشترك، وأن احترام القانون الدولي يجب أن يكون القاعدة وليس الاستثناء.

ولأن التيار لم يعد يمر بين باريس وأنقرة بسبب الطموح التركي في ليبيا، فإن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، لم يترك المسؤولة العسكرية الفرنسية تتلذذ بتصريحاتها ليرد عليها أمس، بنفس حدة لغة التهديد أن بلاده لن تتراجع عن الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية في منطقة شرق المتوسط، داعيا بطريقة ضمنية اليونان وفرنسا إلى تفادي الوقوع في الخطأ الذي قد يدفع بهم إلى الدمار.

وقال إن بلاده لن تتنازل عن حقوقها الغازية لا في البحر الأسود ولا في بحر إيجا ولا في شرق المتوسط، وأنها مستعدة لاستنفاذ كل الخيارات المتاحة لديها السياسية منها والاقتصادية وحتى العسكرية.

وجاء الرد التركي أيضا على تصريحات الوزير الأول اليوناني  كيرياكوس ميتسوتاكيس، الذي أكد أمام نواب برلمان بلاده أن القوات اليونانية على أهبة الاستعداد تحسبا لأي طارئ وبقناعة أن اليونان قوية على الأرض كما في المفاوضات.

وكانت وزارة الدفاع القبرصية، أكدت قبل ذلك أن التصعيد ومحاولات زعزعة الاستقرار في شرق المتوسط بلغت ذروتها ضمن توابل وضع أشبه ببرميل بارود فوق نار هادئة، جعل وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، يحذّر أمس، من أن كل شرارة من شأنها أن تؤدي إلى كارثة، وان مواجهة القوة بالقوة لن تؤدي أبدا إلى تسوية المشاكل العالقة.