دفع ثمن إعلان انقلابه ضد المتمردين الحوثيين

مقتل الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح

مقتل الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح
  • القراءات: 788
م.م م.م

أكدت مصادر متطابقة من العاصمة اليمنية صنعاء أمس، مقتل الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح البالغ من العمر 75 عاما في عملية مازالت يكتنفها غموض كبير. 

وبعد التزام الصمت حول حقيقة مقتله، أكدت فائقة السيد القيادية في حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان الفقيد أمينا عاما له، أن «صالح سقط شهيدا دفاعا عن الجمهورية»، مؤكدة بذلك تصريحات مصادر جماعة عبد المالك الحوثي المتمردة التي أكدت ساعات قبل ذلك أنها قتلت الرئيس «المخلوع علي عبد الله صالح خلال معارك متواصلة بين مقاتليها والقوات الموالية له في العاصمة صنعاء».

وأكدت قناة تلفزيون «المسيرة» التابعة لهذا التنظيم ـ نقلا عمّا يسمى بوزارة الداخلية التابعة له ـ «نهاية مليشيا الخيانة ومقتل قائدها وعدد من العناصر الإجرامية الموالية له»، في إشارة إلى الرئيس عبد الله صالح.

وتناقلت مختلف وسائل الإعلام الدولية صورة الرئيس القتيل محمولا داخل بطانية وقد أصيب بجرح غائر في مؤخرة رأسه ربما بسبب تعرضه لطلق ناري، بينما بقي وجهه سليما من أي خدوش، بما يؤكد احتمال اغتياله على يد قناص وليس خلال معارك كما أكدت ذلك مصادر المتمردين.

ولم توضح الصورة الملتقطة بواسطة هاتف جوال ما إذا كان الأشخاص الذين حملوه من الموالين له أم أنهم من عناصر جماعة الحوثيين. وإذا سلمنا بفرضية تعرضه لعملية قنص، فإن ذلك يدحض احتمال  تعرض منزله لعملية تفجير خاصة وأن الصور المتلقطة لجثته لم تحمل أي أثر للغبار على وجهه أو ثيابه.

كما لا يستبعد في سياق التطورات الغامضة التي عرفها اليمن خلال اليومين الأخيرين أن يكون الرئيس صالح قتل من طرف مقربين منه لم يرقهم إقدامه على قراره أول أمس، بالانقلاب على الحوثيين وإعلان استعداده إقامة صلح مع العربية السعودية التي تقود حلفا عسكريا ضد هذه الحركة منذ سنة 2014.

وهي فرضية أخرى مطروحة إذا سلمنا باستحالة وصول الحوثيين إلى الرئيس صالح بمثل هذه السهولة ليس فقط كونه مازال محاطا بقوات عسكرية من الجيش النظامي والقوات الخاصة التي كان يقودها نجله الأكبر ولكن بحكم تجربته في إدارة الشأن اليمني يوم كان رئيسا للبلاد طيلة 33 عاما وحين تحول إلى المعارضة المسلحة.

وهي تجربة كافية لأن تزيده قناعة أن قراره الأخير بالثورة على الحوثيين سيكلفه حياته إن لم يتخذ الاحتياطات الأمنية اللازمة لحماية نفسه من حلفاء اعتبروا قراره بطي صفحة العداء مع العربية السعودية بمثابة خيانة وطعنا في الظهر.

وهي خيانة قد تكون متبادلة إذ لا يستبعد أن يكون الرئيس علي عبد الله صالح أقدم على اتخاذ قراره «الخطير» رغم تبعاته بعد أن أحس باحتمال انقلاب الحوثيين عليه في أي لحظة مما جعله يستبق الأمر ويعلن قطع شعرة معاوية التي ربطت حلفه غير الطبيعي معهم على أمل الحصول على حماية سعودية قبل فوات الأوان بدليل اندحار قواته أمام تقدم مقاتلي عبد المالك الحوثي على معاقله في العاصمة صنعاء.

ويبقى مثل هذا الاحتمال واردا إذا سلمنا بطبيعة الأوامر العسكرية التي أصدرها الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي أمس، وبشكل مفاجئ باتجاه قوات الجيش النظامي، حاثا إياها على محاصرة العاصمة صنعاء التي احتلها الحوثيون من أجل فك الحصار المفروض على وحدات الرئيس القتيل إلا أن تدخلها جاء متأخرا وبعد أن «وقع الرصاص في رأس صالح».

وأمر الرئيس منصور الجيش بفتح عدة جبهات قتال ضد الحوثيين لتسهيل مهمة دخول العاصمة اليمنية في نفس الوقت الذي طالب فيه التحالف العسكري العربي بقيادة العربية السعودية سكان مدينة صنعاء الابتعاد عن ساحة المواجهات تمهيدا لشن غارات جوية ضد المتمردين وفك الخناق الذي فرضته على قوات الرئيس المغتال بعد قراره بالتحالف مع الرياض.

وهو ما يفسر خروج مئات اليمنيين من الرافضين لسيطرة الحوثيين على المدينة في مظاهرات حاشدة أمس، رغم الاشتباكات ودوي الرصاص المتواصل في أحياء صنعاء مرددين شعارات «لا حوثي بعد اليوم» قبل أن يتم الإعلان عن مقتل الرئيس صالح الذي فاجأ الجميع وخلف صدمة قوية في صفوف الموالين له.

الاغتيال سيخلط حسابات كل الأطراف

والمؤكد أن عملية الاغتيال ستخلط حسابات كل أطراف الحرب اليمنية دون استثناء، فحزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان يقود بقاياه من المناضلين والعسكريين سيجدون أنفسهم أمام معضلة من يخلفه كشخصية كارزمية في معادلة يمنية اختلطت أرقامها وحسابات أطرافها، وهو الحال نفسه بالنسبة للقوات الموالية للحكومة اليمنية الحالية بقيادة الرئيس منصور هادي الذي اعتبر انقلاب صالح ضد الحوثيين بمثابة مكسب لا يجب تضييعه وهو ما جعله يسارع إلى نجدته عسكريا وأيضا بالنسبة للعربية السعودية التي استقبلت عرض الرئيس اليمني الأسبق بكثير من الترحيب لأنه سيعفيها من خسائر حرب دخلتها ولكنها لم تعرف سبيلا للخروج منها بالنظر إلى الأموال الطائلة التي كلفت خزينتها في وقت عرفت أسعار النفط موردها الرئيسي، كسادا غير مسبوق منذ جوان 2014.

وهي تطورات ستضرب أيضا الخطة الأممية لإنهاء الحرب المتأججة في هذا البلد منذ ست سنوات، في الصميم وسيعود المبعوث الأممي إلى اليمن، الدبلوماسي الموريتاني، إسماعيل ولد الشيخ إلى نيويورك خاوي الوفاض بعد مقتل الرئيس صالح في نفس الوقت الذي كان فيه مجتمعا بالرئيس منصور هادي بالعاصمة السعودية الرياض وهو الذي كان يأمل في أن يساهم موقف الرئيس المغتال في إنهاء حالة الاحتقان التي عرفتها مساعي التسوية الأممية وفق اللائحة 2216 التي أقرها مجلس الأمن الدولي من أجل إنهاء الحرب الأهلية في اليمن.

والذي لا يختلف فيه اثنان أن هذه التطورات جاءت لتعمق الجرح اليمني وتزيد في مأساة غالبية شعب هذا البلد الذي عجزت الأمم المتحدة عن نجدة الملايين من أبنائه الذين فتكت بهم المجاعة والأمراض القاتلة في سياق ثورات «ربيع عربي» ما لبث أن تحول إلى شتاء بدماء أبرياء تراق ليل نهار.