التململ الاجتماعي في المغرب يبلغ حده الأقصى

"مسيرة الأكفان" تخرج نساء جرادة إلى الشارع

"مسيرة الأكفان" تخرج نساء جرادة إلى الشارع
  • القراءات: 651
م مرشدي م مرشدي

تتقاطع أحداث التململ الاجتماعي في المغرب لتلتقي جميعها عند تأكيد، تعاظم درجة التذمر الاجتماعي وسط شريحة الفقراء في المجتمع المغربي بسبب ظروف معيشتهم التي لم تعد تحتمل وقد انسد الأفق أمام الأمل في غد أفضل.

وتتزايد النقمة الشعبية في مختلف المناطق المغربية بسبب الظروف الاجتماعية في وقت أكدت فيه تقارير إعلامية عن نسبة بطالة لم تعد تطاق في أوساط شريحة الشباب الداخلين على سوق العمل التي اعتبرتها مصادر مغربية "قنبلة موقوتة" مرشحة للانفجار في أية لحظة بعد أن أصبح أربعة شبان من بين عشرة يعانون من شبح استفحال هذه الظاهرة، دون الحديث عن أرباب العائلات الذين فقدوا مناصب عملهم بسبب الأزمة الاقتصادية التي مست مختلف دول العالم وانعكست بشكل مباشرة على الاقتصاد المغربي.

هي كلها عوامل تفاعلت فيما بينها وجعلت الامتعاض ينتقل إلى شريحة النساء المغربيات اللائي ضقن ذرعا من حياة تزداد صعوبة وسط وعود حكومية لم تعد الأغلبية الساحقة من المواطنين تصدقها أو تثق فيها.

ولم يكن خروج نساء مدينة جرادة المعروفة بعاصمة الفحم أول أمس في مسيرات احتجاجية سوى الصورة المصغرة لواقع النساء وكل المغاربة في كل مناطق هذا البلد التي تعاني من مشاكل واحدة وعجزت الحكومات المتعاقبة على إيجاد حلول ناجعة لها.

والمفارقة أن المسيرات النسوية غير المسبوقة في هذه المدينة وكل المغرب جاءت مباشرة بعد إنزال حكومي قاده هذه المرة رئيس الحكومة سعد الدين العثماني الذي حل أخيرا بمدينة وجدة عاصمة شرق المغرب وهو محمل بوعود قال إنها ستكون كفيلة بتحقيق إقلاع اقتصادي لمنطقة تعاني التهميش والفقر المدقع وتفتقد لأدنى مؤشرات النمو سوى من مناجم مهجورة للفحم، تحولت مع الوقتإالى مقابر ليائسين من سكان المدينة للحصول على كميات من هذه المادة وبيعها لتلبية حاجيات أفراد أسرهم اليومية.

وما كان خروج نساء جرادة في أقصى الشرق المغربي سوى رسالة قوية باتجاه العثماني ومن ورائه القصر الملكي بأن المغربيين لم يعودوا يثقون في وعود لن تتحقق في تكرار لمواقف حراك الريف المتواصل منذ نهاية سنة 2016 والذي رفض سكانه كل الوعود التي حملها إليهم وزراء الحكومة تباعا دون أن يتحقق أيا منها إلى حد الآن.

والمؤكد أن السلطات المغربية لم تكن تنتظر الخرجة التي قامت بها نسوة مدينة جرادة، حيث اقتصرت المسيرات الاحتجاجية إلى حد الآن على الرجال والشباب قبل أن تكسر حرائر المدينة هذا المنطق وقد ارتدت بعضهن الأبيض للتعبير عن سلمية مسيرتهم وتوشحت أخريات بالأسود تعبيرا عن حزنهم على فقدهن أبنائهن وأزواجهن في ظلمات مناجم لم تجلب لهن سوى المآسي والأحزان.

وإذا كانت هذه المشاهد قد حملت الكثير من الرمزية والرسائل المشفرة إلا أنها أكدت على هوة الشرخ التي ما انفكت تتوسع بين السلطات المركزية في الرباط وبين ما يريده سكان المغرب العميق من مشاريع إنمائية تغنيهم الحاجة والعوز الذي أصبح متلازمة لهم في سائر أيامهم.

وهو الواقع الذي جعل نشطاء حراك جرادة وممثلي النقابات الداعمة لهم يرفضون دعوة لحضور اللقاء مع رئيس الحكومة بمدينة وجدة عاصمة الشرق المغربي واعتبروا ذلك بمثابة "خطوة استفزازية وتقزيمية" لمطالبهم التي ما انفكوا يرفعونها في مسيراتهم السلمية منذ السادس فيفري الماضي.

وفهم نشطاء حراك مدينة الفحم وكل سكانها أن الوعود التي حملها رئيس الحكومة هي تكرار لتجربة ما وقع مع حراك الريف، حيث بقيت الوعود مجرد "جزرة" استعملها المخزن من أجل تبرير اللجوء إلى  "العصا" التي سلطها على نشطاء هذا الحراك في محاكمات مازالت متواصلة إلى حد الآن.

وتأكد نشطاء حراك مدينة جرادة أن تخميناتهم كانت في محلها بعد أن عمدت السلطات المغربية عشية زيارة، سعد الدين العثماني إلى مدينة وجدة، إلى القيام بإنزال أمني غير مسبوق تم من خلاله محاصرة المدينة ومداخلها ومفترقات شوارعها الرئيسية تحسبا لأية مسيرات غاضبة، ضمن مخاوف من أن تتحول هذه الزيارة إلى فتيل لإشعال نار غضب متجدد وهو ما جعله يؤجلها في كل مرة قبل أن يكتفي أول أمس بزيارة مدينة وجدة فقط دون المغامرة بالتوجه إلى جرادة وقد بلغت درجة تذمر سكانها حد الانفجار في أية لحظة.