استغلت تفجيرات باريس لاستعادة دورها المفقود

مساعي فرنسا للبقاء قوة فاعلة في تحديد مسار العالم

مساعي فرنسا للبقاء قوة فاعلة في تحديد مسار العالم
  • القراءات: 686
م. مرشدي م. مرشدي

اتخذت السلطات الفرنسية إجراءات أمنية غير مسبوقة مع احتمال تمديد حالة الطوارئ إلى غاية فيفري القادم وتوظيف قرابة عشرة آلاف عسكري وجمركي ضمن جهد أمني إضافي لتفادي تكرار كارثة الجمعة الأسود. وأرفقت مثل هذه القرارات بإجراءات قانونية قد تصل إلى حد تعديل دستور البلاد بكيفية تعيد النظر في كثير من القضايا وخاصة مسألة منح الجنسية ونزعها وطرد مزدوجي الجنسية في حال أخلوا بالنظام الجمهوري. وإذا كانت هذه الإجراءات مفهومة وتقبلها الرأي العام الفرنسي بقناعة الخيار الأنجع لضمان أمنه بعد أن دب الخوف في النفوس وأصبح هاجسا عكس هشاشة نفسية الفرنسيين، فإن السؤال يطرح حول الوعيد الذي رفعه الرئيس فرانسوا هولاند بمحاربة ما أسماه ولأول مرة بـ"جيش داعش" ضمن وصف يوحي بأن تنظيم الدولة الإسلامية أصبح فعلا أشبه بجيش نظامي يتهدد الأمن العالمي إذا سلمنا بتهديداته التي رافقت تبنيه لتفجيرات باريس وقال إنه سيضرب كل الدول التي تعاديه بما فيها هز قلب العاصمة الأمريكية تماما كما حدث في باريس الفرنسية.

وهو ما يقود الى التساؤل أيضا حول طبيعة الرد الفرنسي وهل سيصل إلى حد إرسال قوات برية كما فعل في مالي والنيجر وإفريقيا الوسطى ضمن خيار وصفه الرئيس الامريكي باراك أوباما بالخاطئ مما يؤكد أن هذه الفرضية مطروحة كخيار لدى صناع القرار الفرنسيين والذي لم تتجرا نظيرتها الأمريكية ولا حتى الروسية على فعله بالنظر إلى انعكاساته السلبية في حال طالت مدته دون الحديث عن الجهد العسكري والمالي الذي يتطلبه.ومهما تكن الخيارات المطروحة على طاولة صناع القرار الفرنسيين فإن الجدير ذكره فإن باريس وجدت في تفجيرات "الجمعة ـ13" ذريعة وغطاء مواتيا لإقحام نفسها في الحرب الدولية في سوريا حتى لا تبقى على هامش الترتيبات التي بدأت الولايات المتحدة وروسيا تضعانها لتوزيع المصالح بعد القضاء على "بعبع الدواعش". 

وإذا كان إبحار حاملة الطائرات شارل ديغول باتجاه السواحل السورية شكل إعلان حرب فرنسية ضد التنظيم المتطرف فإن ذلك يعد بمثابة تحول استراتيجي للدور الفرنسي في معادلة المواجهة العسكرية على الأرض السورية.ويمكن القول أيضا أن فرنسا استغلت التعاطف الأوروبي معها على خلفية تفجيرات نهاية الأسبوع وجعلت من نفسها حاملة راية دول الاتحاد الأوروبي بهدف عدم تهميش دوله في هذه الترتيبات المستقبلية وهو ما جعلها توافق في اجتماع طارئ لوزراء دفاعها أمس على طلب الدعم العسكري الذي تقدمت بها باريس لإسنادها في حربها في سوريا وبذريعة انه لا يمكنها أن تكون على كل الجبهات في إشارة الى مالي والنيجر. وأعاد مثل هذا الموقف إلى الأذهان تلك الصورة التي خلفتها تفجيرات الحادي عشر سبتمبر 2001 ضد برجي التجارة العالمي في نيويورك والذي استغلته الولايات المتحدة لتنفيذ استراتيجيتها العالمية لما بعد مرحلة الحرب الباردة بأكبر حرب تشنها خارج حدودها منذ الحرب العالمية الثانية مهدت لها الطريق لان تقوض دور روسيا في نطاق حدودها الغربية وفتحت لها المجال بعدها لضرب العراق وإضعافه والضغط على إيران انطلاقا من مياه الخليج.

ولا يستبعد أن يكون الرئيس فرانسوا هولاند أراد استنساخ ما قام به الرئيس جورج بوش باستغلال تفجيرات باريس والدعم الدولي الذي لاقته فرنسا بهدف تمكينها من فرض نفسها بقوة الأمر الواقع في أية ترتيبات لإعادة توزيع الأدوار في النسق الدولي للألفية الثالثة عبر البوابة السورية.ويبقى مثل هذا الطرح واردا جدا إذا أخذنا بتسارع الأحداث التي خلفتها لقاءات العاصمة النمساوية بين الولايات المتحدة وروسيا التي بحثت الترتيبات الخاصة بترسيم مرحلة انتقال سياسي في سوريا على مدى ستة أشهر بعد التوصل الى وقف لإطلاق النار تكون كافية لتنظيم انتخابات عامة في هذا البلد الممزق بحرب مدمرة.وأكدت المصطلحات العسكرية التي استعملها الرئيس الفرنسي في خطابه أمام نواب الغرفتين أن باريس شعرت بتهميشها بعد أن تم إقصاؤها في أول لقاءات العاصمة النمساوية التي اقتصر الحضور فيها على الولايات المتحدة وروسيا والعربية السعودية وتركيا في وقت كانت باريس تعتقد أنها طرف لا يمكن القفز عليه في أية ترتيبات سياسية.

وهو ما فسر دعوتها لاجتماع طارئ في باريس خصص لبحث المسألة السورية عشية اللقاء الثاني بالعاصمة النمساوية تعمدت فيه إقصاء روسيا وإيران من حضوره قبل أن تجلس معهما وجها لوجه عندما تم استدعاؤها للمشاركة رفقة 20 دولة أخرى في لقاء فيينا الثالث.وكانت عمليات القصف التي شنتها طائرات "رافال"، أمس، على معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في محافظة الرقة السورية بمثابة رسالة أرادت باريس إيصالها للولايات المتحدة وروسيا بقناعة تشكيل تحالف عسكري موحد لمواجهة العدو الواحد. وهو ما يفسر الزيارة التي سيقوم بها الرئيس فرانسوا هولاند بداية الأسبوع الى واشنطن ثم موسكو للقاء الرئيسين باراك اوباما وفلاديمير بوتين ليس من اجل بحث كارثة تفجيرات باريس ولكن لبحث الدور الفرنسي في إستراتيجية العالم لما بعد الحرب الأهلية في سوريا.