طباعة هذه الصفحة

الرئيس المالي يقطع زيارة إلى سويسرا بعد مجزرة صوبان ـ كو

مخاوف من تفكّك البلاد إلى دويلات عرقية

مخاوف من تفكّك البلاد إلى دويلات عرقية
إبراهيم أبو بكر كايتا
  • القراءات: 748
م. م م. م

استفاق الماليون بعد مجزرة قرية صوبان ـ كو وسط البلاد التي راح ضحيتها ليلة الأحد إلى الاثنين أكثر من 120 شخص على حقيقة أن بلدهم يسير بخطى متسارعة باتجاه حرب عرقية قد تؤدي إلى تفككه في حال عجزت السلطات المركزية في إيجاد آليات عملية لاحتواء وضع لم يعد يبشر بالخير.

لم يخف الرئيس إبراهيم أبو بكر كايتا هذه المخاوف بعد أن اضطر إلى قطع زيارة رسمية إلى سويسرا وعاد لتوّه إلى باماكو للوقوف على حقيقة وتبعات هذا العداء المستفحل في علاقة عرقية البول وعرقية الدوغون المنتشرتين في وسط البلاد، وقد تعمّق الشرخ بينهما في السنوات الأخيرة إلى درجة لجوئهما إلى تشكيل مليشيات مسلحة لصد هجمات العرقية الأخرى.

واستند الرئيس كايتا في مخاوفه على تقارير أكدت أن منفذي عملية الإبادة التي شهدتها القرية المذكورة ينتمون إلى عرقية البول وقد ارتكبوها انتقاما لمجزرة 23 مارس الأخير التي نفذها مسلحون من عرقية الدوغون وخلفت إبادة 160 من سكان قرية أوغاسوغو النائية في ولاية موبتي على الحدود مع دولة بوركينا فاسو.

واستشعر الرئيس المالي مخاطر النزعة الانتقامية بين هاتين العرقيتين وخطرها على تجانس مجتمع بلاده وراح يؤكد أن الانزلاق في متاهة الانتقام والضغينة لا يخدم المصلحة العامة لكافة الماليين، حاثا عقلاء هاتين العرقيتين إلى التحلي بروح التسامح الكفيلة وحدها ببقاء الأمة المالية على اعتبار أن الأمر أصبح ـ كما قال ـ مسألة بقاء أو اضمحلال وزوال.

وانتقلت حالة اللأمن إلى تركيبة المجتمع المالي بعد أن كان الأمر مقتصرا على تهديدات تنظيمات إرهابية اتخذت من مناطق شمال البلاد معقلا لها وعملت طيلة عقدين من الزمن على إقامة علاقات وثيقة مع شبكات تهريب الأسلحة والبشر والمخدرات وحتى مع أعيان بعض القبائل سواء بالمصاهرة أو بمنح امتيازات مالية لهم.

وزادت مثل هذه التطوّرات في تعقيد الوضع الأمني في هذا البلد وجعلت الحكومة المركزية في باماكو تعجز في معالجته سواء عبر المفاوضات السياسية أو عبر استخدام محاربته بالقوة العسكرية.

وهي حقيقة قائمة جعلت المجموعة الدولية تقف في موقع المتفرج على وضع لم يعد يهدّد أمن دولة مالي فقط ولكن خطره توسع ليشمل كل دول منطقة الساحل التي تحوّلت إلى بؤرة توتر عالمية.

والمفارقة أن نحو 30 ألف رجل من القوات العسكرية المنتشرة في شمال مالي سواء تلك التابعة للأمم المتحدة أو للجيش الفرنسي أو قوات دول الساحل الخمس أو الحكومة المالية، فشلت جميعها في تحييد عناصر التنظيمات الإرهابية ووضع حدّ لخطرها المستفحل من عام لآخر.

واكتفى محمد صالح نظيف رئيس البعثة الأممية في مالي "مينوسما" والمقدر تعدادها بنحو 15 ألف رجل أمام هذه الوضعية بالتنديد بما سماها البربرية المقيتة التي يتحمّل الجميع مسؤولية تكرسها في علاقات مختلف شرائح وعرقيات المجتمع المالي بما يستدعي تحرّكا وطنيا لوقف هذه المتاهة.

ويبدو أن نداءات الرئيس المالي ورئيس بعثة الأمم المتحدة لم تلق آذانا صاغية، بدليل أن جمعية الصيادين الدوغون المتهمة باقتراف جريمة 23 مارس الماضي والتي أمرت السلطات المالية بحلها شهر ماي الماضي، سارعت إلى اعتبار مجزرة، أول أمس الاثنين، بمثابة إعلان حرب من طرف عرقية البول في تلميح إلى احتمال قيامها بعملية أشنع ضد عرقية البول في قادم الأيام.

ولا يمكن استبعاد مثل هذا الاحتمال خاصة وأن بعثة الأمم المتحدة سبق وأن نشرت، الأسبوع الماضي، تقريرا حذّرت من خلاله من مخاطر تنامي توتر العلاقة بين هاتين العرقيتين وجعلت من مجزرة أقلية الدوغون ضد أقلية البول شهر جانفي الماضي والتي خلفت إبادة 39 شخصا حدثا مفصليا في هذا التصعيد.

وقد اعتمد الأمين العام الأممي، انطونيو غوتيريس على مضمون هذا التقرير للتحذير من مجازر إبادة جديدة قد تقع في وسط البلاد أياما قبل عرض تقريره الدوري حول الوضع في مالي أمام مجلس الأمن في 27 جوان الجاري والذي سيخصّص لتمديد مهمة بعثة "مينوسما" لعام إضافي.