طباعة هذه الصفحة

ندوة "من السلم إلى الرفاه" الأمريكية حول القضية الفلسطينية

مجرد مضيعة للوقت،،

مجرد مضيعة للوقت،،
  • القراءات: 815
م.م م.م

اختتمت مساء أمس، أشغال ورشة "من السلم إلى الرفاه" التي دعت إليها الإدارة الأمريكية بالعاصمة البحرينية بعد يومين من اللقاءات والمحاضرات والعروض المغرية ولكنها لم تجب عن تساؤل مشترك طرحه الذين أيدوها وشاركوا فيها وأولئك الذين قاطعوها، وهو ما هي آليات تجسيد توصياتها وقد رفض الفلسطينيون الاعتراف بها وهم أول معني بها؟

ومن سمع، جاريد كوشنير، مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون السياسية وهو يتحدث أمام وفود الدول والهيئات والمصارف الدولية التي حضرت إلى المنامة يقتنع أن الإدارة الأمريكية وضعت العربة قبل الثيران وبدأت تزرع بذور تسوية ستزيد أزمة الشرق الأوسط تعقيدا أكبر بدلا من المساهمة في إنهائها.

ولا يختلف اثنان في الإقرار أن الاقتصاد وتحقيق الرفاه المنشود يبقى ثمرة طبيعية وتحصيل لوضع سياسي سوي يهيئ لقاعدة اقتصادية صلبة، أما الأخذ بمقاربه معاكسة، فهو قفز في المجهول وتوجه مآله الفشل المحتوم.

وخيّم شبح الفلسطينيين على أشغال هذه الندوة رغم مقاطعتهم لها وأدرك جاريد كوشنير، عراب هذه المبادرة وصاحب فكرتها بإيعاز من اللوبي اليهودي تأثير هذا الغياب وراح في كل مرة يدعوهم إلى اقتناص ما أسماها بـ«فرصة القرن" وعدم تضييعها رغم علمه المسبق بأنهم يعتبرون مبادرته بمثابة "كذبة قرن" لا يمكن تصديقها والثقة في من وضعوها لتعمدهم تجاهل حقيقة وجوهر الصراع وركبوا ما يخدم مصلحة العدو الإسرائيلي على حساب حقوقهم التي لا تقبل التنازل.

وراح كوشنير يخاطب الفلسطينيين بلغة استعلائية وقال إن الرئيس ترامب وأمريكا لم تتخل عنكم وإن المخطط الاقتصادي الذي عرضته عليكم سيشكل فرصة القرن لكن لو تحلت القيادة الفلسطينية بالشجاعة اللازمة لعدم تضييعها ومفهوم الشجاعة في لغة الأمريكيين هي التخلي عن الثوابت والحقوق التاريخية للشعب والقضية الفلسطينية.

وأدرك كوشنير ذي الأصول اليهودية، استحالة تمرير خطته، الأمر الذي جعله لا يتوانى عن توجيه رسائل تهديد ووعيد مبطنة باتجاه الفلسطينيين بأنهم لن يحصلوا على السلام الذي يريدونه ما لم يقبلوا بخطته الاقتصادية التي اعتبرها محرك كل عملية السلام وشرط مسبق لتحقيقه.

ويبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي قلبت معايير التعاملات الدولية بخصوص قضايا النزاع السياسية وتبنت المقاربة الاقتصادية لتسوية أحد أقدم الصراعات في العالم، اعتقادا منها أن ملء بطون الفلسطينيين بمال السحت بعد تجويعهم والقهر المسلط عليهم سيجعلهم لا يفوتون "فرصة ذهبية" لطي صفحة الأمعاء الخاوية والجوع الذي سلطته عليهم حكومات الاحتلال المتعاقبة ضمن خطة مبيتة لتركيعهم.

وساهمت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في إحكام قبضة الاحتلال على الفلسطينيين بعد قراراتها المتلاحقة بقطع المساعدات والإعانات لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين لإيجاد الظروف المواتية لتمرير خطة "صفقة القرن".

ولكن الفلسطينيين أخلطوا عليها حساباتها وفوّتوا عليها تمرير خطتها بعد أن رفضوا لأول مرة الانسياق وراء وعودها الكاذبة رغم الأزمة الاقتصادية التي يعانون منها ورغم الضغوط الإقليمية والدولية الممارسة عليهم لأنهم أدركوا أن قبول الصفقة يعني غرز آخر إسفين في ما تركته اتفاقات أوسلو من القضية الفلسطينية التي فقدت قوة تأثيرها من قضية محورية لكل العرب إلى مجرد حدث يمكن تسويته بحفنة دولارات أمريكية.

والأكثر من ذلك، فإن الإدارة الأمريكية أخطأت في تقديراتها ولم تعطي لدروس التاريخ أهمية، فلو كانت الأموال كفيلة بحسم هذا النزاع لما سبق الرئيس، دونالد ترامب الإدارات الأمريكية السابقة في لعب ورقة الإغراق المالي للفلسطينيين وأنهت المشكلة من أساسها ومكنت إسرائيل من العيش كما تقول في أمن وأمان في محيط عربي معاد.

ولم ينتظر كوشنير والعرب الذين أيّدوا هذا المسعى التضليلي طويلا لمعرفة رد الشعب الفلسطيني الذي خرج في مظاهرات صاخبة في الضفة الغربية كما في قطاع غزة، رافضا خطة الذل والهوان ولو كلفه ذلك مزيدا من الجوع والحرمان.

وقال صائب عريقات الأمين العام لمنظمة التحرير، إن أمريكا لم تتخلى فقط عن الفلسطينيين ولكنها رهنت كل فرصة لتحقيق السلام والعدالة والقواعد الأساسية لمبادئ الإنسانية" في إشارة إلى قراراتها قطع كل مساعدة عليهم ضمن خطتها لتنفيذ الموت البطيء في حقهم.

وكان بإمكان الولايات المتحدة أن تكون في غنى عن تنظيم هذه الندوة ـ الصفقة المحكوم عليها بالفشل لو أنها واصلت العمل في سياق مبدأ حل الدولتين بما يمكن الفلسطينيين من إقامة دولتهم  المستقلة في إطار حدود متعارف عليها وعاصمتها القدس الشريف ولا يهمها بعد ذلك كيف للفلسطينيين أن يحققوا الرفاه لأنفسهم.

ولم يخطئ خبراء مجموعة التفكير الأمريكية "سوفان غروب" في التأكيد أمس، أن الولايات المتحدة فقدت أهليتها للقيام بدور الوسيط غير المتحيز في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي بعد قرارات الرئيس ترامب حول القدس والاستيطان وقطع المساعدات على الفلسطينيين، مما جعل خبراء هذه المجموعة يؤكدون في خلاصة تقييمهم لهذه المنامة بأنها كانت مجرد "مضيعة للوقت".